من طرف عم عبده الأحد أغسطس 05, 2012 3:33 am
النظرية والتنظيم
تجارب وخِبَر
الماركسية
علينا أن نتفق أولاً ان الماركسية، هي طور من اطوار الفكرالبشري، وليس فكر أبدي غير قابل للتطور والتغيير حسب مقتضيات الحاجات البشرية عبر مسيرتها المستقبلية والطويلة.
النظرية : هي مرشد للعمل وليس تابو مقدس.
قال فرديريك أنجلز مخاطباً جوزيف بلوخ عام (1890 ) :"أن الكثير من الماركسيين الحديثين قد صنعوا من الماركسية، نوعاً نادراً من الهُراء "
كان التاريخ في اوربا قبل جيوفاني باتيستا فيكو ، عبارة عن حكايات الحكّام وبطولاتهم الفردية، والتي أسبغ عليها المؤرخون التابعون لهم صفة العمومية والشمول.
يقول جيوفاني فيكو في كتابه والذي كتبه عام 1725 م : " سشيينتا نوفا"( مباديء علم جديد يبحث في طبيعة الأمم .. ) " إن الإنسانيةهي التي تخلق نفسها من القوى الحية التي في داخلها " ، وكما عبر عنها جول ميشليه المؤرخ الفرنسي النابغة .: " البشر يصنعون تاريخهم .." هذا المبدأ الجديد قد قضى على مفهوم الإعتماد على قوة عليا ترعى مصالح عبادها الصالحين، ووضع أمام البشر مسؤولية صنع حياتهم بيدهم. وقد تلقفه المفكرون من بعده وسار عليه أكثر ثوار العالم الغربي منذ ذلك الوقت .وهو يقول أيضاً : " ان العالم الإجتماعي هو من صنع البشر ... ولايمكن أن تكون الحكومات إلا من طبيعة المحكومين أنفسهم وهي نتيجة لطبيعتهم ". فهناك مباديء يمكن إستخلاصها من حركة المجتمع، تودي عند تكرارها ضمن نفس الظروف الى نفس النتائج السابقة ، التي ظهرت بها .وهي تشبه المقولة العربية : " كيفما تكونوا يولى عليكم "
كان جراكوس بابيف أحد قادة حركة المساواتية الفرنسية قد اكد في محاكمته عام 1797 وقبل إعدامه على دور الطبقة العاملة في تغيير العالم : " ان جماهير البروليتاريا الذين لا يملكون شيئاً، ويعاملون كشيء بغيض، يؤلفون الأكثرية في شعب يملؤه العفن "
ويقول سان سيمون :
" أن حياتي يمكن أن تتلخص في فكرة واحدة ، هي ان أضمن لجميع الناس التطور الحر
لقدراتهم ".
كان سان سيمون يعتقد أن السياسة هي : علم تنظيم الإنتاج وهو محق .
وقد قام شارل فورييه بإدانة البرجوازية وكشف جشعها تماماً. ممهداً الطريق لرواد الإشتراكية العلمية من بعده ،لكن معظم هؤلاء السابقين كانوا يتصورون إمكانية قيام الإشتراكية من خلال إقناع البرجوازية على السير في هذا الإتجاه .
وكان روبرت أوين يرى أن : نظام المصنع يجب ان يكون الأساس للثورة الإجتماعية .
لكن أناتول فرانس يقول :
" من الأفضل أن ينجذب المرء الى فكرة ، بدلاً من أن ينساق إليها سوقاً "
كان مفهوم الصراع الطبقي قد أشير له في مؤلفات سابقة ، مثل " تاريخ فتح أنكلترا " لأوغسطين تييري و " تاريخ الثورة الإنكليزية " لجيفون .
وقد إستفاد منهما كارل ماركس كثيراً في تقويم أفكاره عن مفهوم الصراع هذا.
أما الجانب الإقتصادي منه فقد اتمه فردريك أنجلز بسبب علاقته الوثيقة بالرأسمالية بالذات وطبعاً بدراسات ماركس المستقلة أيضاً..
كان المحامي الفرنسي انطوان بارناف قد تكلم عن الفوارق الطبقية واللامساواة منذ عام 1790 وتحدث عن هيمنة فكر واخلاق الطبقة السائدة والمهيمنة على مقاليد الأمورداخل المجتمع .
وكان الشيوعي الفرنسي ديزامي في كتابه ( قانون الجماعة ) ، قد سخّف فكرة مناشدة البرجوازية للسير نحو الإشتراكية، اوأنها تمد يد العون من أجل قيامها، وطالب بتكوين جماعة من نوع جديد، تتأسس على نبذ الأديان وتعتمد المادية والعلم وشدد على الطبقة البروليتارية في تنفيذ هذا الحلم، لكنه لم يعرف كيف تتم هذه العملية .و قد قرأ ماركس كتابه هذا عندما كان في كولونيا.
اما كارل ماركس وأنجلز، فقد تبين لهم ان التجمعات الشيوعية الصغيرة والمتفرقة لا تستطيع تخليص المجتمع من شرور الرأسمال او تعيش طويلاً بين أسنان هذا النظام الفتّاك .
في عام 1843 تحدث ماركس عن البروليتاريا كطبقة ستحرر ألمانيا، وهي طبقة لها امتدادات عالمية ، وهي تمثل الخلاص وتحرير البشرية على المستوى العالمي ، عندما تحرر نفسها، وذلك في مجلة : (كتب العام الفرنسية – الألمانية ) التي كان يكتب فيها أنجلز أيضاً. وهي صيغة تشبه صيغته في كتابه عن ( المسألة اليهودية )، حيث ذكر : " أن التحرر الإجتماعي لليهود يتم من خلال تحرر المجتمع من اليهودية ". لكن ماركس حتى ذلك الوقت لم يعرف الكثير عن البروليتاريا، حتى قرأ مخطوطة أنجلز( ظروف الطبقة العاملة في إنجلترا ) عام 1844.
البيان الشيوعي
يقول كارل ماركس :
" أن الفلاسفة حتى الآن قد إقتصر عملهم على تفسير العالم بطرق مختلفة فقط، ، لكن الشيء المهم هو تغيير هذا العالم " .
كان البيان الشيوعي هو ثمرة جهود ماركس وانجلز، وقد ظهر قبله كراس من تأليف انجلز عن المباديء الشيوعية أو ( التعاليم الشيوعية ) عام 1947 .
وتتلخض مباديء هذا البيان الذي غير وجه التاريخ الأوربي ومن ثم العالم في :
1 – مصادرة ملكية الأرض وإستخدام اجورها لسد نفقات الدولة .
2 – فرض ضريبة جادة وتصاعدية على الدخل.
3 – إلغاء حق الأرث .
4 – مصادرة املاك المهاجرين من البلاد والمتمردين عليها.
5 – تركيز القروض بيد الدولة. عن طريق بنك وطني رأسماله ملك الدولة وله الإحتكار المطلق في هذا العمل.
6 – تأميم وسائل النقل وجعل ملكيتها للدولة
7 – زيادة عدد المصانع وادوات الإنتاج المملوكة للدولة مع تطوير الزراعة بناء على خطة مدروسة .
8 – فرض العمل على جميع القادرين بالتساوي .
9 – محو الفروقات بين المدينة والريف تدريجياً.
10 – التعليم العام المجاني لجميع الأطفال وإلغاء عمل الأطفال في المصانع وضم التعليم الى نظام المصانع.
كان البيان يناقش آراء الذين يدعون للمساواة والعدل والحرية والأخوة ، فمن كان يدعو الى العدل ، سألوه ، العدل لمن ؟ وعن الذين يدعون الى الحرية ، الحرية لمن ؟ هكذا في مجمل الأسئلة المطروحة وقتها .
لقد كان البيان إنذاراً شديد اللهجة للبرجوازية، وهو يختلف عن أفكار من سبق ماركس وأنجلز في هذا الشأن، إذ أنه قطع الصلة بالبرجوازية وأعلن الحرب عليها. لأن الذين سبقوهم كان يتكلمون عن ( اخوة الجميع ) ، بينما فرّق البيان بين الظالم والمظلوم، ولم تعد الحكم والمواعظ نافعة هنا.
كانت خاتمة البيان واضحة وبليغة : " دعوا الطبقات الحاكمة ترتعد من توقع حدوث الثورة الشيوعية، ان البروليتاريا ليس لديها ما تخسره سوى أغلالها وامامها العالم كله لتكسبه . يا أيها العمّال في كل مكان إتحدوا. ".
رابطة الشيوعيين (1847 -1852 ) كانت هذه الرابطة وريثةً مجموعة روابط مثل رابطة المنفيين الألمان التي تأسست عام ( 1834) ورابطة المتىآمرين البلانكية و رابط العادلين ( 1836 ). فقاداها ماركس وأنجلز بعد تطهيرها من العناصر الفوضوية ( الباكونية ) والإنتهازية ( اللاسالية ) والبرجوازية الصغيرة ( البرودونية )، وبعد أن تمقرطت تماماً كما يقول انجلز. وكتبا البيان الشيوعي لها. وكانت تسير على نظام المركزية الشديد وتنتخب قادتها في مؤتمر عام مرة في كل سنة، يجوز إعادة إنتخابهم ، إذا أقتضى الحال ذلك. ولكنهم معرضون للعزل في أي لحظة من قبل جمهور الرابطة العام إذا لم يقوموا بواجباتهم كما ينبغي.
الصحيفة
بعد البيان أستطاع ماركس أن يرأس تحرير ( صحيفة الراين الجديدة ) وكانت أفضل وسيلة للدعاية للأفكار الثورية ولكن بحذر. ومن جانبه كان أنجلز يحرض الطبقة العاملة في خطبه العامة في ألمانيا، مما عرضه للمحاكمة ومن ثم أتهم بالخيانة العظمى بعد إعلان الأحكام العرفية، لكن الصحيفة إغلقت لقلة الموارد المالية فيها، رغم جولة ماركس للبحث عن دعمها مادياً في انحاء المانيا . و قد تم طبع عددها الأخير باللون الأحمر وبيع منه عشرين ألف نسخة بسعر يعادل دولار واحد للنسخة الواحدة ،وعلقها البعض في أطار خشبي مرموق، إعتزازاً بدورها الثوري لصالح العمال. ونفي ماركس الى فرنسا، بحجة سقوط الجنسية الألمانية منه نتيجة لعيشة مدة طويلة خارج المانيا ثم تبعه انجلز الى هناك، لكنه غادر الى سويسرا مشياً على الأقدام عبر مدنها وقراها الجميلة ، اما ماركس فقد نفي مرة أخرى الى لندن
الأممية الأولى ( 1864 – 1876 ) :
كانت الأممية من صنع عمال فرنسا وبريطانيا، في مؤتمرهم الذي عقد بلندن عام 1864، وقد كُلِفَ ماركس بكتابة برنامجها السياسي ونظامها الداخلي، فحدد به مهمة تحرير الطبقة العاملة من صنع الطبقة نفسها وفي تحرير نفسها ستحرر المجتمع البشري جميعه . وهي منظمة اممية تضم جميع عمال العالم وتضامنهم ضروري لنجاح البرنامج
كومونة باريس ( 1871 ) :
أستطاع عمال باريس من إستلام السلطة وشكلوا مجلساً منتخباً من العمال والمثقفين من مختلف المواطنين وقسم منهم لم يكن فرنسياً ، دليل على اممية الكومونة، وكان الفنان غوستاف كوربيه مفوض الشعب للثقافة فيها.
من مبادئها :
1 – إنتخاب ممثلي الشعب بطريقة مباشرة وهم عرضة للعزل في أي لحظة
2 – رواتب مسؤولي الدولة لا تتجاوز رواتب العمال.
3 – حل الجيش النظامي وتأسيس جيش شعبي ومليشيات للدفاع عن باريس.
4 – رفض شروط الصلح مع ألمانيا، بسبب إجحافها بحق الفرنسيين .
إشكالية التنظيم
يعتبر التنظيم عند البعض مسألة فنية ، فقط ، لإدارة العمل، وليس له علاقة بالفكر الثوري او النظرية بشكل خاص. والمعروف ان قضية التنظيم، كانت من اهم أسباب الخلاف النظري بين المناشفة والبلاشفة في بداية القرن الماضي، وبين لينين وروزا لوكسمبورغ، إضافة الى ما بين الأممية الثانية والأممية الثالثة. لأن معظم هؤلاء لم يعتبروه مسألة فكرية من مسائل الثورة الأجتماعية الجذرية.
كانت المسائل الإقتصادية والسياسية من اكثر القضايا التي شغلت بال مفكري الحركة الإشتراكية في أوربا، بإستثناء حزب البلاشفة، وقائده لينين بالذات. فقد ظل الجميع يعتمدون على الحس العفوي و "السليقة الثورية " التي تميزت بها الحركة العمالية وقتها،
لهذا نجد العديد من الاخطاء قد إرتبط بالتصور الخاطيء لمسألة التنظيم نفسها.
النقص في التنظيم هو نقص في الفكر أيضاً، لأنه يعكس وجود او عدم وجود وعي او تصور أو موقف محدد لما يجب القيام به، في هذه اللحظة او تلك من مسيرة الحركة وتطورها. أي نقص الوعي بالشكل الجماعي المطلوب في الموقف الملموس والظرف الملائم .
الفرق بين الحزب الثوري الواقعي والحزب الثوري الطوباوي ، هو في وعي الخطوات المطلوبة والأساليب المتبعة والضرورية، في اللحظة المعنية, وليس في معرفة الهدف، لأنهما يشتركان في الغايات ويختلفان في طرق الوصول إليها. لهذا لايرى الطوباويون في البؤس غير البؤس، بينما يرى الثوريون الواقعيون جانبه الآخر المحرض الذي يدعو الى التغيير :
" الجانب الثوري " او العامل المساعد على الثورة، الذي سيقوض المجتمع القديم " كما يقول ماركس في بؤس الفلسفة, راداً على كتاب برودون : " فلسفة البؤس " .
لكن الطوباوية قد تعيش داخل الأحزاب الثورية الواقعية أيضاً كما هو حاصل اليوم عندنا، لأن تجاوز الفكر الطوباوي نظرياً لا يؤدي الى التغيير الثوري، إذا لم يرافقه تغيير في طريقة العمل وتوزيع المهام. لأن العلاقة بين الهدف النهائي و "الحركة " هي علاقة جدلية، بين النظرية والتطبيق، أو الممارسة، وبين الفكر والتنظيم . وهي علاقة في تطور مستمر وتتبع التطورات الحاصلة داخل بنية هذا المجتمع او ذاك وبين الظروف الموضوعية والذاتية أيضاً .
فأي مهمة مهما كانت صغيرة او كبيرة ، صعبة او سهلة,يمكن رؤيتها في شكلها المجرد، ولكن لايمكن أن نتاكد من صحة او زيف الشكل المناسب لحلّها إلا من خلال التجربة ووضعه موضع التنفيذ.
لهذا نجد اليوم من يدعو الى تغيير أسم الحزب، لأنه يعتقد أن المهام الحالية له غير تلك التي تتعلق بالهدف النهائي له أي الشيوعية. وهذا تبسط وشكل من اشكال الوعي الزائف للواقع. فهؤلاء يفكرون بحدوث ثورة بروليتاريا عضوية محضة.وهو ما أكده كراس كاوتسكي
( الطريق الى السلطة ) الذي يعتقد بحدوثها عن طريق الإنتخابات، بعد ان يصل العمال الى أغلبية مطلقة في البرلمان، كما يظن. كما أن الرأي المخالف لهذا لايعفي أحزابنا الثورية من سقوطها في الطوباوية إذا بقيت متمسكة باسم الشيوعية ، دون أن تفكر في الشكل المناسب للعمل على الوصول اليها، أو على تمسكها بالمخطط القاصرلمراحل الثورة الإشتراكية أوالشكل الذي بنيت عليه مثل هذه الأوهام ، بعد نجاح ثورة أوكتوبر العمالية في روسيا عام 1917 ، لأنها لم تأخذ بنظر الإعتبار طبيعة المجتمع الذي تعيش فيه، وحاولت تطويع وإجبار المجتمع للسير حسب تصورها الخاص وليس إخضاع تصورها الخاص للشروط الإجتماعية الملموسة بالذات، أي علاقات المجتمع وتقاليده وثقافته وموروثه
لهذا لايمكن لأي حزب يدعي الثورية ، ان يكون ثورياً بمجرد إدعائه هذا، لكنه يمكن تبرير ثوريته ، عندما ترتبط هذه الثورية بفكر نظري وشكل تنظيمي ثوريين. أي بفكر يمكن تقبله وبطرق عمل ممكن ممارستها فعلاً ، حتى لو كانت الظروف ظروف سّرية ومعقدة جداً، فالطرق الملائمة للعمل والفكر و حاجات الناس ومتطلبات حياتهم اليومية والمنظورة، هي التي ستسود، إذا ما احسنا إستخدامها .
عندما قامت ثورة 1905 في روسيا كانت كل الأحزاب الثورية والبرجوازية، تفكر في البرلمان، لكن الشعب الروسي أبدع السوفيتات، وهي فكرة لم تخطر على أكبر رأس ثوري وقتها، مثل بليخانوف او لينين، وبهذا كانت الجماهير اكثر ثورية من طليعتها، وهذا ما حدث في الربيع العربي الحالي، إذ تفاجأة احزابنا بتحركات الشباب وظلت حتى هذه الساعة في ذيل الحركة الجماهيرية .
لقد دفعت تلك التطورات لينين واتباعه في الحزب العمالي الديمقراطي الروسي الى تبني فكرة السوفيتات، ولهذا كان الشعار المرفوع وقتها هو : " كل السلطة للسوفيات " . ولو لم يتخذ حزب البلاشفة هذا الموقف لأنتهى الى ماانتهت إليه الأحزاب الأخرى بعد ثورة أوكتوبر المجيدة، وبسبب تخليها عن هذا الشعار، وصلت بها الحال الى وصلت اليه الآن ، لأن الحزب وقيادته، بعد وفاة لينين، قد فرضوا تصوراتهم على الواقع وليس إخضاع هذا التصور لشروط الواقع الملموسة، أي الموقف المناسب في الوقت المناسب ومن خلال الشكل المناسب للعمل .
فكان ظهور حزب من طراز جديد ، هو الشكل التنظيمي للفكر الثوري والشعبي الذي رافق تطورات الثورة الروسية على امتدادها الذي إنتهى بموت لينين وصعود زمرة ستالين وسيطرة البيروقراطية على مقاليد الدولة العمالية الفتية.
كان المفهوم القديم للتنظيم قد عزز دور الإنتهازية في الأحزاب الثورية في اوربا، كما ان تحريف المفهوم الجديد للحزب من طراز جديد ، من حزب ديموقراطي ثوري مفتوح على مختلف وجهات النظر، الى حزب إحادي النظرة وخاضع لقيادة لاتتواصل مع قاعدتها، قد عزز دور البيروقراطية الحزبية والجهاز الإداري والمركزي فيه بدلاً من الشكل الذي اقترحه لينين في المؤتمر الثاني للحزب، والذي حدث فيه الإنفصال والتمايز بين خط لينين وخط مارتوف وبليخانوف.* فقد كان الإختلاف ذا طابع فكري ونظري وليس شكلياً أو تقنياً .
ومن عيوب أحزابنا الثورية ، هو قلة إهتمامها في التحولات التي تطرأ على سلوك الجماهير،مع مبالغة في تقدير دور الحزب و نظرة إستعلائية ، تحاول ان تجبر هذه الجماهير على ان تسير وراءها، حتى لو كانت هذه الأحزاب على خطأ مبين، كما حدث ويحدث عندنا الآن ، ومثلما تم تجميد المنظمات الجماهيرية والمهنية والنقابات التي نملك فيها قوة لا يستهان بها، فيما لو أحسنا إستخدامها ، في اللحظة المطلوبة وبالشكل المناسب لها.
فالتنظيم هو الشكل الذي يتوسط النظرية والممارسة، ويربط الفكر بالعمل، ولهذا نرى أن سبب الأنشقاقات لم يكن بسبب الهدف البعيد بل بسبب الهدف القريب المراد تنفيذه والذي يتطلب شكلاً جديداً من التنظيم. وهذا هو سبب ما رافق الحركة الثورية العالمية من تفكك وإنشقاق.
– انظر تجارب الأحزاب الصينينة،اليابانية،اليوغسلافية وأحزاب الشيوعية الأوربية وعلاقاتها مع السوفيات –
فالشكل الجديد للتنظيم ، يعني نقد ذاتي للشكل القديم وخلق جو خصب من التفاعل والحيوية للعمل المشترك والجماعي الخلاّق . كما انه يوضح أسباب الأخطاء أو النجاحات، التي تقع في هذه اللحظة او تلك، وهي غالباً ما تنسب الى أشخاص - مع عدم إهمال الجانب الفردي هنا – لأنها عموماً ذات جوانب معقدة وعامة، تخضع للظروف التي حدثت فيها وليس لرغبات وإرادات منعزلة وغير مترابطة مع ظرفها الموضوعي. فليس هناك صدفة أو ضربة حظ في وصول هذا الشخص أوغيره الى هذا الموقع أو ذاك , لأن هناك أسباباً تنظيمية – فكرية – لمثل هذه النتائج، فعمل الأفراد يجب ان ينسجم مع عمل المجموع في الحركة والظرف الموضوعي للمجتمع مع القدرة الذاتية للحزب والفرد والتي ستقرر النجاح او الفشل ، حسب الشكل المتبع الذي يرافق الغاية المراد تحقيقها.
قد تكون المشكلة في النظرية، لكننا لانستطيع التحقق منها إلا عن طريق العمل، ولهذا نجد معظم إنتهازيي الأحزاب الثورية، يدفعون المسألة الى خلافات في وجهات النظر وليس في الشكل المطلوب إتباعه في التطبيق.
إن الوضع في العراق الحالي، ملائم جداً للتحرك وتوسيع قاعدة الحزب عندنا وخلق حركة جماهيرية واسعة ذات أفق ديمقراطي، بعيداً عن هذه الهستيرية الدينية المخيفة والمهددة لمستقبل العراق . لكن الظرف الذاتي يبدو غير متوفر في حزبنا.
شخصياً اعتقد ان هناك ميلاً إنتهازياً يصاحب هذا الإهمال الغريب من قبلنا لتحركات الجماهير في العراق ، بدأ من بداية سقوط الدكتاتورية والدخول مع القوى الأخرى في مجلس الحكم وما تلاه من تطورات مرتبكة في سياستنا العامة، واخشى ان تستغل القوى الدينية المتخاصمة فيما بينها هذه التحركات لصالحها، ونحن نتفرج عليها بدم بارد .
البيان الشيوعي يؤكد ان تلاحم العمال في مرحلته الأولى ، ليس بسبب وعيهم ، بل بسبب وحدة البرجوازية وتلاحمها بالذات ، لكننا إذا لم نتقدم خطوة لتنظيم الجماهير للدفاع عن حقوقها، في مثل هذه اللحظة ، فسوف نخسرهم بالتاكيد لصالح القوى الدينية الديماغوجية.
علينا إذن خلق أشكال جديدة للعمل وتنظيم نشاطنا على أساسها. ولانبقى متمسكين بالأشكال التي لم تنفعنا ولم تؤدي دورها المفترض – مثل شعارات :" الإجماع الوطني أو حكومة الشراكة الوطنية ودعم العملية السياسة " - فهي خطوات إنتهازية بإمتياز، تذكرنا بشعار" تضامن – كفاح – تضامن " ، أيام ثورة 14 تموز وشعار صيانة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية ، أيام الجبهة في السبعينات مع نظام البعث ، وسوف لن يسامحنا التاريخ ولاالشعب على لوكها وترديدها، كلما سنحت الفرصة للتغيير.
أعتقد ان ترك الجماهير تمارس غضبها وإحتجاجاتها عفوياً وبدون وعي او تنظيم لمثل هذه الأحتجاجات، سيكون له عواقب وخيمة على مستقبل حزبنا والحركة الوطنية عموماً.
أي ان إنتقال الجماهير من اللاشعور السياسي والمطلبي الى الوعي بحقوقها ومطالبها وضرورة ممارسة النضال المدروس، يقع على عاتق الطليعة السياسية للكادحين و غالبية أبناء الشعب الواعين، أي على حزبنا والقوى الديمقراطية والمدنية ، إذا أرادنا البقاء في المقدمة.
لقد فشلت الثورات التي تفكر فقط بالطبقة العاملة دون غيرها، لأن كل ثورة ستحتوي على طبقات مختلفة وربما متناقضة حتى مع أهداف العمّال، وستكون هذه الطبقات حجرعثرة لأي تقدم تحرزه الحركة العمالية وحزبها الثوري، إذا لم يراعِ هذا الحزب او الحركة العمالية مصالح تلك الفئات وبجدية ، وليس على أساس وقتي ومرحلي للإستقواء بعد ذلك عليها وقمعها بالأخير، وهو ماحدث مع كل التجارب التي سارت عليها الأحزاب الشيوعية التي تدور ضمن الفلك السوفياتي المتخلف.
أن دور الحزب اليوم ليس فقط توعية الجماهير الغفيرة المكتوية بجهنم الطائفية والمحاصصة، بل في سد الطريق أيضاً على القوى الطفيلية التي بدأت بالإنتعاش من خلال إندماجها بالأحزاب المتنفذة و الحاكمة ، أي أن لايجعلها تخرج من أزمتها سالمة ومعافاة. وذلك بكشف كل ملفات الفساد التي يحصل عليها ، في الوقت المناسب لذلك. فنحن نستطيع قطع الطريق عليها بالمساءلة والإستجواب عن طريق وسائل الصحافة والإعلام المختلفة - المظاهرات والإضرابات - المحاكم وحتى العصيان المدني، إذا إجبرنا عليه.
ولهذا فالنضال الحالي يحتاج الى أشكال متنوعة ومرنة من الكفاح وقابلة للتطور أيضاً.
نحن لا نحرك الجماهير اليوم ، بل الجماهير هي التي تحركنا، ونحن ننتظرها ان تقوم بدورها تلقائياً وهذا هو الخطأ الأكبر لحزبنا منذ بيان آب 1964، حتى هذه اللحظة - بإستثناء حرب الأنصار - التي ظهرت لنا بعد ذلك وحسب تعبير العديد من قادة حزبنا وقتها، عبارة عن دفاع عن النفس وليس شكل جديد للنضال حتى تحقيق الأهداف.
علينا العمل و النظر لمجريات حركة الجماهير من خلال وسطها الواقعي وظروفها الموضوعية.
لأن هذا الوسط هو إمتداد للأزمة نفسها التي شملت الأكثرية الساحقة من أبناء العراق.
فهناك فرقاً بين مجتمع مستقر وسلطة قوية ، وبين مجتمعنا المزعزع والمفكك والقابل للإنفجار في أي لحظة مع سلطة فاسدة وضعيفة ومنقسمة على نفسها. وبالتالي فهناك إمكانية لإعادة التجمع والإصطفاف وخلق محور بديل للخروج من هذه الدوامة التي طال امدها.
لأن النظرية تعلمنا أن الواقع المادي هو الذي يفرض نفسه على وعينا ويحرك فكرنا نحو العمل من اجل تغييره إذا ما تناقض مع متطلبات الإنسان. وهذا هو أساس المفهوم المادي للتاريخ.
الذي يعني أيضاً التبادل المشترك في عملية التطور بين القاعدة التحتية والقاعدة الفوقية.
أن أهم مباديء جعل عضو الحزب ملتصقاً بحزبه هي:
1- مشاركته في رسم سياسته
2- علاقة الحزب بالجماهير
3 - صحة خطه السياسي .
وهذا ما يفسر فشل الأحزاب الثورية في تحقيق اهدافها، نتيجة لوجود خلل ما في في علاقات هذه الجوانب الثلاث ببعضها : إقتناع عضو الحزب العميق – إرتباط الحزب بالجماهير – الخط السياسي الصحيح