<TABLE dir=rtl cellSpacing=0 cellPadding=0 width=160 align=left border=0> </TABLE>كاريان السكويلة مرة أخرى الساعة العاشرة صباحا عندما وصلنا إلى هذا الحي الصفيحي بضواحي سيدي مومن، شمال شرق الدار البيضاء، التف بعض السكان حولنا وراحوا يسألون كثيرا عن توفيق حجيرة . |
قال أحدهم إن وزير الإسكان سبق أن وعدهم على شاشة التلفزيون الوطني، بالإيواء بإقامات "السلام" وحدد شهر غشت من العام الماضي آخر أجل لإجلاء آخر براكة بالمنطقة. وجاء وعد الوزير بعد تسليط الأضواء على كاريانات سيدي مومن إثر الأحداث الإجرامية لسنة 2003 التي تورط فيها بعض شباب المنطقة. يوم 11 مارس عملية إرهابية أخرى يوقعها شابان من الكاريان نفسه الناس يقولون »لا شيء تغير« بعد مرور أربع سنوات من الوعود الجميلة التي تفنن في صياغتها المسؤولون عن تسيير الشأن المحلي، سواء على مستوى المدينة أو الحكومة. في 30 نونبر 2006 نظم سكان كاريان السكويلة وقفة للتنديد بما وصفوه بالتلاعبات التي يعرفها تنفيذ الشطر الأول من إقامة »السلام«، والذي يهم هذا الكريان. وللاستفادة من الشطر الثاني لهذا مشروع »الاجتماعي«، تشترط الحكومة ان يؤدي المواطنون مبالغ تتراوح بين 35 و40 ألف درهم مقابل بقع أرضية بمساحة 84 مترا مربعا يتقاسمها مستفيدان، مع توقيع على التزام مصادق عليه يتعهد فيه كل مستفيد بهدم براكته أو »زريبته«، بحسب تعبير السلطات المحلية، على نفقته الخاصة. يمتد كاريان السكويلة على مساحة حوالي ألف متر مربع، ويقطنه، بحسب إفادات السكان، قرابة 12 ألف مواطن و6 آلاف، كما تقول الوثائق الرسمية. يعد الكاريان المذكور من أقدم الأحياء الصفيحية في الدارالبيضاء أنشئ في بداية القرن الماضي وسمي بـ "السكويلة"، التسمية الإسبانية للمدرسة، نسبة لمؤسسة تعليمية يهودية كانت توجد بالمنطقة قبل ان تُهدم بداية الثمانينات وتحول إلى شركة لصنع الآلات التجهيز المنزلي. عندما تسأل الناس عن هذا الكاريان، يرددون »آه« أكثر من مرة قبل أن يغرقون في وصف حالته البئيسة. يبدأون بالأزقة الضيقة التي تعبرها مجاري الواد الحار وينتهون بالحديث عن الأكواخ القصديرية حيت يعيشون مكدسين، "محروقين في الصيف وغارقين في الشتاء" بحسب تعبير دقيق لامرأة عجوز قضت أكثر من 30 عاما في المكان نفسه. يحمل الكاريان اسم"السكويلة" أو المدرسة ولا توجد به سوى مدرستان : "الزهراوي"و"الحنصالي". رغم مظاهر الفقر والتهميش التي لا تحجبها عمارات أناسي والأزهر و بانوراما، فإن سكان كاريان السكويلة يوجدون في قلب العالم. فهم يرتبطون بشبكة الانترنيت بواسطة "سيبير"قرب مدرسة الحنصالي، الوحيد في الكاريان. وشباب الحي، العاطل أغلبه، يقضي كثير من وقته في السفر عبر قنوات التلفزيون العالمية التي يوفرها جهاز البارابول المعلق على سطح جل البراريك يقول م مصطفى : "مهنتي بائع النعناع أنتهي من العمل حوالي الواحدة ظهرا ثم أعود إلى البيت حيث أتابع برامج قناة الجزيرة أو أشاهد فيلما عبر جهاز (في سي دي) الذي أصبح ثمنه أخيرا في متناول الجميع". السكان يقولون إن لا أحد من المسؤولين يهتم بأوضاعهم أو يزورهم داخل براريكهم، تدعي عشرات الجمعيات غير الحكومية تبنيها مشاكل الحي والدفاع عن سكانه. تقول جارة المرأة المنقبة التي فجر ابنها نفسه ليلة 11 مارس إن "الجمعيات أصبحت كالأحزاب لا تتحدث عن مصالح الكاريان إلا في المناسبات". ولكن خديجة صواب، المسؤولة عن جمعية »الرائدات« بسيدي مومن، توضح أن هناك جمعيات مثل التي تسيرها منذ 2002، تشتغل طيلة السنة مع المواطنين وتعطي بالخصوص دروسا في محو الأمية لنساء المنطقة. وحصلت هذه الجمعية في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على مبلغ 50 مليون سنتيم قالت مسؤولة الجمعية إنها ستصرفه في مشاريع مدرة للربح تستفيد منها النساء الفقيرات بسيدي مومن. وكشفت وردة جردي، من الجمعية نفسها، عن وجود جمعيات غير نشيطة وتستفيد مع ذلك من دعم السلطات المحلية. وقالت "إن حوالي 100 جمعية خُلقت مباشرة بعد الإعلان عن برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية". وقد توصلت سلطات سيدي مومن في إطار هذه المبادرة بأكبر مبلغ مالي لمحاربة الفقر والهشاشة وقُدر بـ 5 ملايير سنتيم . تقول الوثائق إن قرابة 184 جمعية مدنية تنشط على تراب سيدي مومن، لكن زائر كاريان السكويلة لن يلاحظ آثارا تذكر لأعمال هذه الجمعيات. العائلات تتساءل ماذا قدم المجتمع المدني لأطفالهم الذين لا يجدون فضاء يلعبون فيه غير المزبلة التي تتوسط الكاريان؟، وماذا فعلت لعشرات الشباب الذين يقبعون في المقاهي بدون عمل أو تكوين؟ وأين هي الجمعيات النسائية من مشاكل النقل التي تواجهها طالبات وتلميذات الحي، بسبب قلة خطوط النقل الحضري التي تربط كاريان السكويلة بمركز المدينة؟. أسئلة كثيرة يطرحها بعض هؤلاء السكان وهم يصطفون ببراميلهم البلاستيكية أمام "عوينة" تنتشر حولها الأزبال والقاذورات من مختلف الأنواع والأشكال . التهميش نفسه يغرق فيه سوق الأزهر العشوائي الذي يعد مصدر رزق جل عائلات الحي وضمنهما الانتحاريان المتورطان في أحداث ليلة 11 مارس، إذ كان الأول يبيع عصير البرتقال والثاني النعناع . كما يشتغل بعض رجال الحي في أوراش البناء التي تشهدها المنطقة، إذ تنتشر إقامات سكنية عصرية من ثلاثة إلى أربعة طوابق كالفطر. المواطنون في كاريان السكويلة متذمرون ومرعوبون ولا تبدو بوادر بقرب ترحيلهم الى سكن جديد يحفظ كرامتهم ويزيل عنهم تهمة »الإرهاب« التي التصقت بشبابهم منذ 16 ماي 2003 . |