هذا بعد ان قضت محكمة بالدارالبيضاء قبل ذلك بيوم واحد بسجن ثلاث نقابيين سنة، وتغريمهم أجمعين بمبلغ 100 مليون سنتيم. يتعلق الأمر بالمناضلين العربي رياش كاتب نقابة عمال شركة دهانتيكس لصناعة السجاد وحصير البلاستيك، ونائبه الحسين ولد عبو، ومحافظ النقابة حنفي محمد. كان هؤلاء المناضلون النقابيون في حالة اعتقال منذ 15 نوفمبر بتهمة عرقلة حرية العمل وتبديد ملك الغير، وذلك على اثر اعتداء أكثر من 30 من عناصر شركة للحراسة على العمال، أصيب منهم كثيرون بجروح.
كما جرى من جهة أخرى تأجيل محاكمة النقابي بشركة كوكاكولا الرياضي نور الدين، المتابع بتهمة عرقلة حرية العمل، الى يوم 6 يناير 2008.
هكذا بينما تتمادى القيادات النقابية في الامتناع عن تحريك الأداة النقابية، تتمادى آلة القمع البرجوازية في التنكيل بالعمال المناضلين، حيث سبق تلفيق التهمة عينها، تهمة عرقلة حرية العمل، في سبتمبر 2007 لثمانية عمال نقابيين [إ.م.ش]من المعتصمين شهورا أمام مطاحن سيدي سليمان، واعتقالهم، وكانت التهمة ملفقة بشكل مفضوح كان تدخل مسؤولي النقابة بعده كافيا لوقف المتابعة وإطلاق سراح المعتقلين.
وعلى المنوال ذاته جرى اعتقال 16 عامل بشركة بروسيت بنواحي تارودانت، واتهامهم بعرقلة حرية العمل. وقد استعمل الفصل 288 من القانون الجنائي اداة رئيسة ضد نقابيي الضيعات الزراعية بسهل سوس في السنوات الأخيرة.
البيروقراطية النقابية تساهم بصمتها في إعدام الحرية النقابية
لقد أبانت منظماتنا النقابية عجزا خطيرا في التصدي للفصل 288 من ق.ج، لا بل تنازلت لأرباب العمل ودولتهم خلال التفاوض حول مدونة الشغل، اذ قبلت ما يُستعمل ضد حق الإضراب من تهم عرقلة حرية العمل. فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة 9 من مدونة الشغل: يمنع كل مس بالحريات والحقوق المتعلقة بالممارسة النقابية داخل المقاولة وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، كما يمنع كل مس بحرية العمل بالنسبة للمشغل وللإجراء المنتمين للمقاولة.
إن في هذا قبولا مخزيا لأكذوبة عرقلة حرية العمل التي استعملت طيلة عقود لقمع الإضراب العمالي. وظل ما نص عليه اتفاق 30 ابريل 2003 الموقع بين النقابات العمالية( الكونفدرالية– الاتحاد المغربي للشغل- الاتحاد العام) والدولة، وكونفدرالية أرباب العمل، وجامعة غرف التجارة، من "مراجعة الفصل 288 من القانون الجنائي وذلك تفاديا لكل التأويلات التي يثيرها تطبيق هذا الفصل" حبرا على ورق. وخلال أربع سنوات ونصف المنصرمة على هذا الاتفاق استعمل الفصل 288 بكثرة بينما ظلت القيادات النقابية صامتة ممتنعة عن أي مبادرة تجمع قوى العمال لإلغاء الفصل المذكور.
لو كانت تلك القيادات تذود فعلا عن مصلحة العمال لجعلت من النضال لإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي والتصدي لمشروع القانون المانع عمليا للإضراب فرصة لبناء جبهة نقابية موحدة تعيد لعمال المغرب الثقة في قواهم، وخطوة أولى على طريق رد الهجوم البرجوازي الشامل على قوت العمال وحريتهم.
لقد استعملت الدولة الفصل 288 لإخماد نار الاحتجاج العمالي بقوة اشد لأنها تعرف ان بإمكانها أن تضرب بقوة لان النقابات عاجزة ولا رغبة لها في الرد. الدولة تعلم انه خارج كلام البيانات الفارغ لن يكون ثمة أي رد.
ولا شك أن قسطا من مسؤولية ما حل بالمنظمات العمالية يقع على كاهل ذلك "اليسار" الذي اختار مجاراة البيروقراطية النقابية، والسكوت عما تسبب من مصائب، بقصد الفوز بكراسي الأجهزة او الحفاظ عليها.
الدفاع عن الحرية النقابية جبهة من جبهات بناء حركة نقابية فعالة
بلغت جهود الدولة لاستئصال التنظيم النقابي مستوى جعل قسما عريضا من العمال ينفرون من النقابة. « النقابة؟ ما دخلت معملا إلا و أهلكت عماله: لا شيء غير الطرد، والمحاكمات وبالتالي التجويع». هذا هو جواب العامل المتوسط في ربوع المغرب. كيفا لا و مستوى البطالة يجعل الظفر بفرصة عمل كافيا لقبول العامل بشتى صنوف الاستغلال و امتهان الكرامة؟ قمع النقابة هو السلاح الثاني، بعد البطالة، الذي بيد دولة الرأسماليين لتطويع العمال وفرض فرط الاستغلال. ولا يقتصر هذا القمع على الفصل 288 من ق.ج، بل يبدأ من أشكال الضغط والعقاب [ تنقيل ، حرمان من مكاسب،تحرش ...] والتوقيف ثم الطرد ، وصولا إلى القانون الذي يعترف كلاما بالحق النقابي ولا يتيح أي وسيلة لممارسته بأماكن العمل [مقرات نقابية، سبورات، مناشير ...]،علاوة على بنوده القامعة على نحو مباشر مثل مرسوم 5 فبراير 1958 المانع لإضراب الموظفين، و مشروع قانون الإضراب الذي ينتظر اللحظة المواتية ليضع الحجر الأخير على قبر الحرية النقابية.
وما دامت هذه الترسانة قائمة لن تتمكن الحركة النقابية من مراكمة القوى، وستظل جسما هزيلا برأس كبير، رأس تمثله البيروقراطية ، تلك الفئة التي لها مصالح خاصة بها هي أصل نزعتها المحافظة والمهادنة. لذا يشكل التشهير اليومي بقمع النقابة، والدفاع عن الحرية النقابية بكامل أبعادها، والتضامن مع ضحايا التنكيل البرجوازي، إحدى المهام الأساسية للنقابيين الحقيقيين.
يجب ان يكون الظفر بالحرية النقابية هدفا لنشاط النقابيين الحقيقيين اليومي، انها معركة تستدعي أدوات خاصة، من معدات إعلامية، وأنشطة جماهيرية، ومبادرات تضامنية مع مساجين الفصل 288 ، إنها باختصار إحدى نقاط أي برنامج عمل نقابي.
الحريات مجال تعاون النقابيين مع باقي مكونات الساحة النضالية
يتعرض الطلاب لقمع منهجي لفرض سياسة تحويل التعليم إلى سلعة، ويجري البطش كل يوم بالشباب العاطل المطالب بحقه في العمل، وتستعمل القوة والقنابل المسيلة للدموع لتحطيم النضالات الشعبية ضد غلاء المعيشة، ويُقمع القرويون المطالبون بالمدرسة والمستشفى والطريق، وتكمم أفواه المثقفين المنددين بفظائع الطغيان السياسي، ويُسكت الفنانون الرافضون للجرائم المقترفة ضد الشعب، ويقمع المناضلون السياسيون الرافضون للاستبداد.
لهذا القهر كلي الحضور مصدر واحد، انه القوة الطاغية التي تفرض على المغرب أن يبقى بلدا متخلفا، وتحول سكانه إلى شعب منكوب، إنها سلطة الأقلية المالكة المستبدة. لذا يجب على النقابيين أن يروا في ما يتعرضون له مكملا لإعدام حرية التعبير، وحرية التظاهر، وحرية التنظيم السياسي التي قوض قانون الأحزاب ما تبقى منها. ويعملوا بالتالي لتجسيد النضال المشترك مع قوى النضال الأخرى، من جمعيات الدفاع عن الحقوق الإنسانية، وأشكال النضال الشعبي بالقرى، وكفاحات حركة المعطلين، وكل ضحايا الاضطهاد.
إن القدرة على كسر أغلال الاستعباد والاضطهاد كامنة في ملايين الكادحين، وبمقدمتهم الطبقة العاملة، بالصناعة والزراعة والخدمات وبالوظيفة العمومية على السواء، لكن تحولها إلى قدرة بالفعل رهين بعمل منهجي، عمل تنوير وإيقاظ وتنظيم ونضال مشترك.
وهنا واجب الأقلية الواعية الصامدة داخل النقابات العمالية وبالجامعة و بحركة المعطلين وسواها من قوى النضال.
ليس هذا الواجب يسيرا بالنظر إلى ما يطبع أدوات النضال تلك من سلبيات موروثة عن عقود التعثر وتوالي الإخفاقات، لا شك أن أمراض اليسار تمثل قسطا غير ضئيل منها، لكن ما من طريق آخر لتحرر العمال ومعهم الكادحين قاطبة.
مصطفى البحري