بين فيلات فخمة بشارع تزي أوسلي بعين السبع بالمدينة الاقتصادية يتراءى دوار الفكيكي وراء سور وبواية حديدية مطلية باللون الأزرقو كأن المسؤولين يحاولون من وراء بناء هذا السور الإسمنتي إخفاء معالم البؤس الذي يعيشه سكان هذا الدوار المنسي.
جحور آدمية
لا يمكن التعرف علي هذا الدوار بسهولة.. فهذا الأخير يقع بين فيلات أنيقة ويختفي وراء سور، الشيء الوحيد الذي يدل على أن هناك دوارا يقطنه مواطنون محرومون من أبسط حقوق الحياة هي تلك العبارات الكتوبة بعشوائية على سور الدوار «مواطنون محرومون» و «طفولة مغتصبة».
البوابة الزرقاء تؤدي مباشرة إلى ممر مطلي بالإسمنت ضيق جدا لا يتعدي عرضه المترين. قبل أن يلتف الأطفال حول الزائر تحاصر هذا الأخير رائحة كريهة تزكم الأنوف، يبدو أن سكان الدوار تعودوا عليها، خصوصا أنهم يعيشون في هذا الدوار منذ سنوات..
بمحرد ن تطأ قدمي الزائر أرض الدوار المنسي يحاول الأطفال الالتفاف حوله لمعرفة أسباب الزيارة، لعلمهم أن لا أحد يمكنه الدخول إليه دون معرفة أهله.
يضم الدوار حوالي سبعين غرفة ضيقة تمتد على ممرين ضيقين هذه البيوت لا تتجاوز مساحتها في أحسن الأحوال ثلاثة على مترين في حين أن أغلب الغرف لا تتجاوز مترين على مترين..حياة بؤس وفقر يعيشها سكان دوار الفكيكي الذي لا تتوفر فييه أبسط شروط الحياة.
يقول النوري وهو أحد سكان الدوار «نحن منسيون وسط هذا الدوار التي تغيب به أبسط شروط الحياة.. غياب الواد الحار، وعدم وجود مراحيض، فسكان الدوار يضطرون لوضع حاجاتهم الشخصية في أكياس بلاستيكية، ورميها بعد ذلك في أرض خلاء»
نفس الشيء أكدته امرأة تقطن بالدوار، حيث تقول « في هذا الدوار تعيش سبعين أسرة وأزيد من 490 شخصا..أغلب سكان الدوار يضطرون للتغوط في أكياس بلاستيكية والآخرون وضعوا داخل بيونهم أماكن أشبه بمراحيض ولكن هي في حقيقة الأمر حفر لوضع ذلك النوع من الحاجيات».
«نحن منسيون» تقول خدوج أم لأربعة أطفال لتضيف مسترسلة « الغرف تشبه جحورا آدمية، لا تقي من البرد كما لا تحمي من الحرارة، الفذران والحشرات في كل مكان لا تنفع المبيدات في القضاء عليها، نخاف من الأمطار كما نخاف من الحرارة المرتفعة في فصل الصيف، فالأمطار تجعلنا نقضي النهار أو الليل في سد منافذ المياه القادمة من أعالي الشارع وفي فصل الصيف نقضي اليوم وسط حرارة مفرطة تسبب في إشعال النيران أكثر من مرة».
دوار منسي
«بهذا الدوار نحن منسيون.. منسيون من المنتخبين ومنسيين من طرف مسؤولي السلطة المحلية ومنسيين من طرف أهالينا لا أحذ يدريد أن يزورنا،» بهذه العبارة بدأت فاطمة وصفها للوضع المأساوي الذي يعيشه سكان دوار الفكيكي، لتضيف «لقد تخلي عنا جميع الناس الحكومة وأهالينا، فالجميع أصبح يمقت هذا المكان المقرف ونحن كذلك أصبحنا نكرهه لأنه لا يتوفر على أدنى شروط الحياة»
«مكان لا يتوفر على أدنى شروط الحياة» عبارة كررها جل سكان دوار الفكيكي أكثر من مرة الذين يرون أن حقهم في الحياة ضاع بسكنهم في هذا الدوار الإسمنتي الصفيحي في نفس الوقت».
خلال المرور بالدهليز، الذي يرمي إلى باقي الغرف المتراصة أبوابها، تعالت أصوات النساء، اللواتي أكدن أن أزواجهن أدوا مقابل العيش بالدوار مبالغ مالية تجاوزت ثلاثة ملايين لسماسرة أشخاص يقولون أن الأرض التي بنيت عليها الغرف في ملكيتهم، وأنهن وأسرهن قضين بين 15 و20 سنة عمرا كله غبن وظلم اجتماعي.
تقول مليكة «نحن سبعين أسرة تعيش في هذا الدوار ومنذ سنوات ونحن ننتظر أن تتعطف علينا السلطة المحية وتقوم بإحصائها على غرار الدواوير التي يعرفها حي عين السبع، لكن للأسف لا حياة لمن تنادي فرغم الاحتجات التي قام بها السكان، فإنه لم يتم إحصاءنا ولم تستفد أي أسرة من أي مشروع سكني لمحاربة دور الصفيح».
بعض شباب أكدوا أنهم يخفون عن معارفهم أنهم يقطنون بهذا الدوار لأنهم غير راضين على الوضع الذي يعيشونها بذلك الدوار. أكثر من هذا فإن البعض منهم عبروا عن القهر الذي يشعرون به عندما يضطرون للنوم مع أخواتهم بالإضافة إلى الأب والأم في غرفة ضيقة لا تسع إلا لفرد واحد.
أمراض متفشية
يضطر سكان دوار الفكيكي إلى بناء «السدة» للاستفادة من سقف الغرفة، وبالتالي فإنه يتم تخصيصها لوضع بعض الأغراض الشخصية، رغم أنه في أغلب الأحيان يقضي الأطفال لياليهم هناك خصوصا إذا ما أراد الوالدين ممارسة علاقتهما الحميمية.
فمن عيوب العيش في غرفة واحدة وضيقة تقول بعض سكان المنطقة. فإن النساء على وجه الخصوص يواجهن مشاكل في تغيير ملابسهن بحضور الأب والإخوة الكبار، أو الخلود إلى النوم والقيلولة، ما يدفعهن إلى إيجاد أي ذريعة للخروج إلى الشارع لقضاء بعض الوقت هناك.
أما بالنسبة للأسر التي يفوق عددها سبعة أشخاص فإنهم يضطرون إلى التناوب في النوم ضيق المكان.
عشرون سنة قضتها السعدية بدوار الفكيكي تعيش في غرقة ضيقة جدا.. في غرفة لا تتجاوز مساحتها مترين طولا ومترا ونصف عرضا، تفترش السعدية أغطية بالية لأن مساحة الغرفة لا تسمح لها بوضع سرير أو حتى أريكة.. تعلق ثيابها بالمسامير الموجودة بالجدران، وبخلاف باقي الغرف، تحاول السعدية أن تكسر وحدتها، بمشاهدة التلفزة، فيما يحاول أبناؤها توفير القوت اليومي. والذين يهددون دائما بالهروب من الواقع الذي يعيشون فيه.
لا تقوى السعدية على مغادرة غرفتها على غرار العديد من قاطني الدوار من كبار السن على وجه الخصوص بسبب المرض، وتقدم السن، إذ من بين سكان الدوار، يوجد أشخاص يعانون من أراض مزمنة تستدعي استشفائهم عوض قضائهم اليوم بأكمله في غرف رطبة.
حسب سكان المنطقة فإن فقر الدم والسل والحساسية والأمراض الجلدية من أكثر الأمراض انتشارا بين السكان، خصوصا الأطفال منهم فالاكتظاظ وسوء التغذية وضعف التهوية وتدني ظروف العيش بصفة عامة، كلها عوامل تزيد من خطر انتشار هاته الأمراض.
يقول محمد «واش باغينا نموتو عاد يفكرو فينا ويقلبو لينا على سكن» مشيرا إلى انهيار بعض المنازل في المدينة القديمة بالدارالبيضاء وبالتالي إعادة إسكان بعض القاطنين هناك والتفكير في إعادة إسكان الآخرين.
ليضيف »لقد شب حريق بالدوار ولم تتمكن سيارة المطافئ من الوصول إلى بؤرة الحريق مما جعل صاحب الغرفة وأسرته بلا مأوى في العراء » ويتساءل «ماذا سيكون مصيرنا في الشتاء وفي حالة هبوب الرياح التي تكاد تعصف بالأسقف القصديرية للغرف؟».
قبل مغادرة الدوار، أكد السكان أن الظروف التي اعتبروها مزرية وصعبة، فسيواجهونها بالصبر والمثابرة، لكن أن يصبح الدوار بؤرة للتطرف الأخلاقي أو الديني هو ما ما لا يمكن احتماله فواقع الفقر والحرمان في هذا الدوار يمثل حاضنة أساسية وبيئة خصبة لنمو الحركات المتطرفة التي تغذيها عوامل التهميش والحرمان والبطالة وغياب التعليم لتنعكس في صورة يأس اجتماعي وربما نزعة للثأر من المجتمع أو الدولة المسؤولة عن مثل هذا التهميش.س
سميرة فرزاز
المزيد:
http://www.akhbarona.com/society/30525.html#ixzz3xVCks4rC