من طرف رياضي الأربعاء مايو 18, 2011 7:10 am
الدين، والسلطة، والنفوذ، ودواعي التجييش، والتبعية، والانبطاح.....
إلى المغفلين الذين ينساقون وراء الأوهام
محمد الحنفي
في هذا العالم المتخلف، الذي لا رأي للشعوب فيما يجري فيه، نجد أن مواقف المواطنين السياسية، لا علاقة لها بالانتماء الحزبي، ولا بالانتماء الطبقي، ولا بالتردي الذي تعرفه الوضعية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بقدر ما له علاقة بأمور أخرى، تتأسس على قاعدة انتشار الفساد السياسي، والإداري، الذي تعرفه البلدان المتخلفة على مدار السنة، وفي مختلف المحطات الانتخابية.
فالفساد السياسي، يقتضي تمكين جهات معينة من الإمكانيات المادية، والمعنوية، التي توظف لتقويتها، وجعلها تتغلغل في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، التي تعاني من التضليل الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، كما يقتضي حرمان جهات أخرى من تلك الإمكانيات، ومحاصرتها، حتى تبقى عاجزة عن الوصول إلى الجماهير الشعبية الكادحة، والمضللة في نفس الوقت، خوفا على تلك الجماهير من التقاط وعيها الطبقي، الذي يدفع بها إلى الانخراط في الصراع الإيديولوجي، والتنظيمي، والسياسي، في أفق تحسين أوضاعها المادية، والمعنوية، ومن أجل التغيير المنشود للواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى يصير ذلك الواقع في خدمة الجماهير الشعبية الكادحة، بدل أن يستمر في خدمة التحالف البرجوازي / الإقطاعي / المخزني / الظلامي المتخلف.
وعجز التنظيمات المغضوب عليها، عن الوصول إلى الجماهير الشعبية الكادحة، ليس رغبة من تلك التنظيمات، في الخضوع إلى ذلك العجز؛ بل هو ناتج على الشروط الموضوعية، التي صارت بمثابة سدود منيعة تحول دون وصول التنظيمات المناضلة إلى الجماهير الشعبية الكادحة.
وهذه الشروط الموضوعية، التي أنضجتها الطبقة الحاكمة، وأحزابها الإدارية، والمخزنية، تتجسد، بالخصوص، في الخضوع لكون الانتماء السياسي في المجتمع قائما على أساس:
أولا: قيام الحزب السياسي على أساس التوظيف الديني لخدمة السياسة. وهو ما نسميه بأدلجة الدين، التي تجعل دينا معينا يتحول من مجرد دين يتم الإيمان به، وممارسة طقوسه المعبرة عن ذلك الإيمان، إلى إيديولوجية تصير أساسا لقيام حزب معين، لخدمة تحقيق أهداف سياسية معينة، لا يمكن تحقيقها بعيدا عن استغلال الدين في الأمور السياسية.
ومعلوم أن مجتمعنا: المجتمع المغربي الذي يؤمن أفراده بالدين الإسلامي، ويخلصون في إيمانهم، ويستميتون من أجل ترسيخ ذلك الإيمان في المجتمع، ويعتقدون أن الحزب القائم على أساس ديني، هو الحزب المناسب "للجهاد"، من أجل تغيير الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تصير في خدمة الدين، وحتى يصير الناس جميعا خاضعين لتطبيق أوامر الله، ونواهيه، ومن أجل أن يصير المجتمع، برمته، مستعدا ليوم القيامة، لا من أجل أن يعيش بكرامته في الحياة الدنيا، عن طريق تمتيعه بجميع حقوقه، وفي مقدمتها تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي.
فاعتماد الأساس الديني في قيام حزب معين، هو سطو على الدين، عن طريق أدلجته، ليصير مجرد إيديولوجيا، تقود إلى إيجاد تنظيم سياسي معين، يقوم بتجييش كل المؤمنين بذلك الدين، من أجل السيطرة على السلطة السياسية، وخدمة المصالح الطبقية، لمؤدلجي الدين، كيفما كان هذا الدين.
والأدلجة التي يتعرض لها الدين بصفة عامة، والدين الإسلامي بصفة خاصة، تعتبر اكبر عملية تخريبية للوجدان الإنساني، تؤدي إلى اعتماد الدين لإلقاء كل الآراء المخالفة، التي يعتبرها مؤد لجو الدين متناقضة مع الدين. وهذا الإلغاء المتعمد، واللا ديمقراطي، هو الأساس الذي تقوم عليه إيديولوجية الإرهاب، الذي يرتبط بوجود الأحزاب، والتيارات المتشددة دينيا، وخاصة في بلاد المسلمين، ومنها المغرب، الذي صار يعرف تفريخ خلايا الإرهاب، التي يعلن عن تفكيكها بين فينة، وأخرى.
الثاني: قيام الحزب السياسي على أساس رغبة السلطة القائمة، وبتوجيه منها، من أجل إعطاء الشرعية للسلطة القائمة، و لسياسة الدولة اللا ديمقراطية، واللا شعبية.
والأحزاب التي تتكون على أساس رغبة السلطة في وجودها، كما حصل في سنة 1963، وفي سنة 1976، وفي سنة 1983، هي أحزاب تتكون من الأشخاص الذين تختارهم السلطة، بناء على مقاييس معينة، لتحقيق أهداف معينة، على المدى المتوسط، خدمة لمرحلة معينة. وبعد ذلك تبقى هذه الأحزاب موجودة، بناء على رغبة الحاصلين على مجموعة من الامتيازات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي جعلتهم من البرجوازية الكبيرة في المغرب، بعد أن كانوا مجرد عملاء لا يقدرون حتى على الحصول على قيمة لقمة العيش.
وإيديولوجية هذه الأحزاب، هي إيديولوجية السلطة القائمة، التي تأخذ من هنا، ومن هنا، وتقول هذا لنا، لتصير خليطا من الإيديولوجيات: العبودية، والإقطاعية، والبرجوازية الصغرى، إضافة إلى أدلجة الدين، التي تضلل قطاعا عريضا من مجتمع المومنين بالدين، المخلصين له، الذين صاروا يعتقدون بان السلطة القائمة، بهياكلها المختلفة، هي التي تمثل الدين، وما تقوم به جزء من الدين.
أما تنظيمات هذه الأحزاب، فلا تكون إلا وفق ما تريده السلطة، وتحت أعينها، حتى تتحول إلى تنظيمات تضمن عدم تنظيم الذين لا ترغب فيهم السلطة، وتمارس في الواقع ما ترغب فيه السلطة القائمة. فهياكل التنظيم الحزبي: التنفيذية، والتقريرية، تتصرف وفق ما ترسمه السلطة، لتنتج القرارات التي ترغب فيها السلطة، وتنفذها، في الوقت الذي تحدده.
وبالنسبة للمواقف السياسية لهذه الأحزاب، فإنها لا تتجاوز أن تصير مواقف سياسية للسلطة من الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، عن طريق إعادة إنتاجها؛ لأن هذه الأحزاب تعتبر نفسها جزءا من السلطة، وتابعة لها، وملتزمة بتوجيهاتها، حتى تضمن لأعضائها التمتع بمختلف الامتيازات، التي تقدمها لهم السلطة على المستوى المحلي، والإقليمي، والجهوي، والوطني، في التسلق الطبقي، والانخراط في صفوف الطبقات ذات الثراء الفاحش.
ونظرا لالتزام هذه الأحزاب بإديولوجية السلطة، وبتصورها التنظيمي، وبمواقفها السياسية، فإنها تصير خير سند للسلطة، وخير دعم لها، في ممارستها السياسية، اللا ديمقراطية، واللا شعبية.
الثالث: قيام الحزب على أساس النفوذ الذي يتمتع به شخص معين، انطلاقا من موقع معين،يحتله على المستوى الوطني، مما يجعله يتحكم في أجهزة السلطة، ويوجهها لخدمة مصالحه، في أفق تحقيق الأهداف التي يسطرها اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.
والحزب الذي يقوم على أساس نفوذ الشخص، يشكل انطلاقا من ذلك النفوذ، مما يجعل منه حزبا نافذا، محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، تهابه السلطة، وتخدمه، وتساعده، وبكافة الإمكانيات، المتوفرة لديها، على تحقيق أهدافه التي تجعل منه حزبا بارزا على المستوى الوطني، بروزا لا يوازيه إلا نفوذ الشخص على المستوى الوطني.
وحزب نافذ نفوذ الشخص الذي يقف وراءه، فإن:
أولا: إيديولوجيته تتشكل بناءا على ما يتفوه به الشخص النافذ، ويردده أتباعه، الذين يأتون إليه هرولة، وينبطحون أمامه، إخلاصا له، ورغبة في الاستفادة من الامتيازات التي يمنحها لهم، عن طريق تمكينهم من الوصول إلى مراكز القرار الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأن ما يتفوه به الشخص النافذ، يحفظه التبع المنبطحون عن ظهر قلب، ويرددونه على مسامع المواطنين، سعيا إلى تضليلهم آناء الليل، وأطراف النهار، لجعلهم يعتقدون أن الشخص النافذ بركة من الله إليهم، لإنقاذهم من الفقر، والجهل، والمرض، الذي يعانون منه، والذي ترتب عنه توالي تحكم جهات أخرى في مصيرهم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
ثانيا: تنظيمه على أساس التصور الذي يضعه، عبر أجهزة معينة، الشخص النافذ، حتى يتحكم فيه، ومن أجل أن لا يصير شيئا آخر، وسعيا إلى جعل الحزب قادرا على تحقيق أهدافه، من خلال تواجد أتباعه في مختلف المؤسسات الجماعية، وفي غرفتي البرلمان، والتحكم في تلك المؤسسات التي تتحول إلى وسيلة لتحقيق أهداف الشخص النافذ، المحلية، والإقليمية، والجهوية والوطنية؛ لأن التنظيم الحزبي القوي، هو التنظيم الذي يسيطر، أو يتواجد بقوة في مختلف المجالس، وفي غرفتي البرلمان. أما وجود التنظيم، في حد ذاته، كهيكلة تمارس مهامها، فأمر وقتي، يرتبط بالمحطات الانتخابية، التي تعرف نتائجها قبل أن تجرى.
ثالثا: مواقفه السياسية، هي نفسها مواقف الشخص النافذ، التي يرددها الأتباع، دون أن يكون لهم رأي فيها، حتى لا تتناقض مواقف الحزب مع مواقف الشخص النافذ، الذي قد يكون من موجهي سياسة الدولة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، كما قد يكون متحكما في الخريطة الانتخابية، التي تخدم مصالح حزبه، حتى يصير الحزب متحكما في أغلب المجالس المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية.
والحزب القائم، بهياكله المختلفة، عندما يلتزم بالمواقف السياسية للشخص النافذ، ولا يخرج عنها، فلأنه قام على أساس ذلك الشخص، الذي يتحكم في وجوده، خاصة، وهو يعلم علم اليقين، أن المتواجدين في أجهزة الحزب المختلفة قياديا، وقاعديا، وعلى جميع المستويات التنظيمية، لا يخرجون عن كونهم ينتمون إلى زمرة لانتهازيين في المجتمع، الذين لا يؤمن جانبهم، والذين يستطيعون تغيير جلدتهم في أية لحظة، همهم الأساسي، هو الانبطاح أمام من يمكنهم من تحقيق تطلعاتهم الطبقية، أو يعمل على حماية مصالحهم الطبقية، حتى وإن كان ذلك على حساب كرامتهم التي تذهب سدى، أو على حساب تعميق فقر الكادحين، عن طريق مضاعفة استغلالهم المادي، والمعنوي، حتى وان كان المنبطح له هو الشيطان، إن كان للشيطان نفوذ في الواقع الذي يتحرك فيه المنبطحون.
وهكذا يتبين أن تأسيس الحزب على أساس الشخص، الذي يتمتع بنفوذ كبير في المغرب، تكون إيديولوجيته، وتصوره التنظيمي، ومواقفه السياسية، نابعة جميعا من إرادة، ورغبة الشخص النافذ، حتى لا يفلت الحزب منه، ومن أجل أن يصير في خدمته، ويمكنه من مضاعفة نفوذه، الذي يتحول إلى نفوذ الحزب الذي يرتبط باسمه، ولا يقدم، ولا يؤخر، إلا بإرادته، ويعمل على خدمة مصالحه الإستراتيجية، عن طريق إعطاء الشرعية القانونية للمشاريع التي يعمل على انجازها هنا، أو هناك.
وسواء قام الحزب على أساس ديني، أو بتوجيه من السلطة، أو على أساس وجود شخص له نفوذ واسع على المستوى الوطني، فان مبررات قيام أي حزب من هذا النوع، تبقى غير شرعية، لأنه لا يقوم على أساس تبلور وعي معين، لدى طبقة معينة، توحدها مصالح معينة، تسعى، بناء على ذلك الوعي، إلى تنظيم نفسها، في أفق أن يصير لها تنظيم، يقود نضالاتها، في أفق تحقيق أهدافها المرحلية، والإستراتيجية، وهو ما يعني أن الحزب الذي لا يقوم على أساس إيديولوجية معبرة عن المصالح الطبقية لطبقة اجتماعية معينة، ووجود تصور تنظيمي منسجم مع الإيديولوجية، واتخاذ مواقف سياسية منسجمة مع طبيعة التنظيم الحزبي، يبقى حزبا مرشحا للانهيار، مهما كانت قوته، لانعدام وجود المقومات التي يقوم عليها الحزب، والتي تمكنه من مشروعية الوجود، والاستمرار.
فما هي نتائج قيام الأحزاب على أساس الدين، أو السلطة، أو نفوذ شخص معين؟
إن الحديث عن نتائج قيام أحزاب على أساس الدين، أو السلطة، أو الشخص النافذ، قد يظهر غير ذي جدوى، خاصة، وأن أحزابا من هذا النوع، لا تخرج عن كونها تسعى إلى إعادة إنتاج الواقع كما هو، لا كما يريده كادحو، ومقهورو الشعب المغربي، كما لا تخرج عن كونها تسعى إلى تكريس الاستبداد القائم في الواقع، وتعميق هذا الاستبداد، حتى لا يستنشق الكادحون نسيم الحرية، بكل دلالاتها، لأن الأحزاب المذكورة، هي أحزاب لا ديمقراطية، ولا شعبية، ولا يمكن أبدا أن تقف إلى جانب الشعب، عن طريق السعي إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
وانطلاقا من كون هذه الأحزاب لا تتجاوز أن تعيد إنتاج الواقع، لخدمة مصالح الطبقة الحاكمة، ومصالح التحالف البرجوازي / الإقطاعي / المخزني / السلطوي، وأن تعمل على إعادة إنتاج الاستبداد القائم، حتى وإن ادعت أنها تمارس الديمقراطية، لأن ديمقراطيتها، لا تتجاوز أن تكون ديمقراطية الواجهة، التي تضفي المساحيق على النظام الاستبدادي القائم.
والفرق الذي يمكن أن يميز بين هذه الأنواع من الأحزاب المذكورة، هو القيمة المضافة التي يمكن أن يتميز بها كل حزب على حدة. وهذا الفرق يتمثل في:
أولا: أن الحزب القائم على أساس الدين، الذي يعتبر نفسه وصيا "كاهنا" على الدين، ويؤدلج النص الديني، مما يخدم مصالح المنتمين إليه، يعمل على تجييش المضللين من أتباعه، الذين يعتبرون أن الحزب القائم على أساس الدين، يحمل لواء الجهاد، من اجل حماية الدين، والمحافظة عليه، وبناء النظام السياسي الديني على هذا الأساس. فالتجييش الذي يقوده الحزب، الذي يدعي انه ديني، لا يهدف إلى تحقيق الحرية، بقدر ما يعمل على تكريس الاستعباد باسم الدين، كما لا يهدف إلى تحقيق الديمقراطية، بقدر ما يسعى إلى تكريس الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، حتى يضمن للحزب الديني إمكانية التحكم في الواقع، وجعله في خدمة مؤدلجي الدين، الذين يؤولون النص الديني على هواهم، لتكريس تضليل المتدينين بواسطة ذلك التأويل، الذي يتحول إلى جزء من الدين، مع أنه مجرد تأويل بشري، تصير له الأولوية على النص الديني.
فالتجييش، إذا، هو مجرد وسيلة لظهور الحزب كحزب قوي، سواء كان مواليا للاستبداد القائم، أو كان يعمل على فرض استبداد بديل.
وقوة الحزب الديني عن طريق تجييشه للمضللين من المتدينين، سوف يقف عقبة كأداء أمام كل من يناضل من أجل تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية وأمام الديمقراطية نفسها، باعتبارها ممارسة "مستوردة" و"دخيلة" على المجتمع المتدين، وباعتبارها "بدعة" يجب التصدي لها، ونبذها، وباعتبارها وسيلة لنشر الكفر، والإلحاد، بين المتدينين، الذين يجب أن يتجيشوا وراء الحزب القائم على أساس الدين. وفي حالة قبول هذا الحزب بالانخراط فيما صار يعرف بديمقراطية الواجهة، فإن ذلك لا يكون إلا من باب إيهام الرأي العام بان هذا الحزب ديمقراطي، ومن أجل الوصول إلى مراكز القرار، التي تستغل للانقضاض على الديمقراطية نفسها.
والتجييش، أيضا، هو وسيلة لفرض الالتزام بما صار يعرف ب"الاقتصاد الإسلامي" الذي لا يوصف لا بالرأسمالية، ولا بالاشتراكية، مع أن الاقتصاد هو ممارسة بشرية، لا دين لها، ولا ملة، ولا حزب. ولذلك فلا يصح وصفه بالاقتصاد الإسلامي، أو الاقتصاد الوسيط، لكونه إما أن يكون رأسماليا، أو اشتراكيا.
أما الوسطية، فهي مجرد تضليل، وخاصة في هذا العصر الذي نعيشه، وبالخصوص في البلدان ذلت الأنظمة التابعة، وخاصة المغرب.
ولذلك نرى من الضروري التصدي لممارسة أدلجة الدين، من منطلق أن الدين هو لكل المومنين به، مهما كانت الطبقات التي ينتمون إليها، وتفكيك هذه الأدلجة، واعتبار تأسيس الحزب على أساس الدين مصادرة للدين نفسه، والعمل على تحريفه عن طريق التأويل السياسي،، المفضي إلى قيام نظام ديني يصير مصدرا للحكم باسم الله من اجل تطبيق "شريعته" على الأرض، ومعاقبة كل من يلتزم بنتائج التطبيق، إلى درجة مصادرة الحق في الحياة. هذا التحريف الذي يقتضي وعي المتدينين به، ومواجهته، باعتباره مصادرة للدين، الذي يعد مصدرا للقيم النبيلة، التي يتحلى بها المتدين، بعيدا عن الأدلجة، وعن توظيف الدين في الأمور السياسية.
ثانيا: أن الحزب القائم على أساس السلطة، هو حزب إداري بامتياز، يكون رهن إشارة السلطة، وخدمة مصالحها، مقابل الامتيازات التي تقدمها السلطة إلى المنتمين إلى هذا الحزب، تلك الامتيازات التي تنقلهم، وبالسرعة الفائقة، إلى صيرورتهم جزءا لا يتجزأ من التحالف البرجوازي / الإقطاعي المتخلف.
والحزب الإداري، كما يظهر ذلك من خلال الممارسة اليومية لهذا الحزب، هو الذي يضع نفسه، بأجهزته التنفيذية، والتقريرية، رهن إشارة الطبقة الحاكمة، من جهة، ورهن إشارة الأجهزة الإدارية للسلطة القائمة، وخدمة مصالحها، والالتزام بتوجيهاتها، خاصة، وان الأجهزة الإدارية للسلطة، تقوم بتمكين المنتمين إلى الأحزاب الإدارية، التي تبقى تابعة لها، من الامتيازات المتعددة، التي تساهم في صيرورتهم من التحالف البرجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف. وفي مقدمة هذه الامتيازات: إيصالهم، عن طريق التزوير إلى المجالس الجماعية، وإلى البرلمان، الأمر الذي يترتب عنه قيام الأعضاء الجماعيين، والبرلمانيين، من أجل أن يصلوا جميعا إلى نفس المستولى المادي للتحالف البرجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، الذي كلف، ولازال يكلف المغاربة، المزيد من التضحيات التي تتمثل في انتشار الفقر، والجوع، والمرض، الذي ينتشر بكثافة في صفوف كادحيه.
والحزب الإداري، كالسلطة، وكالحزب القائم على أساس الدين، يعادي الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية؛ لأن الحرية تفسح الطريق أمام إمكانية لجوء المغاربة إلى الحرص على التمتع بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، مما يجعلهم يحرصون على التمتع بكرامتهم الإنسانية، التي تنزههم عن اللجوء إلى ممارسة الإرشاء، والارتشاء، وإلى الحرص على التمتع بالحقوق المذكورة، والى رفض اللجوء إلى المحسوبية، والزبونية، والوصولية، لتحقيق أهداف معينة، أو للحصول على امتيازات معينة. وهو ما لا يجعل المنتمين إلى الأحزاب الإدارية، يعادون إشاعة الحرية في المجتمع المغربي، حتى يبقى أعضاء المجتمع مستعبدين، لا يستطيعون إلا القبول بممارسة الفساد الإداري، والسياسي، الذي لا يخدم إلا مصالح الأجهزة الإدارية للسلطة، والمنتمين إلى صنيعتها الأحزاب الإدارية.
ولأن الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي/ والسياسي، يجعل أفراد الشعب المغربي، الذين تحضر كرامتهم في اللحظة، والتو، يحرصون على تقرير مصيرهم بأنفسهم، مهما كانت الرشاوى التي تقدم لهم، من أجل الخضوع إلى جهة معينة، وخاصة إذا كانت هذه الجهات، هي المنتمون إلى الأحزاب الإدارية، والأجهزة الإدارية للسلطة. ولذلك نجد أن معاداة المنتمين إلى الأحزاب الإدارية للديمقراطية، ناتج عن تناقض الديمقراطية الحقيقية مع مصالحهم، فيلجأون إلى القبول بديمقراطية الواجهة، التي تسهل عليهم إمكانية التزوير لخدمة مصالحهم، عن طريق التواجد في المؤسسات المسماة منتخبة، ولان العدالة الاجتماعية، تؤدي نسبيا إلى التوزيع العادل للثروة، عن طريق مجانية التعليم، والصحة، وعن طريق إيجاد المزيد من مناصب الشغل، وتوفير السكن اللائق، وإعداد المؤسسات الثقافية، ودور الشباب، وغير ذلك، مما يؤدي إلى جعل الثروة الوطنية موزعة بين أفراد المجتمع، انطلاقا من الفهم التقدمي للعدالة الاجتماعية. والمنتمون إلى الأحزاب الإدارية، عندما يعادون إشاعة العدالة الاجتماعية في المجتمع، فلأنها تتناقض مع مصالحهم التي تقتضي عدم إشاعتها في المجتمع، باعتبارها تساهم، بشكل كبير، في تحقيق شيوع الكرامة الإنسانية في المجتمع.
ولذلك فالحزب القائم على أساس السلطة، هو حزب يراهن على انتشار الفساد الإداري، والاجتماعي بين جميع أفراد المجتمع، بالإضافة إلى تجذر الفساد السياسي في النسيج الاجتماعي. وهذه المراهنة، مرتبطة، باستمرار، بوجود الأحزاب المذكورة، وإلا فلا داعي لوجودها في الأصل.
ثالثا: أن الحزب القائم على أساس وجود شخص يتمتع بنفوذ كبير في المجتمع المغربي، مما يجعله مصدرا لمختلف التعليمات التي توجه ممارسة رجال السلطة على المستوى الوطني. ومعلوم أن الشخص النافد، يتحول إلى نجم يلهث وراء الارتباط به كل الذين في نفوسهم مرض، والذين تخلوا عن الأحزاب السياسية / الإدارية، التي كانوا ينتمون إليها، أو إلى تلك المتفرعة عنها، والتحقوا بالشخص النافذ، والتحلق حوله، مما يجعله يلجا إلى اتخاذ إجراءات معينة، من أجل الوصول إلى مرحلة تأسيس حزب معين، تجمع فيه الوافدون من مختلف الأحزاب الإدارية، وحتى من اليسار ذي الطبيعة الانتهازية، ومنهم من كان سجينا خلال سنوات الرصاص، نظرا للأفكار اليسارية التي كان يقتنع بها.
فالحزب القائم على أساس شخص له نفوذ واسع على الأجهزة الإدارية للسلطة، ليس حزبا للمجيشين، كما هو الشأن بالنسبة للحزب القائم على أساس الدين، وليس حزبا للتبع، كما هو الشأن بالنسبة للحزب القائم على أساس السلطة. فهو يختلف عن هذين النوعين من الأحزاب، لأن الذين هرولوا إلى تأسيسه، أو الانتماء إليه، متخلين عن الأحزاب التي كانوا ينتمون إليها، أو عن القيم الشخصية النبيلة، التي كانوا يتحصنون بها، إن كانوا كذلك فعلا، دون أن نتكلم عن أولئك الذين ليسوا من الآتيين من انتماءات مختلفة سابقة، ولا من المتخلين عن قيمهم الشخصية النبيلة.
فالمهرولون الآتون من مختلف الجهات الحزبية، وغير الحزبية، لم يهرولوا بتوجيه من السلطة، أو انطلاقا من إيمان بدين معين، بقدر ما هرولوا، وبالسرعة الفائقة، من كل حدب، وصوب، انطلاقا من انتهازيتهم، التي تدفع بهم إلى الانبطاح، من أجل الاستفادة من امتيازات الشخص النافذ، مهما كان هذا الشخص.
ولذلك، فهم يعتقدون أنه بانتمائهم إلى حزب الشخص النافذ، قد يتحولون إلى أشخاص نافدين، من خلال وصولهم إلى المجالس الجماعية، التي يستغلونها لتحقيق أهدافهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ذات الطبيعة الانتهازية، من أجل تنمية ثرواتهم، والالتحاق بالطبقة التي تستحوذ على معظم الاقتصاد الوطني، عن طريق الاستغلال الفاحش للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وهذا النوع من الانتهازيين المنبطحين، يدعون أنهم يجلبون الحداثة إلى المجتمع؛ لكن:
ما شكل هذه الحداثة؟
وما طبيعتها؟
وهل يمكن أن تؤدي إلى تغيير الواقع لصالح الكادحين اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا؟
إن هذا النوع من الانتهازيين / المنبطحين، لا يهتمون لا بالتقدم، ولا بكرامة المواطنين، ولا بتطوير مختلف مجالات الحياة، ولا بتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بقدر ما يهتمون بتحقيق أهدافهم قبل فوات الأوان، حتى لا يتحول الشخص النافد إلى شخص بدون قيود.
والانتهازيون / المنبطحون، المنتمون إلى حزب الشخص النافد، لا يختلفون عن المنتمين إلى الحزب القائم على أساس الدين، أو على أساس السلطة، وبتوجيه منها، في معاداة الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، نظرا لتناقضها مع مصالحهم التي تقتضي سيادة الاستعباد، وتمكن الاستبداد، وتكريس الاستغلال، حتى يستمروا في تنمية ثرواتهم، التي تتحول إلى قوة مادية، تمكنهم من تسييد سلطة الانتهازيين / المنبطحين، المنتمين إلى حزب الشخص النافذ.
وهكذا يتبين أن تأسيس أي حزب على أساس ديني، أو على أساس السلطة، أو على أساس وجود الشخص النافذ، لا يمكن أن تسعى إلى تحقيق حرية الإنسان في الأرض، ولا إلى تكريس الممارسة الديمقراطية الحقيقية، ولا إلى فرض تحقيق العدالة الاجتماعية؛ بل إن هذه الأحزاب، ومن هذا النوع، لا تعمل إلا على إعادة إنتاج الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي القائم على أساس تكريس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، خدمة لمصالح الطبقة الحاكمة، ومصالح المنتمين إلى هذه الأحزاب.
وإذا كانت الأحزاب القائمة، على غير الأسس المذكورة، تسعى إلى تأطير المواطنين، على أساس انتماءاتهم إلى الطبقات الاجتماعية، والمتناقضة المصالح، فان الأحزاب القائمة على الأسس المذكورة، لا تسعى إلى تأطير المواطنين، انطلاقا من انتماءاتهم الطبقية، بل تعمل على:
1) تجييش المواطنين، من مختلف الطبقات، بالخطاب الديني المؤدلج، والمضلل، الذي ينقل الإنسان من عالم الواقع، إلى الاستغراق في البحث في الغيبيات، التي تجعله بعيدا عن الواقع، وعن ما يفتعل فيه، حتى تتأتى الفرصة لمؤد لجي الدين، من أجل الوصول إلى مراكز القرار، والحكم على الناس، باسم الله، عن طريق ادعاء تطبيق "شريعته" في واقع المجتمع، الذي ليس عليه إلا أن يخضع.
2) تربية المواطنين على التبعية إلى الأجهزة الإدارية للسلطة، تبعا لتبعية الحزب إليها، لتصير هي المبتدأ، وهي المنتهى. والتربية على التبعية لا تعني إلا تضبيع المجتمع، وتخديره، حتى يصير أفراده بدون فكر، يبنون عليه ممارستهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. فكل شيء يجب أن يكون بإرادة السلطة، ولا شيء غير السلطة، التي لها شرف إيجاد أحزاب إدارية تابعة لها.
3) التربية على الانتهازية، والانبطاح، بعد الانتهاء من الهرولة، والتحلق حول الشخص النافذ، مما يجعل الانتهازيين / المنبطحين لا يستطيعون التخلص من انتهازيتهم، وانبطاحهم، الذي يصير، بالنسبة إليهم، مفخرة يعتزون بها، أمام جميع المغاربة، بقطع النظر عن انتماءاتهم، أو عدمها.
فهل نتخلص من تأسيس الأحزاب على أساس ديني؟
وهل تتوقف السلطة عن العمل على تأسيس أحزاب تابعة لها؟
وهل ينتبه المواطنون إلى أن وقوف الأشخاص النافدين وراء تأسيس أحزاب معينة، انطلاقا من نفوذهم، يشكل خطورة على مستقبلهم؟
وهل يتم وضع حد لوقوف السلطة إلى جانب أحزابها، ولانسياقها وراء تعليمات الشخص النافذ؟
وهل يتم ابتعاد السلطة عن الانحياز إلى جهة معينة، من أجل فسح المجال أمام انفراز الأحزاب عن الصراع الطبقي الظاهر، والخفي، بين الطبقات الاجتماعية؟
إننا نتساءل فقط، من أجل إثارة النقاش حول الموضوع، وحول مضامينه.
ابن جرير في: 07 / 01 / 2011
بقلم: محمد الحنفي