2 مشترك
للمطالعة اليزيد البركة
رياضي- Admin
- عدد المساهمات : 3794
تاريخ التسجيل : 06/07/2010
- مساهمة رقم 2
رد: للمطالعة اليزيد البركة
القوى المضادة تتحرك لنسف الطموح إلى التغيير
اليزيد البركة
الحوار المتمدن - العدد: 3324 - 2011 / 4 / 2
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
القوى المضادة تتحرك لنسف الطموح إلى التغيير
أصدر المجلس العلمي الأعلى التابع لوزارة الأوقاف المغربية بيانا إلى الرأي العام نشر في 31مارس ووقع في 30 مارس ،وقد وزع على الصحافة بشكل واسع، ظاهره يتكلم عن إمارة المؤمنين غير أنه تناول قضايا كثيرة حملت رسائل سياسية ذات أبعاد خطيرة . وقد تزامن هذا البيان مع بداية استماع اللجنة الدستورية التي شكلها الملك محمد السادس لمقترحات الأحزاب السياسية حول مراجعة الدستور مراجعة شاملة كما جاء في الخطاب الملكي. وتضم اللجنة شخصيات لها اطلاع علمي بالموضوع وبعيدة عن الانتماءات السياسية والدينية والنقابية ، غير أنه ظهر من البيان أن تشكيلتها أغاضت المجلس العلمي الذي كان يعتقد أن له حقا في التواجد فيها بتمثيلية هامة من منطلق يربط بين الدين والسياسة ويجعل الأول جوهر الثانية، إذ جاءت فيه جملة استعملها المجلس العلمي في بيانه الذي وقعه الكاتب العام محمد يسف موجهة للملك تحمل إيحاءات بين سطورها لم تغب مراميها عن المتتبعين ،وهذه أول مرة يلجأ فيه المجلس إلى مثل هذه اللغة وتقول الجملة :" إن العلماء من منطلق الأمانة التي هم لها حافظون، والعهد الذي هم له راعون، لم يكونوا يوما من الذين هم على كل بياض يوقعون، وإنما هم ملتزمون بالنهج الذي هم به مطالبون، والذي يفرض عليهم أن يروا العمل الصالح ويشكروه، وأن يسددوا ويقاربوا ويسُدُّوا الذرائع، ويتقوا الفتنة، من أجل صيانة بيضة الدين، والوقوف سدا منيعا أمام خطر غلو الغالين".
جاءهذا الكلام السابق بعد عدد من العبارات التي تمجد إمارة المؤمنين وتعطيها حمولات تتعدى حمولة الملك مثل:" أعرب المجلس العلمي الأعلى عن اعتزازه بـ"الإمامة العظمى بالمغرب" ومثل:" "اعتزاز العلماء وطمأنينتهم لإعلان أمير المؤمنين أن كل الإصلاحات المرتقبة ستأتي متوافقة مع ثوابت الأمة المتعلقة بالدين وإمارة المؤمنين"،و:" العلماء ارتأوا أن من واجبهم إصدار هذا البيان للتعبير عن رؤيتهم إجمالا، وذلك انطلاقا من مقامهم في "الالتزام الشرعي بالبيعة لأمير المؤمنين" ويبلغ مجموع العبارات التي ورد فيها أمير المؤمنين غير ما سبق ستة عبارات أخرى كل واحدة تحمل رسالة سياسية، الغرض منها جميعها هو أن يبين العلماء أنهم عندما بايعوا فقد بايعوا في إطار إمارة المؤمنين، ومن يستطيع أن يفهم فقد فهم المراد.
ظهر من بداية البيان أن الذي حرك المجلس وكاتبه العام هو ما عبر عنه ب :" لا يجوز بأي دعوى متطرفة كانت، أن يدعو إلى الإنكار والجحود والاستنساخ". وبالرجوع إلى التاريخ الذي سبق صدور البيان نجد أن حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي هو الذي تقدم إلى اللجنة يوم 29 مارس بمقترحاته أي بيوم واحد من توقيع البيان، ويظهر أن المجلس كان يفضل أن يقاطع الحزب اللجنة حتى تبقى مقترحاته رهن التعتيم والإقصاء الذي تفرضه عليه السلطات وإلا فإن ما أدلى به ليس جديدا على المجلس ولا غيره ولم يسبق له أن رد علينا بمثل هذه اللهجة التي تعيدنا من جديد إلى سنوات التكفير ونشر الكراهية والحقد وسط الشعب
لنبدأ ببعض المقترحات التي يظهر أنها مرتبطة بإمارة المؤمنين على أن نعود إلى النقاط الأخرى التي أثارها المجلس العلمي أولا طالب الحزب بحذف الفصل 19 من الدستور الذي ينص على :" الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات . وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة".إن هذا الفصل ضم الكثير من القضايا الأساسية التي تضرب مبدأ السيادة للشعب وجعلت الملكية ممتزجة مع الدولة إذ كل صلاحيات الدولة تستمد من الملكية وبدون حذفه لا يمكن تحديد صلاحيات الملك في فصول أخرى، أما ما يتعلق بإمارة المؤمنين في نفس الفصل فقد سلك المجلس طريقا ملتويا للتعبير عن رأيه السياسي وليس الديني ذلك أنه حاول أن يخلط بين شخص الملك محمد السادس ليوحي للناس أن الحزب عندما طال بحذف الفصل فهو يعني شخص الملك ، والحال أن محمد السادس كأمير للمؤمنين ساهر على الأمن الروحي للأمة لم نسجل عليه ما يمكن أن نآخذه عليه بل قام بالكثير من الخطوات لمعالجة الأخطاء الفادحة المرتكبة قبله، ولو كان الشأن الديني في يد الفقهاء والجهلة في الظروف الصعبة التي مر منها المغرب لأركبونا أمواج الحروب الصليبية ولأعلنوا الحرب على إيران وعلى حزب الله وحتى على الجزائر وربما التوغل في إفريقيا باسم " بيضة الدين" التي جاءت في البيان، لكن نحن هنا عندما سعينا إلى بناء أساس جديد للحقل الديني نفكر لأبناءنا وللأجيال القادمة . والتاريخ شاهد على تخوفاتنا أين كان هؤلاء العلماء عندما استعملت إمارة المؤمنين ضد الاتحاد الاشتراكي في 1981 عندما عارض تمديد مدة البرلمان وانسحب منه ( وكنا إذاك في هذا الحزب وسبق أن طالبنا بالانسحاب بسبب تزوير الانتخابات التشريعية في 1977 وقد انتظر الحزب كل تلك السنوات حتى تم تمديد التزوير لينسحب). ألم يتكالب الجميع ضد الحزب وبدأت الجوقة تزين للحسن الثاني الذهاب بعيدا في ما قاله بأن المنسحبين ويقصد الحزب خارج الجماعة أليس هذا استعمال سياسي لأمارة المؤمنين؟ والحقيقة أن التاريخ يحمل الكثير من الأمثلة في هذا الباب منها مقتل العالم محمد عبد السلام جسوس قي 1709ميلادية لأنه رفض تمليك العبيد ودعا إلى تحريرهم . وكانت الجوقة الحاملة للغياطة والبندير تزين للحسن الثاني أن يلجأ إلى التتريك وإلى التطواف بهم في الأسواق والأحياء كما حصل للعالم جسوس في محنته .والحقيقة أن إمارة المؤمنين لم تستعمل استعمالا فظا في العقد الأخير ولكن محتويات الفصل الأخرى استعملت وأفرغت كل المؤسسات من اختصاصاتها.
إن هذا الموضوع مرتبط بالدين وقد جاء في الخطاب الملكي 9 مارس أن الإسلام من الثوابت الوطنية وكذا الملكية لكن عن أي إسلام نتحدث ؟وعن أي ملكية نتحدث ؟ إذا كنا نسعى إلى ان نفصل الإسلام عن حقوق الناس وعن العدل والإنصاف وإذا كنا لا نفهم الإسلام إلا على أنه "بيضة " ، وإذا كنا نريد ملكية مثل ما هي عليه الآن فلماذا هذه الجهد العبثي لمراجعة الدستور مراجعة شاملة؟ في مقال تحت عنوان "الملكية الدستورية والتكتلات الحزبية" للكاتب سعيد سعيد العلوي بجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 31 مارس والذي تزامن مع بيان المجلس بشكل يثير التساؤلات هاجم فيه الأحزاب السياسية ووضعها كلها في سلة واحد كغيره من الصحافيين الذين ينشرون التضليل وخص ثلاثة أحزاب سياسية مغربية بوسم أنها صغيرة وأنها تنتمي إلى الأطراف القصوى من اليسارية وليلاحظ القارئ التناغم الحاصل بين الأطراف المشكلة للقوى المضادة ،وحاول بعد هذا أن يبين أن ما يصلح للشعب المغربي هو الملكية البرلمانية وغاب عنه أن المغرب ليس هو السعودية التي ما تزال تبحث عن طريقها نحو الملكية الدستورية إن المغرب ملكية دستورية منذ 1962 ، وقد حان الوقت ليناقش المغاربة تصورات متطورة أخرى.
لقد أعلنا مرارا أننا مع ملكية برلمانية وأعلنا أن الحقل الديني يعيش انزلاقات خطيرة لا بد من إصلاحها لضمان الأمن الروحي للأمة ولن يحصل ذلك بمثل الخطاب الذي جاء به المجلس العلمي.
من هذا المنطلق وحتى لا يكون هناك جمود وركود يعيد نفسه على مر العقود والقرون في هذين الموضوعين طالبنا بحذف الفصل106 الذي يتحدث عن مراجعة الدستور حيث ينص على:" النظام الملكي للدولة وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة".والدليل على أن الفصل يجب أن يحذف فإننا منذ انتشار العمليات الإرهابية في العالم ونحن وغيرنا نناقش الإسلام بقوة كما أننا الآن وقبل هذا نناقش الملكية فلماذا النقاش إذا لم نستثمره ونصل فيه إلى نتيجة صالحة . من بين النقاط الأساسية التي جاءت في البيان القول على أن: "الدعوة إلى إلغاء الفساد إذا كانت مشروعا وطنيا فإنها لابد أن تكون شاملة تطال إلى جانب الإصلاح السياسي والإداري; الفساد العقدي والأخلاقي عندما تكون بعض مظاهر هذا الفساد ضارة بالأغلبية الساحقة من المواطنين، لاسيما وأن للأغلبية الحق في تبني القوانين التي تجرم هذا الفساد، إذ لا محل في الشرع لمواجهة كاسحة لا تأبه بسلامة المجتمع لأن الضرر في منطق الإسلام لا يزول بمثله، ولأن الاختيار الديمقراطي الذي أجمع عليه المغاربة يتطلب رعاية ديمقراطية شاملة".
لقد كنا نتوقع من قوى الفساد والتي نظمت نفسها سياسيا وجمعويا وإداريا.. أن تخرج بخرجات ضد 20 فبراير وفعلا حصل الأمر بطريقة بليدة بواسطة البلطيجة ولكن أمام الخسارة السياسية والأدبية لتلك الخرجة تراجعت إلى حين . وما كنا نعتقد أن الجلس العلمي قد يتورط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في التلويح من جديد بالعصا التي كانت قد رفعتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إبان مراجعة مدونة الأحوال الشخصية . "إذا" شرطية ، فما يزال المجلس لم يستوعب بعد ماذا يجري في المغرب وفي العالم العربي إن الفساد على أجندة الشباب ، وربطه بما هو عقدي وأخلاقي كشرط للإصلاح يتضح المراد خاصة مع تأكيد المجلس على أن العلماء ملزمون بأن :" يسُدُّوا الذرائع، ويتقوا الفتنة، من أجل صيانة بيضة الدين، والوقوف سدا منيعا أمام خطر غلو الغالين " وكان قد ذهب الفقيه الزمزمي هذا المذهب كعادته حين التجأ إلى القاعدة الفقهية المشهورة في التاريخ الإسلامي التي كانت تستعمل للإضطهاد والقمع لكل رأي أو احتجاج وهي "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع". حركت قوى الفساد البلطجية ليخربوا ويعيثوا فسادا وعندنا في الجهة الأخرى شباب مسالم ضج من الفساد ويطالب بالإصلاح كيف يمكن التعامل مع هذا؟ لا يمكن خلط الأوراق وإلا سقط المجلس في نفس هدف الفساد وهو طمس المطالب بسبب ما وقع من تعدي على ممتلكات الناس والتي كان وراءها الفساد.
البيان هذه المرة ولو استعمل قاعدة الذرائع لم يربط بالبلطجية ولكنه ربط بشئ آخر هو ما سماه العقدية والأخلاق والبيان يغمز من قناة أن من يعنيهم هم أقلية ضد "الأغلبية الساحقة من المواطنين" من هم هؤلاء الأقلية ؟ "العلمانيون "؟ ، اليساريون ؟ لا نعلم من هم كل ما أفادنا به البيان على نصه أنهم أقلية .
لنحلل أولا الفساد ويظهر أن المجلس لا يستطيع إنكار وجوده وقد استشرى إلى حد أنه هو الذي أصبح ديمقراطيا أغلب الشرائح الاجتماعية تتوسل طريقة إلى الفساد لتغتني وأصبح من يبحث عن لقمة عيش نظيفة أقلية وغير شاطرين في نظر الأغلبية وإذا عرجنا فقط على الرشوة نجد عالما فظيعا ناهيك على استغلال النفوذ والشطط والاختلاس والتبذير والسطو وكل أشكال الفساد ألم يجد المجلس أن هذا الفساد له أخلاق وأن هذه الأخلاق تهدد المجتمع ؟ من يسرق أموال الشعب؟ الذين ينادون بالإصلاح السياسي والدستوري والقطع مع الفساد أم الذين يتمنعون ويخلقون الذرائع تلو الذرائع ؟. إن الأقلية اليسارية لا يد لها على أموال الشعب ولا علاقة لها بالنهب ولا ينشرون أخلاق الفساد فاليبحث المجلس عن غيرها. من سبب الفساد في المغرب ؟ إذا لم يستطع المجلس أن يجيب فينظر في أدبياتنا عبر تاريخنا . ومن ينشر أخلاق الفساد المحكومون أم الحاكمون ؟ هذا أيضا أجبنا عن في أدبياتنا . فكفى نفاقا وليقم المجلس بواجبة الديني وهي كلمة حق على الأقل إذا لم يستطع أن يفعل شيئا
كان على المجلس العلمي أن ينوه بالشباب الذي خرج ضد الفساد ومن أجل رفع الحيف بدل وضعهم في خانة البلطجية للوصول إلى غاية لا نريد أن يسقط فيها المجلس العلمي . والحقيقة أننا كنا دائما ضد حشر العلماء في قضايا السياسية والاقتصاد لأنها قضايا صراع بين طبقات وفئات اجتماعية كل طبقة تعمل على أن تكسب مصالح ودخول العلماء في هذا الصراع يدخل الدين أيضا وهذا يلحق ضررا فادحا بالأمن الروحي للأمة
إن الموضوع العقدي يحيل على كثير من القضايا منها ما يتعلق بالمذاهب الإسلامية وما يتعلق بالايمان والإلحاد وما يتعلق بالأديان الأخرى ، ونخاف أن تكون هناك نية في أن يستعيد المجلس تجارب فقهاء في عهود أخرى لا هم لهم إلا وصم هذا بأنه شيعي وهذا حنفي وهذا زنديق وهذا يهودي وذاك مسيحي وذاك ملحد . إننا في عصر المواطنة ولو كان المواطن يهوديا أو مسيح أو غير ذلك له حقوق وعليه واجبات. وكيفما كان الحال فإن كل ذلك يطرح إشكالية الدين والتدين الذين نتحدث عنهما فإذا كنا نتحدث عن إسلام العدل والحق والتسامح والاعتدال وحوار الحضارات والاجتهاد فهذا هو الطريق الصحيح وإذا كنا نتكلم عن إسلام الاضطهاد والشطط في استعمال السلطة وخلق محاكم التفتيش وبيضة الدين وحمل كتب الفقه في يد والسيف في اليد الأخرى فإذا لم يجد الفقيه جوابا في تلك الكتب يرفع يده شاهرا سيفه فهذه يطرح إشكالا كبيرا أمامنا وأمام الأجيال القادمة
اليزيد البركة
الحوار المتمدن - العدد: 3324 - 2011 / 4 / 2
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
القوى المضادة تتحرك لنسف الطموح إلى التغيير
أصدر المجلس العلمي الأعلى التابع لوزارة الأوقاف المغربية بيانا إلى الرأي العام نشر في 31مارس ووقع في 30 مارس ،وقد وزع على الصحافة بشكل واسع، ظاهره يتكلم عن إمارة المؤمنين غير أنه تناول قضايا كثيرة حملت رسائل سياسية ذات أبعاد خطيرة . وقد تزامن هذا البيان مع بداية استماع اللجنة الدستورية التي شكلها الملك محمد السادس لمقترحات الأحزاب السياسية حول مراجعة الدستور مراجعة شاملة كما جاء في الخطاب الملكي. وتضم اللجنة شخصيات لها اطلاع علمي بالموضوع وبعيدة عن الانتماءات السياسية والدينية والنقابية ، غير أنه ظهر من البيان أن تشكيلتها أغاضت المجلس العلمي الذي كان يعتقد أن له حقا في التواجد فيها بتمثيلية هامة من منطلق يربط بين الدين والسياسة ويجعل الأول جوهر الثانية، إذ جاءت فيه جملة استعملها المجلس العلمي في بيانه الذي وقعه الكاتب العام محمد يسف موجهة للملك تحمل إيحاءات بين سطورها لم تغب مراميها عن المتتبعين ،وهذه أول مرة يلجأ فيه المجلس إلى مثل هذه اللغة وتقول الجملة :" إن العلماء من منطلق الأمانة التي هم لها حافظون، والعهد الذي هم له راعون، لم يكونوا يوما من الذين هم على كل بياض يوقعون، وإنما هم ملتزمون بالنهج الذي هم به مطالبون، والذي يفرض عليهم أن يروا العمل الصالح ويشكروه، وأن يسددوا ويقاربوا ويسُدُّوا الذرائع، ويتقوا الفتنة، من أجل صيانة بيضة الدين، والوقوف سدا منيعا أمام خطر غلو الغالين".
جاءهذا الكلام السابق بعد عدد من العبارات التي تمجد إمارة المؤمنين وتعطيها حمولات تتعدى حمولة الملك مثل:" أعرب المجلس العلمي الأعلى عن اعتزازه بـ"الإمامة العظمى بالمغرب" ومثل:" "اعتزاز العلماء وطمأنينتهم لإعلان أمير المؤمنين أن كل الإصلاحات المرتقبة ستأتي متوافقة مع ثوابت الأمة المتعلقة بالدين وإمارة المؤمنين"،و:" العلماء ارتأوا أن من واجبهم إصدار هذا البيان للتعبير عن رؤيتهم إجمالا، وذلك انطلاقا من مقامهم في "الالتزام الشرعي بالبيعة لأمير المؤمنين" ويبلغ مجموع العبارات التي ورد فيها أمير المؤمنين غير ما سبق ستة عبارات أخرى كل واحدة تحمل رسالة سياسية، الغرض منها جميعها هو أن يبين العلماء أنهم عندما بايعوا فقد بايعوا في إطار إمارة المؤمنين، ومن يستطيع أن يفهم فقد فهم المراد.
ظهر من بداية البيان أن الذي حرك المجلس وكاتبه العام هو ما عبر عنه ب :" لا يجوز بأي دعوى متطرفة كانت، أن يدعو إلى الإنكار والجحود والاستنساخ". وبالرجوع إلى التاريخ الذي سبق صدور البيان نجد أن حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي هو الذي تقدم إلى اللجنة يوم 29 مارس بمقترحاته أي بيوم واحد من توقيع البيان، ويظهر أن المجلس كان يفضل أن يقاطع الحزب اللجنة حتى تبقى مقترحاته رهن التعتيم والإقصاء الذي تفرضه عليه السلطات وإلا فإن ما أدلى به ليس جديدا على المجلس ولا غيره ولم يسبق له أن رد علينا بمثل هذه اللهجة التي تعيدنا من جديد إلى سنوات التكفير ونشر الكراهية والحقد وسط الشعب
لنبدأ ببعض المقترحات التي يظهر أنها مرتبطة بإمارة المؤمنين على أن نعود إلى النقاط الأخرى التي أثارها المجلس العلمي أولا طالب الحزب بحذف الفصل 19 من الدستور الذي ينص على :" الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات . وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة".إن هذا الفصل ضم الكثير من القضايا الأساسية التي تضرب مبدأ السيادة للشعب وجعلت الملكية ممتزجة مع الدولة إذ كل صلاحيات الدولة تستمد من الملكية وبدون حذفه لا يمكن تحديد صلاحيات الملك في فصول أخرى، أما ما يتعلق بإمارة المؤمنين في نفس الفصل فقد سلك المجلس طريقا ملتويا للتعبير عن رأيه السياسي وليس الديني ذلك أنه حاول أن يخلط بين شخص الملك محمد السادس ليوحي للناس أن الحزب عندما طال بحذف الفصل فهو يعني شخص الملك ، والحال أن محمد السادس كأمير للمؤمنين ساهر على الأمن الروحي للأمة لم نسجل عليه ما يمكن أن نآخذه عليه بل قام بالكثير من الخطوات لمعالجة الأخطاء الفادحة المرتكبة قبله، ولو كان الشأن الديني في يد الفقهاء والجهلة في الظروف الصعبة التي مر منها المغرب لأركبونا أمواج الحروب الصليبية ولأعلنوا الحرب على إيران وعلى حزب الله وحتى على الجزائر وربما التوغل في إفريقيا باسم " بيضة الدين" التي جاءت في البيان، لكن نحن هنا عندما سعينا إلى بناء أساس جديد للحقل الديني نفكر لأبناءنا وللأجيال القادمة . والتاريخ شاهد على تخوفاتنا أين كان هؤلاء العلماء عندما استعملت إمارة المؤمنين ضد الاتحاد الاشتراكي في 1981 عندما عارض تمديد مدة البرلمان وانسحب منه ( وكنا إذاك في هذا الحزب وسبق أن طالبنا بالانسحاب بسبب تزوير الانتخابات التشريعية في 1977 وقد انتظر الحزب كل تلك السنوات حتى تم تمديد التزوير لينسحب). ألم يتكالب الجميع ضد الحزب وبدأت الجوقة تزين للحسن الثاني الذهاب بعيدا في ما قاله بأن المنسحبين ويقصد الحزب خارج الجماعة أليس هذا استعمال سياسي لأمارة المؤمنين؟ والحقيقة أن التاريخ يحمل الكثير من الأمثلة في هذا الباب منها مقتل العالم محمد عبد السلام جسوس قي 1709ميلادية لأنه رفض تمليك العبيد ودعا إلى تحريرهم . وكانت الجوقة الحاملة للغياطة والبندير تزين للحسن الثاني أن يلجأ إلى التتريك وإلى التطواف بهم في الأسواق والأحياء كما حصل للعالم جسوس في محنته .والحقيقة أن إمارة المؤمنين لم تستعمل استعمالا فظا في العقد الأخير ولكن محتويات الفصل الأخرى استعملت وأفرغت كل المؤسسات من اختصاصاتها.
إن هذا الموضوع مرتبط بالدين وقد جاء في الخطاب الملكي 9 مارس أن الإسلام من الثوابت الوطنية وكذا الملكية لكن عن أي إسلام نتحدث ؟وعن أي ملكية نتحدث ؟ إذا كنا نسعى إلى ان نفصل الإسلام عن حقوق الناس وعن العدل والإنصاف وإذا كنا لا نفهم الإسلام إلا على أنه "بيضة " ، وإذا كنا نريد ملكية مثل ما هي عليه الآن فلماذا هذه الجهد العبثي لمراجعة الدستور مراجعة شاملة؟ في مقال تحت عنوان "الملكية الدستورية والتكتلات الحزبية" للكاتب سعيد سعيد العلوي بجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 31 مارس والذي تزامن مع بيان المجلس بشكل يثير التساؤلات هاجم فيه الأحزاب السياسية ووضعها كلها في سلة واحد كغيره من الصحافيين الذين ينشرون التضليل وخص ثلاثة أحزاب سياسية مغربية بوسم أنها صغيرة وأنها تنتمي إلى الأطراف القصوى من اليسارية وليلاحظ القارئ التناغم الحاصل بين الأطراف المشكلة للقوى المضادة ،وحاول بعد هذا أن يبين أن ما يصلح للشعب المغربي هو الملكية البرلمانية وغاب عنه أن المغرب ليس هو السعودية التي ما تزال تبحث عن طريقها نحو الملكية الدستورية إن المغرب ملكية دستورية منذ 1962 ، وقد حان الوقت ليناقش المغاربة تصورات متطورة أخرى.
لقد أعلنا مرارا أننا مع ملكية برلمانية وأعلنا أن الحقل الديني يعيش انزلاقات خطيرة لا بد من إصلاحها لضمان الأمن الروحي للأمة ولن يحصل ذلك بمثل الخطاب الذي جاء به المجلس العلمي.
من هذا المنطلق وحتى لا يكون هناك جمود وركود يعيد نفسه على مر العقود والقرون في هذين الموضوعين طالبنا بحذف الفصل106 الذي يتحدث عن مراجعة الدستور حيث ينص على:" النظام الملكي للدولة وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة".والدليل على أن الفصل يجب أن يحذف فإننا منذ انتشار العمليات الإرهابية في العالم ونحن وغيرنا نناقش الإسلام بقوة كما أننا الآن وقبل هذا نناقش الملكية فلماذا النقاش إذا لم نستثمره ونصل فيه إلى نتيجة صالحة . من بين النقاط الأساسية التي جاءت في البيان القول على أن: "الدعوة إلى إلغاء الفساد إذا كانت مشروعا وطنيا فإنها لابد أن تكون شاملة تطال إلى جانب الإصلاح السياسي والإداري; الفساد العقدي والأخلاقي عندما تكون بعض مظاهر هذا الفساد ضارة بالأغلبية الساحقة من المواطنين، لاسيما وأن للأغلبية الحق في تبني القوانين التي تجرم هذا الفساد، إذ لا محل في الشرع لمواجهة كاسحة لا تأبه بسلامة المجتمع لأن الضرر في منطق الإسلام لا يزول بمثله، ولأن الاختيار الديمقراطي الذي أجمع عليه المغاربة يتطلب رعاية ديمقراطية شاملة".
لقد كنا نتوقع من قوى الفساد والتي نظمت نفسها سياسيا وجمعويا وإداريا.. أن تخرج بخرجات ضد 20 فبراير وفعلا حصل الأمر بطريقة بليدة بواسطة البلطيجة ولكن أمام الخسارة السياسية والأدبية لتلك الخرجة تراجعت إلى حين . وما كنا نعتقد أن الجلس العلمي قد يتورط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في التلويح من جديد بالعصا التي كانت قد رفعتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إبان مراجعة مدونة الأحوال الشخصية . "إذا" شرطية ، فما يزال المجلس لم يستوعب بعد ماذا يجري في المغرب وفي العالم العربي إن الفساد على أجندة الشباب ، وربطه بما هو عقدي وأخلاقي كشرط للإصلاح يتضح المراد خاصة مع تأكيد المجلس على أن العلماء ملزمون بأن :" يسُدُّوا الذرائع، ويتقوا الفتنة، من أجل صيانة بيضة الدين، والوقوف سدا منيعا أمام خطر غلو الغالين " وكان قد ذهب الفقيه الزمزمي هذا المذهب كعادته حين التجأ إلى القاعدة الفقهية المشهورة في التاريخ الإسلامي التي كانت تستعمل للإضطهاد والقمع لكل رأي أو احتجاج وهي "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع". حركت قوى الفساد البلطجية ليخربوا ويعيثوا فسادا وعندنا في الجهة الأخرى شباب مسالم ضج من الفساد ويطالب بالإصلاح كيف يمكن التعامل مع هذا؟ لا يمكن خلط الأوراق وإلا سقط المجلس في نفس هدف الفساد وهو طمس المطالب بسبب ما وقع من تعدي على ممتلكات الناس والتي كان وراءها الفساد.
البيان هذه المرة ولو استعمل قاعدة الذرائع لم يربط بالبلطجية ولكنه ربط بشئ آخر هو ما سماه العقدية والأخلاق والبيان يغمز من قناة أن من يعنيهم هم أقلية ضد "الأغلبية الساحقة من المواطنين" من هم هؤلاء الأقلية ؟ "العلمانيون "؟ ، اليساريون ؟ لا نعلم من هم كل ما أفادنا به البيان على نصه أنهم أقلية .
لنحلل أولا الفساد ويظهر أن المجلس لا يستطيع إنكار وجوده وقد استشرى إلى حد أنه هو الذي أصبح ديمقراطيا أغلب الشرائح الاجتماعية تتوسل طريقة إلى الفساد لتغتني وأصبح من يبحث عن لقمة عيش نظيفة أقلية وغير شاطرين في نظر الأغلبية وإذا عرجنا فقط على الرشوة نجد عالما فظيعا ناهيك على استغلال النفوذ والشطط والاختلاس والتبذير والسطو وكل أشكال الفساد ألم يجد المجلس أن هذا الفساد له أخلاق وأن هذه الأخلاق تهدد المجتمع ؟ من يسرق أموال الشعب؟ الذين ينادون بالإصلاح السياسي والدستوري والقطع مع الفساد أم الذين يتمنعون ويخلقون الذرائع تلو الذرائع ؟. إن الأقلية اليسارية لا يد لها على أموال الشعب ولا علاقة لها بالنهب ولا ينشرون أخلاق الفساد فاليبحث المجلس عن غيرها. من سبب الفساد في المغرب ؟ إذا لم يستطع المجلس أن يجيب فينظر في أدبياتنا عبر تاريخنا . ومن ينشر أخلاق الفساد المحكومون أم الحاكمون ؟ هذا أيضا أجبنا عن في أدبياتنا . فكفى نفاقا وليقم المجلس بواجبة الديني وهي كلمة حق على الأقل إذا لم يستطع أن يفعل شيئا
كان على المجلس العلمي أن ينوه بالشباب الذي خرج ضد الفساد ومن أجل رفع الحيف بدل وضعهم في خانة البلطجية للوصول إلى غاية لا نريد أن يسقط فيها المجلس العلمي . والحقيقة أننا كنا دائما ضد حشر العلماء في قضايا السياسية والاقتصاد لأنها قضايا صراع بين طبقات وفئات اجتماعية كل طبقة تعمل على أن تكسب مصالح ودخول العلماء في هذا الصراع يدخل الدين أيضا وهذا يلحق ضررا فادحا بالأمن الروحي للأمة
إن الموضوع العقدي يحيل على كثير من القضايا منها ما يتعلق بالمذاهب الإسلامية وما يتعلق بالايمان والإلحاد وما يتعلق بالأديان الأخرى ، ونخاف أن تكون هناك نية في أن يستعيد المجلس تجارب فقهاء في عهود أخرى لا هم لهم إلا وصم هذا بأنه شيعي وهذا حنفي وهذا زنديق وهذا يهودي وذاك مسيحي وذاك ملحد . إننا في عصر المواطنة ولو كان المواطن يهوديا أو مسيح أو غير ذلك له حقوق وعليه واجبات. وكيفما كان الحال فإن كل ذلك يطرح إشكالية الدين والتدين الذين نتحدث عنهما فإذا كنا نتحدث عن إسلام العدل والحق والتسامح والاعتدال وحوار الحضارات والاجتهاد فهذا هو الطريق الصحيح وإذا كنا نتكلم عن إسلام الاضطهاد والشطط في استعمال السلطة وخلق محاكم التفتيش وبيضة الدين وحمل كتب الفقه في يد والسيف في اليد الأخرى فإذا لم يجد الفقيه جوابا في تلك الكتب يرفع يده شاهرا سيفه فهذه يطرح إشكالا كبيرا أمامنا وأمام الأجيال القادمة
رياضي- Admin
- عدد المساهمات : 3794
تاريخ التسجيل : 06/07/2010
- مساهمة رقم 3
رد: للمطالعة اليزيد البركة
مداخلة الرفيق اليزيد البركة حول التحولات الاقتصادية والاجتماعية وأفق الاشتراكية
التحولات الاقتصادية والاجتماعية وأفق الاشتراكية
مدخــل
مر الآن على وفاة كارل ماركس 128 سنة ، وكان له الفضل في اكتشاف وتعرية القوانين التي ترتكز عليها الرأسمالية وتنمو في إطارها ، ومر على وفاة لينين 87 سنة، أي في سنة 1924 وهي الفترة التي عرفت بروز ونشوء مرحلة الامبريالية والتي عالجها بالأساس في كتابه "الامبريالية أعلى مرحلة في الرأسمالية" . والمنظران معا تابعا تطورات وتحولات الرأسمالية العميقة منها والظرفية ، ووقفا أيض عند نقاط أساسية لمعرفة التناقضات الداخلية المستعصية . واليوم يمكن القول أن عددا من المنظرين الاشتراكيين والاجتماعيين والاقتصاديين ، تابعوا عن كثب المرحلة الجديدة بكل ما تحمله في طياتها من تقلبات وتحولات ألا وهي مرحلة العولمة. وبغض النظر عن صحة أنها مرحلة جديدة في الرأسمالية أو أنها تطور كمي في الامبريالية ، فإن الموضوع يفرض الرجوع إلى بعض المفاهيم الأساسية في الاقتصاد السياسي من منظور اشتراكي ، لأن القوانين التي تم تناولها منذ ماركس ما تزال تفرض نفسها بقوة . ومع أن الرأسمالية تتحرك مثل ثعبان يتلوى وينساب أمام العراقيل التي يصادفها ويلجأ إلى الضربات القاتلة عندما يحس بالخطر، فإن تلك القوانين بالدقة العلمية التي بنيت عليها بقيت صاحبة القول الفصل ، إلى درجة أن الرأسمالية نفسها استفادت منها كثيرا في معالجة اختلالات وتقهقرات كادت أن تعصف بها. وعلى سبيل المثال فقط وليس الحصر ،قانون القيمة مثلا والذي سأعود له ، وإعطاء الاستقلال للدول المستعمرة ، إذ أن لينين عندما وصف المرحلة الجديدة في تطور الإمبريالية بأنها آخر مرحلة ، لم يكن يأخذ بعين الاعتبار فقط التناقضات الداخلية والأزمات الدورية التي كانت تعيشها، بل أيضا أخذ بعين الاعتبار الجانب الذاتي في النضال : قوة الطبقة العاملة في كل البلدان الرأسمالية وأحزابها وأيضا نضال الشعوب المستعمرة والتي وضعها في صف الطبقة العاملة وحليفا لها في مرحلة النضال ضد الامبريالية. ومع توالي الضربات الموجعة للإمبريالية لم تجد إلا أن تعترف باستقلال تلك الشعوب على فترات متتالية ، لتستطيع أن تؤمن جزءا من المصالح التي كانت ستعيش أوضاعا كارثية لو لم ترضخ الإمبريالية، كي لا تخسر الأسواق لبضائعها وتخسر المواد الخام لصناعتها . وفي كل الأحوال التي تراجعت فيها الامبريالية فعلت ذلك تحت ضربات النضال ضد الاستغلال وليس اقتناعا بعدالة الأفكار الاشتراكية.
في هذه المساهمة سأقسم الموضوع إلى ثلاثة أقسام:
1- بعض المفاهيم الأساسية في الاقتصاد السياسي
2- التحولات العميقة الاقتصادية والاجتماعية الدولية
3- حالة المغرب : الصراع الطبقي وآفاقه
1-مفاهيم أساسية
- ماذا يجعلنا نقول دائما أن نمط الإنتاج الرأسمالي هو إلى الزوال مثله مثل الأنماط الأخرى التي سبقته؟ ذلك أنه يعاني من تناقض تناحري لا فكاك منه إلا بزوال الرأسمالية. إنه تناقض بين الطابع الاجتماعي للعمل وبين الطابع الفردي للملكية . في ظل هذا التناقض وتحت ضغوطه الكبرى يصبح المجتمع الرأسمالي يعيش وضعين متناقضين ، ويتأثر مع ذلك المجتمع بنتيجة واحدة في الحالتين . الأولى عند وفرة العرض وضعف الطلب أذ ينتج سلعا أكثر مما يستهلك. الثانية عند قلة العرض ووفرة الطلب إذ نجد في كلتا الحالتين جزء كبير من ذلك المجتمع يعيش مجاعة وفقر. من هنا تلح الاشتراكية على أن حل هذا التناقض بشكل جذري ، هو الذي سيجعل المجتمع المستفيد الوحيد ومالك إنتاجه ،وهو الذي ينتج وفق قوانين أخرى غير قوانين الرأسمالية الخاضعة للعرض والطلب، وذلك بأن يتوافق الطابع الجماعي للإنتاج مع الطابع الجماعي للملكية .ولا نقول التأميم لأن أي طبقة أو جماعة يمكنها أن تستولي على الدولة تستطيع أن تؤمم وسائل الإنتاج ولكن جوهر الدولة يبقى دائما هو نفسه فقط ستصبح الدولة هي الوسيط الذي يخفي الاستغلال ويخفي المالك الجديد لوسائل الانتاج . ويطلق عادة على هذا الشكل مفهوم رأسمالية الدولة.
- حاول الرأسماليون عبثا ، نظريا وعمليا ، الالتفاف على هذا القانون مثل كل ما فعلوه مع القوانين الأخرى. فما هو نظري مثل القول أن الأفراد خارج البرجوازية خاملون وغير نشطاء ولا يتوفرون على ملكة المبادرة وأن الجميع يستطيع أن يتحول إلى رأسمالي ، وفي ما هو عملي يعرضون على العمال وعلى العموم أحيانا المساهمة في رأسمال الشركة عن طريق الأسهم والهدف من ذلك هو الدعاية وتركيز الأمل في ما تدعيه الرأسمالية نظريا بأن الجميع يمكن أن يتحول إلى رأسمالي ، أما الحقيقة فهي أن قوانين الرأسمالية التي تتسم بالمنافسة والمزاحمة الشديدة لا تسمح بتاتا بمثل هذا الدعابة أن تتحقق على أرض الواقع . والدليل أن الرأسمالية التي تتبجح بالدفاع عن الملكية والحفاظ عليها بين الرأسماليين أنفسهم نشاهد شهريا حالات سقوط المتوسطين والصغار أمام ضربات الكبار ودحرهم إلى مصاف الفقراْء بين عشية وضحاها وذلك بسبب قانون رأسمالي آخر هو تركز الرأسمال ودحر رأسماليين . إن المخرج الوحيد أمام أي مجتمع يسعى إلى توازن مجتمعي حقيقي هو الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.
- القانون الثالث هو قانون القيمة . من المعروف أن التقسيم الاجتماعي لم يظهر في المجتمعات إلا مع تحقق فائض في الناتج الاجتماعي ، ولتقريب الصورة نقول أنه عندما لا ينتج ذراعان إلا ما يكفي لعيش صاحبهما ، فلا يمكن أن يظهر لا حارس ولا فقيه ولا فنان ولا رجل سلطة .. لكن ما أن يوجد فائض من المنتجات حتى يبرز صراع على توزيعه . ومنذ هذا التاريخ يقسم عمل المنتجين إلى قسمين : قسم موجه للمنتجين أنفسهم للحفاظ على استمرار نشاطهم ويسمى العمل الضروري وقسم موجه لفئات أخرى لا تنتج يسمى العمل الفائض .هذا التقسيم عرفته كل المجتمعات الطبقية العبودية والإقطاعية . فالعبد كان يعمل طوال سبعة أيام ولا يستفيد إلا من الأكل والمبيت في أكواخ بجانب القصور ، وفي الإنماط الإقطاعية على اختلاف أشكالها كان يعمل القن أو الرباع أو الخماس يومين إلى ثلاثة أيام في قطعة أرضية صغيرة من أجل العمل الضروري لنفسه وأسرته وخمسة أيام إلى أربعة كفائض عمل من أجل الأسياد بدون مقابل . إن المنتج في الحالتين عندما يقوم بالعمل الضروري الموجه لسد حاجته ، إنما ينتج الناتج الضروري، وعندما يقوم بفائض عمل لغيره إنما ينتج فائض إنتاج اجتماعي. ففائض الناتج الاجتماعي هو إذن جزء من الناتج الاجتماعي، تستحوذ عليه الطبقة المسيطرة، رغم كونه نتاج طبقة المنتجين، بأي شكل كان، سواء بشكل محاصيل طبيعية، أو بشكل سلع معدة للبيع، أو بشكل مال.
من هنا فإن فائض القيمة ليس إلاّ الشكل النقدي لفائض الناتج الاجتماعي. فعندما تستحوذ الطبقة المسيطرة أو أخرى على جزء من إنتاج المجتمع، هو"الفائض الناتج"، بشكل مال حصرا، فإن الحديث لا ينصرف آنذاك إلى فائض الناتج، لأنه نزل في نهاية المطاف إلى السوق إلى التبادل، بل يطلق على هذا الجزء "فائض القيمة". وإذا لم يجد الفلاح الفقير والصغير والقن والعبد نفسه بدون أرض بأن يفصل عنها وبدون مورد عيش لا يمكن أن يتحقق شرط اضطرار أي أحد أن يبيع قوة عمله لآخر يملك وسائل الانتاج . إذن في المجتمع الرأسمالي وكما قال ماركس في البيان الشيوعي هناك في أي مجتمع رأسمالي طبقتين أساسيتين الأولى تملك وسائل الإنتاج والثانية محرومة منها ومضطرة لبيع قوة عملها لتحافظ على استمرار حياتها.
إن قوة عمل العامل المعروضة للبيع ، تتعامل معها الطبقة الرأسمالية بمجرد وجودها في السوق بمثابة سلعة عادية تماما ، ستشتريها مقابل أن تربح منها وتحقق منها ربحا أكثر مما أنفقته . ولا يتم تحقق هذا الربح العجيب وحسابه إلا في الزمن مثل كل الأنماط الأخرى . فإذا اشترى الرأسمالي قوة عمل العامل ودفع أجرا يعادل يوم عمل كامل فلن يحقق شيئا ،بل سيخسر في الضرائب وفي ريع التوزيع وغيره ، ولكن إذا دفع الأجربقيمة ساعتين وشغله عشر ساعات سيكون العامل قد حقق للرأسمالي فائض ناتج بثمانية ساعات بدون أجر.
وليتحقق فائض القيمة لا بد من توفر شرطين أساسين بالإضافة إلى ما سبق. الأول أن يتجاوز المجتمع إنتاج القيم الاستعمالية فقط ،إلى إنتاج السلع من أجل التبادل . ولا يحصل انتقال المجتمع إلى مرحلة التبادل المتقدمة إلا إذا خطا خطوات كبرى في تقسيم العمل كي تتعدد أنواع السلع مثلا سكر خضر زيت وسائل نقل كتب ملابس أحذية إلخ... وطبعا لا بد من أجل نجاح التبادل أن تحافظ السلع على الشرط الأول لأنه بدونه لن يشتريها أحد . وفي التبادل يتحقق نقدا استرجاع الرأسمالي للجزء الذي أنفقه في الأجر والجزء الذي هو فائض قيمة . الشرط الثاني أن يتحقق التوزيع والاستهلاك لأنه بدون هذه العملية الأخيرة ستكون سلع الرأسمالي إما في المستودعات أو معروضة عند الباعة بدون شاري. من أين ياتي الريع الذي يحصل عليه البائع وناقل البضائع إنه جزء ضئيل من فائض القيمة الذي يتنازل عنه الرأسمالي لفائدة شريحة اجتماعية يعمل على أن تكون إلى جانبه كما يخصص منه جزءا لتعويض بلي الآلات وجزء للتأمين وجزء للضرائب. والربح هو ما تبقى من كل ما سبق.
ومن المهم جدا أن الدولة التي تملك وسائل الإنتاج، إلى جانب الرأسماليين تحقق هي أيضا فائض قيمة من قوة العمل. وفي هذا الصدد القول بأن الدولة يجب أن تنجز مطالب اجتماعية وبنية تحتية ما دام المواطنون يؤدون الضرائب وكأن مصدرها الوحيد هو فقط تلك الضرائب فيه جانب من حجب الحقيقة ويتماشى مع طروحات المدارس الاقتصادية البرجوازية ، لأن الدولة تحقق فائض قيمة وتمتص زيادة على ذلك أقسام مهمة من الريع ألفلاحي والسياحي ومن كراء الأراضي ومن الفرق في تحويل العملات وغير ذلك إلى جانب فائض القيمة الضريبي وفائض القيمة في البورصة وهي أرباح تتحقق من الفرق بين أسعار الأسهم بين البيع والشراء لشركات تملكها الدولة او الرأسماليون ، وكذلك الرسوم ، وعاءدات الريع بمعناه الصحفي وليس العلمي وهومثلا عاءدات تفويت شواطئ الرمال أو غيرها من العمليات غير القانونية، ووضع اليد على الادخار .
من خلال قوة العمل وعلاقتها بفائض القيمة عملت الرأسمالية على الالتفاف على الموضوع عندما أدركت الفرق بين العمل المركب والعمل البسيط وهو أحد تجليات قانون القيمة ولابد من شرحه فبل تناول عملية الالتفاف هذه في القسم الثاني.
- بالإضافة إلى العمل المجرد هناك عدة أشكال للعمل مثل العمل الحي وهو قوة العمل المبذولة حالا والعمل الميت وهو العمل الموجود في السلع والعمل المنتج وغير ذلك لكن ما يهمنا هنا هو العمل المركب والعمل البسيط . الفرق بينهما هو أن العمل المركب ينتجه عامل مؤهل ويمتلك مهارات وبالتالي قابل أن يواكب التطورات التقنية المتواترة إذا ما اضطر الرأسمالي إليهاوهو ينتج في نفس المدة الزمنية أكثر مما ينتجه العامل الخامل. والعمل البسيط ينتجه عامل بسيط لا مهارات لديه ولا يستطيع مواكبة التطورات التكنولوجية وغالبا ما ينحصر عمله في العمل اليدوي أو في الآلات البسيطة الغير المعقدة .من الواضح أن الأول يضيف نسبة فائض للقيمة أعلى من الثاني وقد دفعت هذه النقطة الرأسماليين إلى المكننة المستمرة والتي سنتعرض لها
- من الأسلحة الهامة عند الدولة والرأسماليين هي التضخم والذي جعلاه يؤدي مهام سياسية وإيديولوجية واقتصادية ضد الشغيلة وعموم الجماهير الشعبية ، والتضخم هو فصل متزايد بين النقد المتداول وبين المبلغ المتداول للسلع والخدمات المشتراة ، فصل يعبر عنه بارتفاع الأسعار. إننا نعلم أن الإنتاج هو وحده الذي يخلق القيم الجديدة والتي تستهلك عندما توزع ويجب أن يكون العرض النقدي مساويا للإنتاج الاجتماعي ، إذا ما زاد النقد ارتفعت الأسعار لأن الطلب سيزداد ، كي تحافظ الدول والشركات على نسبة التضخم في حالتها بدون ارتفاع مستمر، لم تعد تلجأ في الدول ذات المؤسسات القوية والتي تخضع للمراقبة ،إلى زيادة الكتلة الورقية في غياب زيادة في الإنتاج ، بل إلى حيلة الديون التي سنتناولها لاحقا في القسم الثاني.
2- التحولات العميقة الاقتصادية والاجتماعية الدولية
لن أقف عند تأكيد أن الرأسمالية تعيش أزمات دورية قصيرة من سبع سنوات إلى عشر سنوات والآن أربع سنوات إلى خمس ، وتعيش أزمات دورية طويلة تتراوح بين 25 سنة و30 سنة ولكن سأتناول الأسباب العميقة التي تؤدي إلى هذه الأزمات على أن أعرج على الأزمات الحالية التي تعصف بأغلب اقتصاديات الدول وخطر الأزمة التي تتجمع في أمريكا مجددا بعد أن تخطت أزمة العقار بصعوبة، وعلى تأثيرها على مجمل الاقتصاد منذ بضعة سنوات قليلة وأثر ذلك على الدول الضعيفة صناعيا ومنها حالة المغرب.
مع التشديد على أن التناقض الرئيسي الذي تعيشه الرأسمالية وهو تناقض بين الطابع الاجتماعي للعمل وبين الطابع الفردي للملكية هو السبب الرئيسي في هذه الأزمات فإنه مع ذلك لا يكفي وحده أن يعطينا أجوبة عن كل حالات وتحولات الرأسمالية ،فهو عام جدا ومركب ، ويحتوي على كثير من القوانين الأخرى التي يجرها معه .
انصب هم الرأسمالية طبقة ودولة منذ تجسدت الرأسمالية على شئ واحد هو أن تزيد من حصة العمل المجاني الغير المدفوع الأجر أو فائض القيمة، وأن تلتف على الأجر المدفوع بوسائل في غاية في التنوع والخبث . أولا لنرى الجانب المتعلق بالعمل المجاني: فإذا تجاوزنا الزيادة في ساعات العمل، والذي يزيد من نسبة فائض القيمة ، وإذا تجاوزنا أيضا اختراع آلات سريعة الدوران تزيد من وتيرة العمل وتجعل العامل مضطرا لأن يتحرك مع الآلة كما صورذلك شارلي شابلن في فيلم الأزمنة الحديثة عام 1936، فإننا نجد أن الراسماليين وضعوا سياسة مالية وخططا للبحث العلمي هدفه ليس انتاج تقنيات تهدف إلى التغلب على مشاق الطبيعة وجعل الانسان في راحة بل همه هو كيف يخفف الرأسمالي من الأجور وكيف يزيد من الانتاجية في نفس الوقت . لقد كان العالم المخترع شبه فقير ومنفصل عن البرجوازي وهو من أبناء الشعب يحس بآلامه ومعاناته ولكن مع وعي البرجوازية لأهمية التكنولوجيا توظف الشركات الكبرى جزءا من فائض الانتاج من أجل هذا الغرض. لقد وصلت التكنولوجيا إلى مرحلة متقدمة جدا في جعل الآلة نفسها تدور بسرعة لا يستطيع العامل أن يجاريه ولهذا تم الانتقال إلى مرحلة جديدة ما يزال التطور مستمرا فيها بأن تم اختراع لآلات تعوض عشرات ومئات العمل ولا يسيرها إلا أربعة إلأى خمسة أصبحوا مثل تقنيين وتم اختراع روبوات تعوض بالكامل عمالا في بعض جوانب العمل المكملة داخل المنشأة الصناعية مثل السيارات والطائرات وحتى بعض الصناعات العادية مثل الأحذية المطاطية وبذلك زادت الإنتاجية ونقصت الحاجة إلى اليد العاملة الكبيرة والمركزة . وكان ماركس لما خلص إلى ضرورة الوصول إلى الشيوعية وهي مرحلة متقدمة جدا على الاشتراكية وتعني أن الإنسان في هذا المجتمع الجديد سيعيش حسب حاجياته وليس حسب عمله كما سيطبق في الاشتراكية ، خلص إليه لأنه كان يعاين ويتابع التطور التقني بسرعته المدهشة وعرف بدقة التحليل العلمي أن هذا التطور سيصل إلى درجة أن تقوم الآلات بالعمل مكان الإنسان ، والبرجوازية في هذه المرحلة لابد أن تنتفي لأنه لا معنى لامتلاك وسائل الانتاج ، فهو يمتكلها في هذا العصر لأن الجميع مضطر للعمل ليعيش لكن آنذاك لمن سيبيع البرجوازي سلعه التي سينتجها ؟ لا أحد ، لأن لا أحد يملك أجرا ليشتري السلع .
إن الرأسمالية ومعها الدول قادرة على أن تخترع في هذا الاتجاه وهو ألا يصبح الإنسان متفرغا للفنون والعلوم والرياضة فقط كما قال ماركس فهي تحجم عن ذلك وتطور بمقدار في إتجاه محدد هو المزيد من فائض القيمة والتقليل من حجم الأجور.
خلق استغلال التكنولوجيا بهذا الشكل الشنيع عدة نتائج :
1- فصل العلماء والمخترعين عن معاناة المنتجين وأصبحوا أداة في يد الرأسماليين يطبقون في الواقع أحلامهم وتطلعاتهم
2- دحر أعداد هائلة من العمال من دائرة الانتاج ليصبحوا بؤساء ما عدا أمريكا واستراليا اللتان لم يصل فيهما التقسيم الاجتماعي إلى حدوده القصوى خاصة في العلاقة مع الأرض وبعض ميادين الخدمات
3- القدرة على إنتاج كبير للسلع أكثر مما كان يتصور في أي عصر وهذا كان من الدواعي الأولى لعولمة الإنتاج في مرحلته الأولى ثم في المرحلة الثانية
ولكي تنجح عولمة الإنتاج لابد أن يصاحبها عولمة المال وبهما اكتملت الكماشة على الدول التي لم تكن صناعية في السابق وسقطت في التبعية وفيما بعد وجدت ألا مفر لها من الدخول تحت كنف العولمة الحالية ، وتلعب عولمة المال في الظروف الحالية المركز الأول بعد أن كانت تلعبه التكنولوجيا منذ عشر سنوات ومن الممكن أن يتغير الوضع من جديد لفائدة التكنولوجيا المتطورة على الحالية وقد ساعد على هذه العولمة انحسار الاستعمار ودور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في علاقتهما مع الدول الرأسمالية بالجات حيث تحصل الأطراف الأولى على اتفاقات مقابل الرأسمال بفتح المجال للتجارة الدولية ورفع الحواجز
ولإبراز المكانة التي تحتلها عولمة المال الآن يجب أن نعرف أن ثلاث بورصات فقط في العالم هي نيويورك ولندن وطوكيو تتداول 2 تريليون دولار يوميا وكانت تتداول في 1986 ما مجموعه 188 مليار دولار وفي 1995 تتداول 1,2 تريليون دولار
كان تقدم الرأسمالية هذا كارثة على الدول الغير المصنعة والسائرة في طريق التصنيع وعلى شعوبها لقد شهدت التسعينات أزمات حادة بدأت في المكسيك عام 94و95 ثم جنوب شرق آسيا بكامله تقريبا كوريا الجنوبية اندونيسيا ماليزيا الفلبين وكلها في 1997 وهذه الدول كلها كان سببها هو عولمة المال إذ أن الاستثمار الأجنبي يكون على شكلين أساسين : إما رأسمال موظف في الرأسمال الثابث والمتغيرأي شركات نقل عقار عمال وأجور إلخ... وإما رأسمال من محفظة الأوراق المالية ويوظف في شراء الأسهم والسندات وهذا الأخير هو الذي خلق الأزمات في تلك البلدان لأنه قصير الأمد لا يتعدى عادة من ستة أشهر إلى سنتين، ويغادر بمجرد انخفاض ولو طفيف في الفائدة وشجعه على المغادرة قبول الدول النامية المادة الثامنة لصندوق النقد الدولي والتي تفرض قابلية تبديل النقود على معاملات الحسابات الجارية مع تسجيل أن هذا الصنف من رأس المال لا يمكن أن يدخل أي بلد إلا إذا وافق ذلك البلد على المادة الثامنة وبعض الاتفاقات التنظيمية مثل تسوية النزاعات عبر آليات متفق عليها مسبقا ، أما الثاني فهو مثقل جيدا لابد من بيع العقار والنقل وتصفية الشركة وغير ذلك
لقد جعل هذا النوع من الرأسمال والذي كان من نتائج العولمة الدول التي برزت فيها الأزمة أو التي لم تبرز فيها في وضعية مزرية كانت وطأتها على الطبقات الشعبية كبيرة جدا لأنها هي التي تتحمل دائما تبعات السياسات الاقتصادية للبرجوازية والدولة كما كانت سببا لتدهور الشريحة الصغيرة من البرجوازية التي تتعاطي لشراء الأسهم والسندات .
حاليا تفجرت أزمات جديد بدأت بداية صغيرة جدا ومفاجئة ثم برزت في اليونان وإيرلندا واسبانيا وبريطانيا وتتجمع بقوة في أمريكا وكلها بسبب واحد مع وجود بعض الاختلافات ألا وهو مسألة الدين فما هي هذه القضية؟
سبق أن قلت أن التضخم هو فصل متزايد بين النقد المتداول وبين المبلغ المتداول للسلع والخدمات المشتراة ، فصل يعبر عنه بارتفاع الأسعار، لأنه يجب أن تتساوى كتلة النقد مع كتلة السلع والخدمات المنتجة ، وحتى تصل الرأسمالية والدولة إلى نفس النتيجة بدون أن ترفع من الأسعار بسبب ضخ أوراق نقدية جديدة تلجأ إلى طرح سندات لسنة أو أكثر أو أسهم وهي مفتوحة للشراء من طرف العموم من داخل البلد أو خارجه ، وهذا الطرح للسندات والأسهم يلعب ثلاثة أدوار رئيسية من جهة يجلب العملة الصعبة ومن جهة أخرى يمتص جزءا من الكتلة النقدية المطروحة داخل البلد إلى حين ومن جهة أخرى تحصل الرأسمالية على جزء من أجور ورواتب المنتجين والمستخدمين وخاصة الموظفين ذوي الرواتب العالية والمتوسطة التي تشتري السندات والأسهم وحتى جزء من فائض القيمة من لدن البرجوازية ، والحقيقة أن العولمة وأزماتها خلقت نوعا من التماسك ليس فقط بين الرأسماليين بعضهم البعض بل كذلك بين الدول بعضها البعض وبين هذه الأخيرة والرأسماليين وعلى سبيل المثال فإن الصين التي يجتمع فيها النمط الاشتراكي والنمط الرأسمالي بشكل غريب تملك 2 تريليون دولار كعملة احتياطية ومن شأن طرحها في السوق بشراء الذهب مثلا أن تخفض من قيمة الدولار إلى مستوى لم يسبق له أن نزل إليها ولكنها لم تفعل لأن أمريكا تعتبر المستورد الأول لمنتجات الصين ومن شأن خفض الدولار أن تتضرر عوائد الصين وأن تتدهور صناعاتها إذا ما عمدت أمريكا إلى الانتقام، بل نجدها تسرع هي الأخرى لنجدة اليونان بواسطة الاحتياطي الموجود لديها لشراء ميناء من موانئ اليونان . بل أكثر من هذا يوجد لدي الصين من سندات الخزينة الأمريكية 1,7 تريليون دولار مما يؤكد أن الصين كانت تساعد أمريكا على ألا تعرف أزمة اقتصادية حتى لا تتضرر هي الأخرى وليس الأمر في الحقيقة راجع إلى التطلع إلى نسبة الفائدة التي ستجنيها
هذا هو دين أمريكا الذي يتزايد باستمرار وقد وصل الآن إلى أكثر من 14 تريليون دولار ويريد الرئيس الأمريكي زيادة سقف الديون لطرح سندات جديدة ولكن ظهرت خلافات كبيرة مع الجمهوريين وإذا ما وصل تاريخ 2 غشت ولم يتبلور الموقف الذي يطمئن الدائنين من شركات ودول وأصحاب المحفظات المالية ومواطنين أمريكيين فستكون أمريكا قد تخلفت عن السداد لهم في الموعد وهذا سيؤثر على الأبناك وصناديق الإئتمان وعلى الصناعة وعلى كثير من دول العالم.
لقد عانت اليونان معاناة شديدة وكذلك إيرلندا وهبت الدول الثمانية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للنجدة ولا يظهر أن الجرعة التي أعطيت ستكفي كما لم تكف في إيرلندا
- مع العولمة امتدت الرأسمالية إلى أدق شرايين النشاط في المجتمعات ومن وسائلها التي لجأت إليها في العشر سنوات الماضية أنها سطت على صناديق التقاعد وصناديق التأمين التي يؤدي تمويلها العمال والباطرونا وكانت في السابق في يد الزعامات النقابية التي حصرت النضال النقابي في درء المخاطر الكبرى والتي تتوقعها دائما وترك المخاطر الصغرى تمر بشراكة ورقابة الدولة . لقد جرت هذه الصناديق إلى التوظيف في دائرة الرأسمالية دوليا ووطنيا في المؤسسات الدولية وفي البورصات وسنت سياسات لتقليص الأجر المؤجل للعمال ومنها طريقة رفع سن التقاعد ببضع سنوات .
3- حالة المغرب وأفق الصراع
سأتناول الموضوع من زاويتين الأولى اقتصادية والثانية سياسية وإيديولوجية ودفعة واحدة بدون هذا التبويب المرتب
من الزاوية الاقتصادية لوحظ أن المغرب ارتبط بكل الإرهاصات الرأسمالية التي تكلمت عنها بل وله ما يمكن أن يفتخر به أمام الرأسماليين في السطو على الثروات وعلى الأجور وعلى فائض القيمة ، وفي الإضرار بالبيئة وفي إضعاف الطبقة العاملة .
قبل انخراط المغرب بقوة في العولمة وقبل التوقيع على اتفاقية الجات كانت البرجوازية المغربية تقسم بسهولة إلى البرجوازية المالية والبرجوازية العقارية والبرجوازية الفلاحية وبرجوازية الخدمات غير أنه مع الانفتاح ورفع بعض القيود على الرأسمال تداخلت البرجوازيات وأصبحت لدينا برجوازية كبرى تغطي كل الميادين السابقة وأضافت الصيد في أعماق البحار وتسللت إلى المناجم التي كانت حكرا على الدولة في السابق . ويبدو الأمر كأن الدولة تتهاوى أمام ضربات البرجوازية ولكن العكس هو الصحيح إذ أن التفويت الذي يتم وتغلغل الرأسمال يتم في وسط هو في الأصل محيط الدولة وشريحتها التاريخية .
إذا تتبعنا المشهد السياسي في الشهور الأخيرة من نجد مباشرة في مواجهة شباب 20 فبراير ؟ ليس كل البرجوازية المغربية التي توظف الرأسمال الثابت والمتغير بل وليس حتى نسبة ضئيلة منها وليس كذلك البرجوازية الأجنبية التي توظف نفس الرأسمال ولا حتى صاحبة المحفظات المالية لأنها ببساطة لا تقطن في المغرب إلا إذا جاءت للسياحة .إنها شريحة من التكتل الطبقي لكنها من طينة أخرىتجعلها تختلف بعض الاختلافمع البرجوازية العادية وسنقف على الاختلاف بمجرد معرفة أصلها وكيفية صعودها المالي إنها :
1- من السلطة إلى المال والأعمال وليس العكس أي كل الذين كانوا يستغلون النفوذ
2- من الحثالة إلى المال لقاء أدوار لعبها ويلعبها في الفساد السياسي
3- من السمسرة للموظفين في كل الإدارت إلى المال
4- من السطو على لقاء علاوات على مرفق أو مرافق عمومية مثل الغابات أو الشواطئ
5- من الممنوعات والمخالفة للقانون
6- من الايديولوجيا المرتبطة بالبترودولار إلى بعض الأعمال البدائية مثل توزيع آلات الخياطة على النساء لخياطة ملابس غير خاضعة لتصميم مقبول ولا ذوق ومثل بعض أعمال العقار وهناك أمل من طرفهم أن تستجيب الدولة لمطلب الأبناك الاسلامية وهذه الايديولوجيا تمجد الملكية وتعمل بقوانين الرأسمالية بل تفوقها في القضايا مثل الآبناك الاسلامية والإدعاء أنها ضد الربا والحقيقة أنها أخطر من الفائدة ومثل تسخير النساء للخياطة لساعات تصل إلى 14 و 16 ساعة في اليوم .
وجميع هذه الفئات بعيدة عن قيم الرأسمالية نفسها وبعيدة عن الاحتكام إلى قوانينها ولا تؤمن بالديمقراطية ولا بالشفافية
إذن إذا أردنا أن نتكلم على البرجوازية الحقيقية في المغرب فإنه من الناحية الاقتصادية هي مثلها مثل كل البرجوازيات في العالم لكن هي أكثر جشعا ولكن لا يمكن اعتبارها متماثلة مع الفئات السابقة. والدولة في المغرب تحمي أرباحها وتعمل على الحفاظ عليها وتعمل أيضا على قضم الأجور والسطو على أموال الضمان الاجتماعي لتوظيفها وغير ذلك من كل القضايا التي أثرناها . لكن في الصراع السياسي الجاري ومع كل ما سبق نجدها حذرة ومتيقظة لمعرفة إتجاهات المستقبل ولكنها غير منخرطة لا ضد ولا مع 20 فبراير ومع ذلك تريد شيئين متناقضين الأول الاستقرار وعدم جر المغرب إلى ما يقع في اليمن وسوريا وليبيا ثانيا أن ينفصل الفساد عن الدولة وتخدم فقط الرأسمال الذي ينتج وليس تقديم مكافئات على خدمات سياسية .
الفئات التي ذكرتها سابقا أصبحت لها قوة اقتصادية كبيرة ولو استولت عليها بطرق غير قانونية وهي تعتقد أن لها كامل الحق أن تصبح في مصاف البرجوازية ما دامت تملك الملايير ولهذا أصيبت بالذعر عندما رأت ما جرى في مصر وتونس من المطالبة بالحساب وهي منذ البداية تدفع إلى الصدام المباشر مع قوتين أساسيتين غير قوى الفساد هذه الأولى البرجوازية بكل ألوانها ثانيا الملكية ، بحيث تتمنى قوى الفساد أن تعتبر 20 فبراير كل التكتل الطبقي فاسدا وخائنا ويجب أن يرحل لأنها تبحث بقوة عن إئتلاف تختبئ وراءه .
بفعل العولمة وأثرها على المغرب وبفعل تداخل الرأسمال الفلاحي والصناعي والبنكي والخدماتي من تجارة وسياحة ونقل ... تعتبر كل القوى العاملة في هذه القطاعات من مستخدمين وموظفين أجراء وعمال زراعين وعمال البحر وعمال التجارة وفلاحين فقراء وغيرهم في الميادين السابقة قوة استراتيجية للطبقة العاملة بمفهومها الذي تخلق فائض القيمة والتي وجهت لها ضربات موجعة من الناحية الكمية ومن ناحية تشتيتها وعدم تمركزها ليس نقابيا بل في أماكن عملها بسب سياسة الدولة التي اختارت عدم التصنيع الثقيل والاستراتيجي حتى لا تخلق طبقة عاملة قوية ومؤثرة.
لكن شروط العولمة خلقت معطيات جديد في هذا الباب إذ بلترت فئات كانت محسوبة على البرجوازية الصغيرة ودفعت فئات أخرى إلى الفقر المذقع وأخرى إلى البطالة الدائمة وكل هذه الفئات تمثل مع الطبقة العاملة تكتلا نقيضا للتكتل السائد ، يمثل في الظروف الحالية قوة صاعدة من أجل إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية ، والتي ستكون فيها الدولة بيد هذا التكتل الجديد والذي سيعمل على تصنيع البلاد وإعادة ترتيبه على أسس جديدة قوامها تطوير قوى الإنتاج وإعادة توزيع الثروات ، ومن متابعة الآثار التي خلقتها الأزمة الحالية في أوروبا يظهر أن السنوات الذهبية للهجرة إليها قد ولت وأن التاريخ ذلك المد يعود إلى ضده تماما حيث لا حظنا في الأسابيع الماضية عودة أكثر من أربعة آلاف أسرة مهاجرة في اسبانيا إلى المغرب بفعل تأثير الأزمة فيها وهؤلاء المهاجرون سيشكلون لا محالة عنصر دعم جديد للتكتل المناهض للتكتل السائد.
فإذا أردنا أن نتكلم عن الاشتراكية فلا بد أن يتوفر شرطان أساسيان:أولا قوى إنتاج متطورة وهذا يمكن أن تقوم به الدولة الوطنية الديمقراطية ، ثانيا وعي الطبقة العاملة لذاتها مالكة للفكر الاشتراكي أي منظمة أو أغلبها في حزب اشتراكي حقيقي أو تحالف اشتراكي وهذا الشرط الأخير عادة ما ينطلق تنفيذه من البداية عند أول نشأة الطبقة العاملة وليس حتى تنمو وتصل إلى مستويات عالية من التنظيم لأن أي تأخر يجعلها تحت تأثير إيديولوجيات الطبقات البرجوازية أو حلفاءها من الطبقات الوسطى وحتى يكون هذا الشرط سهل التحقق لابد أن تعي كل الأطراف المقتنعة بالاشتراكية بأهمية نشر الثقافة الاشتراكية وسط الشعب وخوض النضال الأيديولوجي ضد كل أشكال الفكر الرأسمالي والماضوي والدعوة إلى المشروع المجتمعي على أنه الخلاص الوحيد لكل طبقات الشعب
المحمدية 28– 7- 2011
التحولات الاقتصادية والاجتماعية وأفق الاشتراكية
مدخــل
مر الآن على وفاة كارل ماركس 128 سنة ، وكان له الفضل في اكتشاف وتعرية القوانين التي ترتكز عليها الرأسمالية وتنمو في إطارها ، ومر على وفاة لينين 87 سنة، أي في سنة 1924 وهي الفترة التي عرفت بروز ونشوء مرحلة الامبريالية والتي عالجها بالأساس في كتابه "الامبريالية أعلى مرحلة في الرأسمالية" . والمنظران معا تابعا تطورات وتحولات الرأسمالية العميقة منها والظرفية ، ووقفا أيض عند نقاط أساسية لمعرفة التناقضات الداخلية المستعصية . واليوم يمكن القول أن عددا من المنظرين الاشتراكيين والاجتماعيين والاقتصاديين ، تابعوا عن كثب المرحلة الجديدة بكل ما تحمله في طياتها من تقلبات وتحولات ألا وهي مرحلة العولمة. وبغض النظر عن صحة أنها مرحلة جديدة في الرأسمالية أو أنها تطور كمي في الامبريالية ، فإن الموضوع يفرض الرجوع إلى بعض المفاهيم الأساسية في الاقتصاد السياسي من منظور اشتراكي ، لأن القوانين التي تم تناولها منذ ماركس ما تزال تفرض نفسها بقوة . ومع أن الرأسمالية تتحرك مثل ثعبان يتلوى وينساب أمام العراقيل التي يصادفها ويلجأ إلى الضربات القاتلة عندما يحس بالخطر، فإن تلك القوانين بالدقة العلمية التي بنيت عليها بقيت صاحبة القول الفصل ، إلى درجة أن الرأسمالية نفسها استفادت منها كثيرا في معالجة اختلالات وتقهقرات كادت أن تعصف بها. وعلى سبيل المثال فقط وليس الحصر ،قانون القيمة مثلا والذي سأعود له ، وإعطاء الاستقلال للدول المستعمرة ، إذ أن لينين عندما وصف المرحلة الجديدة في تطور الإمبريالية بأنها آخر مرحلة ، لم يكن يأخذ بعين الاعتبار فقط التناقضات الداخلية والأزمات الدورية التي كانت تعيشها، بل أيضا أخذ بعين الاعتبار الجانب الذاتي في النضال : قوة الطبقة العاملة في كل البلدان الرأسمالية وأحزابها وأيضا نضال الشعوب المستعمرة والتي وضعها في صف الطبقة العاملة وحليفا لها في مرحلة النضال ضد الامبريالية. ومع توالي الضربات الموجعة للإمبريالية لم تجد إلا أن تعترف باستقلال تلك الشعوب على فترات متتالية ، لتستطيع أن تؤمن جزءا من المصالح التي كانت ستعيش أوضاعا كارثية لو لم ترضخ الإمبريالية، كي لا تخسر الأسواق لبضائعها وتخسر المواد الخام لصناعتها . وفي كل الأحوال التي تراجعت فيها الامبريالية فعلت ذلك تحت ضربات النضال ضد الاستغلال وليس اقتناعا بعدالة الأفكار الاشتراكية.
في هذه المساهمة سأقسم الموضوع إلى ثلاثة أقسام:
1- بعض المفاهيم الأساسية في الاقتصاد السياسي
2- التحولات العميقة الاقتصادية والاجتماعية الدولية
3- حالة المغرب : الصراع الطبقي وآفاقه
1-مفاهيم أساسية
- ماذا يجعلنا نقول دائما أن نمط الإنتاج الرأسمالي هو إلى الزوال مثله مثل الأنماط الأخرى التي سبقته؟ ذلك أنه يعاني من تناقض تناحري لا فكاك منه إلا بزوال الرأسمالية. إنه تناقض بين الطابع الاجتماعي للعمل وبين الطابع الفردي للملكية . في ظل هذا التناقض وتحت ضغوطه الكبرى يصبح المجتمع الرأسمالي يعيش وضعين متناقضين ، ويتأثر مع ذلك المجتمع بنتيجة واحدة في الحالتين . الأولى عند وفرة العرض وضعف الطلب أذ ينتج سلعا أكثر مما يستهلك. الثانية عند قلة العرض ووفرة الطلب إذ نجد في كلتا الحالتين جزء كبير من ذلك المجتمع يعيش مجاعة وفقر. من هنا تلح الاشتراكية على أن حل هذا التناقض بشكل جذري ، هو الذي سيجعل المجتمع المستفيد الوحيد ومالك إنتاجه ،وهو الذي ينتج وفق قوانين أخرى غير قوانين الرأسمالية الخاضعة للعرض والطلب، وذلك بأن يتوافق الطابع الجماعي للإنتاج مع الطابع الجماعي للملكية .ولا نقول التأميم لأن أي طبقة أو جماعة يمكنها أن تستولي على الدولة تستطيع أن تؤمم وسائل الإنتاج ولكن جوهر الدولة يبقى دائما هو نفسه فقط ستصبح الدولة هي الوسيط الذي يخفي الاستغلال ويخفي المالك الجديد لوسائل الانتاج . ويطلق عادة على هذا الشكل مفهوم رأسمالية الدولة.
- حاول الرأسماليون عبثا ، نظريا وعمليا ، الالتفاف على هذا القانون مثل كل ما فعلوه مع القوانين الأخرى. فما هو نظري مثل القول أن الأفراد خارج البرجوازية خاملون وغير نشطاء ولا يتوفرون على ملكة المبادرة وأن الجميع يستطيع أن يتحول إلى رأسمالي ، وفي ما هو عملي يعرضون على العمال وعلى العموم أحيانا المساهمة في رأسمال الشركة عن طريق الأسهم والهدف من ذلك هو الدعاية وتركيز الأمل في ما تدعيه الرأسمالية نظريا بأن الجميع يمكن أن يتحول إلى رأسمالي ، أما الحقيقة فهي أن قوانين الرأسمالية التي تتسم بالمنافسة والمزاحمة الشديدة لا تسمح بتاتا بمثل هذا الدعابة أن تتحقق على أرض الواقع . والدليل أن الرأسمالية التي تتبجح بالدفاع عن الملكية والحفاظ عليها بين الرأسماليين أنفسهم نشاهد شهريا حالات سقوط المتوسطين والصغار أمام ضربات الكبار ودحرهم إلى مصاف الفقراْء بين عشية وضحاها وذلك بسبب قانون رأسمالي آخر هو تركز الرأسمال ودحر رأسماليين . إن المخرج الوحيد أمام أي مجتمع يسعى إلى توازن مجتمعي حقيقي هو الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.
- القانون الثالث هو قانون القيمة . من المعروف أن التقسيم الاجتماعي لم يظهر في المجتمعات إلا مع تحقق فائض في الناتج الاجتماعي ، ولتقريب الصورة نقول أنه عندما لا ينتج ذراعان إلا ما يكفي لعيش صاحبهما ، فلا يمكن أن يظهر لا حارس ولا فقيه ولا فنان ولا رجل سلطة .. لكن ما أن يوجد فائض من المنتجات حتى يبرز صراع على توزيعه . ومنذ هذا التاريخ يقسم عمل المنتجين إلى قسمين : قسم موجه للمنتجين أنفسهم للحفاظ على استمرار نشاطهم ويسمى العمل الضروري وقسم موجه لفئات أخرى لا تنتج يسمى العمل الفائض .هذا التقسيم عرفته كل المجتمعات الطبقية العبودية والإقطاعية . فالعبد كان يعمل طوال سبعة أيام ولا يستفيد إلا من الأكل والمبيت في أكواخ بجانب القصور ، وفي الإنماط الإقطاعية على اختلاف أشكالها كان يعمل القن أو الرباع أو الخماس يومين إلى ثلاثة أيام في قطعة أرضية صغيرة من أجل العمل الضروري لنفسه وأسرته وخمسة أيام إلى أربعة كفائض عمل من أجل الأسياد بدون مقابل . إن المنتج في الحالتين عندما يقوم بالعمل الضروري الموجه لسد حاجته ، إنما ينتج الناتج الضروري، وعندما يقوم بفائض عمل لغيره إنما ينتج فائض إنتاج اجتماعي. ففائض الناتج الاجتماعي هو إذن جزء من الناتج الاجتماعي، تستحوذ عليه الطبقة المسيطرة، رغم كونه نتاج طبقة المنتجين، بأي شكل كان، سواء بشكل محاصيل طبيعية، أو بشكل سلع معدة للبيع، أو بشكل مال.
من هنا فإن فائض القيمة ليس إلاّ الشكل النقدي لفائض الناتج الاجتماعي. فعندما تستحوذ الطبقة المسيطرة أو أخرى على جزء من إنتاج المجتمع، هو"الفائض الناتج"، بشكل مال حصرا، فإن الحديث لا ينصرف آنذاك إلى فائض الناتج، لأنه نزل في نهاية المطاف إلى السوق إلى التبادل، بل يطلق على هذا الجزء "فائض القيمة". وإذا لم يجد الفلاح الفقير والصغير والقن والعبد نفسه بدون أرض بأن يفصل عنها وبدون مورد عيش لا يمكن أن يتحقق شرط اضطرار أي أحد أن يبيع قوة عمله لآخر يملك وسائل الانتاج . إذن في المجتمع الرأسمالي وكما قال ماركس في البيان الشيوعي هناك في أي مجتمع رأسمالي طبقتين أساسيتين الأولى تملك وسائل الإنتاج والثانية محرومة منها ومضطرة لبيع قوة عملها لتحافظ على استمرار حياتها.
إن قوة عمل العامل المعروضة للبيع ، تتعامل معها الطبقة الرأسمالية بمجرد وجودها في السوق بمثابة سلعة عادية تماما ، ستشتريها مقابل أن تربح منها وتحقق منها ربحا أكثر مما أنفقته . ولا يتم تحقق هذا الربح العجيب وحسابه إلا في الزمن مثل كل الأنماط الأخرى . فإذا اشترى الرأسمالي قوة عمل العامل ودفع أجرا يعادل يوم عمل كامل فلن يحقق شيئا ،بل سيخسر في الضرائب وفي ريع التوزيع وغيره ، ولكن إذا دفع الأجربقيمة ساعتين وشغله عشر ساعات سيكون العامل قد حقق للرأسمالي فائض ناتج بثمانية ساعات بدون أجر.
وليتحقق فائض القيمة لا بد من توفر شرطين أساسين بالإضافة إلى ما سبق. الأول أن يتجاوز المجتمع إنتاج القيم الاستعمالية فقط ،إلى إنتاج السلع من أجل التبادل . ولا يحصل انتقال المجتمع إلى مرحلة التبادل المتقدمة إلا إذا خطا خطوات كبرى في تقسيم العمل كي تتعدد أنواع السلع مثلا سكر خضر زيت وسائل نقل كتب ملابس أحذية إلخ... وطبعا لا بد من أجل نجاح التبادل أن تحافظ السلع على الشرط الأول لأنه بدونه لن يشتريها أحد . وفي التبادل يتحقق نقدا استرجاع الرأسمالي للجزء الذي أنفقه في الأجر والجزء الذي هو فائض قيمة . الشرط الثاني أن يتحقق التوزيع والاستهلاك لأنه بدون هذه العملية الأخيرة ستكون سلع الرأسمالي إما في المستودعات أو معروضة عند الباعة بدون شاري. من أين ياتي الريع الذي يحصل عليه البائع وناقل البضائع إنه جزء ضئيل من فائض القيمة الذي يتنازل عنه الرأسمالي لفائدة شريحة اجتماعية يعمل على أن تكون إلى جانبه كما يخصص منه جزءا لتعويض بلي الآلات وجزء للتأمين وجزء للضرائب. والربح هو ما تبقى من كل ما سبق.
ومن المهم جدا أن الدولة التي تملك وسائل الإنتاج، إلى جانب الرأسماليين تحقق هي أيضا فائض قيمة من قوة العمل. وفي هذا الصدد القول بأن الدولة يجب أن تنجز مطالب اجتماعية وبنية تحتية ما دام المواطنون يؤدون الضرائب وكأن مصدرها الوحيد هو فقط تلك الضرائب فيه جانب من حجب الحقيقة ويتماشى مع طروحات المدارس الاقتصادية البرجوازية ، لأن الدولة تحقق فائض قيمة وتمتص زيادة على ذلك أقسام مهمة من الريع ألفلاحي والسياحي ومن كراء الأراضي ومن الفرق في تحويل العملات وغير ذلك إلى جانب فائض القيمة الضريبي وفائض القيمة في البورصة وهي أرباح تتحقق من الفرق بين أسعار الأسهم بين البيع والشراء لشركات تملكها الدولة او الرأسماليون ، وكذلك الرسوم ، وعاءدات الريع بمعناه الصحفي وليس العلمي وهومثلا عاءدات تفويت شواطئ الرمال أو غيرها من العمليات غير القانونية، ووضع اليد على الادخار .
من خلال قوة العمل وعلاقتها بفائض القيمة عملت الرأسمالية على الالتفاف على الموضوع عندما أدركت الفرق بين العمل المركب والعمل البسيط وهو أحد تجليات قانون القيمة ولابد من شرحه فبل تناول عملية الالتفاف هذه في القسم الثاني.
- بالإضافة إلى العمل المجرد هناك عدة أشكال للعمل مثل العمل الحي وهو قوة العمل المبذولة حالا والعمل الميت وهو العمل الموجود في السلع والعمل المنتج وغير ذلك لكن ما يهمنا هنا هو العمل المركب والعمل البسيط . الفرق بينهما هو أن العمل المركب ينتجه عامل مؤهل ويمتلك مهارات وبالتالي قابل أن يواكب التطورات التقنية المتواترة إذا ما اضطر الرأسمالي إليهاوهو ينتج في نفس المدة الزمنية أكثر مما ينتجه العامل الخامل. والعمل البسيط ينتجه عامل بسيط لا مهارات لديه ولا يستطيع مواكبة التطورات التكنولوجية وغالبا ما ينحصر عمله في العمل اليدوي أو في الآلات البسيطة الغير المعقدة .من الواضح أن الأول يضيف نسبة فائض للقيمة أعلى من الثاني وقد دفعت هذه النقطة الرأسماليين إلى المكننة المستمرة والتي سنتعرض لها
- من الأسلحة الهامة عند الدولة والرأسماليين هي التضخم والذي جعلاه يؤدي مهام سياسية وإيديولوجية واقتصادية ضد الشغيلة وعموم الجماهير الشعبية ، والتضخم هو فصل متزايد بين النقد المتداول وبين المبلغ المتداول للسلع والخدمات المشتراة ، فصل يعبر عنه بارتفاع الأسعار. إننا نعلم أن الإنتاج هو وحده الذي يخلق القيم الجديدة والتي تستهلك عندما توزع ويجب أن يكون العرض النقدي مساويا للإنتاج الاجتماعي ، إذا ما زاد النقد ارتفعت الأسعار لأن الطلب سيزداد ، كي تحافظ الدول والشركات على نسبة التضخم في حالتها بدون ارتفاع مستمر، لم تعد تلجأ في الدول ذات المؤسسات القوية والتي تخضع للمراقبة ،إلى زيادة الكتلة الورقية في غياب زيادة في الإنتاج ، بل إلى حيلة الديون التي سنتناولها لاحقا في القسم الثاني.
2- التحولات العميقة الاقتصادية والاجتماعية الدولية
لن أقف عند تأكيد أن الرأسمالية تعيش أزمات دورية قصيرة من سبع سنوات إلى عشر سنوات والآن أربع سنوات إلى خمس ، وتعيش أزمات دورية طويلة تتراوح بين 25 سنة و30 سنة ولكن سأتناول الأسباب العميقة التي تؤدي إلى هذه الأزمات على أن أعرج على الأزمات الحالية التي تعصف بأغلب اقتصاديات الدول وخطر الأزمة التي تتجمع في أمريكا مجددا بعد أن تخطت أزمة العقار بصعوبة، وعلى تأثيرها على مجمل الاقتصاد منذ بضعة سنوات قليلة وأثر ذلك على الدول الضعيفة صناعيا ومنها حالة المغرب.
مع التشديد على أن التناقض الرئيسي الذي تعيشه الرأسمالية وهو تناقض بين الطابع الاجتماعي للعمل وبين الطابع الفردي للملكية هو السبب الرئيسي في هذه الأزمات فإنه مع ذلك لا يكفي وحده أن يعطينا أجوبة عن كل حالات وتحولات الرأسمالية ،فهو عام جدا ومركب ، ويحتوي على كثير من القوانين الأخرى التي يجرها معه .
انصب هم الرأسمالية طبقة ودولة منذ تجسدت الرأسمالية على شئ واحد هو أن تزيد من حصة العمل المجاني الغير المدفوع الأجر أو فائض القيمة، وأن تلتف على الأجر المدفوع بوسائل في غاية في التنوع والخبث . أولا لنرى الجانب المتعلق بالعمل المجاني: فإذا تجاوزنا الزيادة في ساعات العمل، والذي يزيد من نسبة فائض القيمة ، وإذا تجاوزنا أيضا اختراع آلات سريعة الدوران تزيد من وتيرة العمل وتجعل العامل مضطرا لأن يتحرك مع الآلة كما صورذلك شارلي شابلن في فيلم الأزمنة الحديثة عام 1936، فإننا نجد أن الراسماليين وضعوا سياسة مالية وخططا للبحث العلمي هدفه ليس انتاج تقنيات تهدف إلى التغلب على مشاق الطبيعة وجعل الانسان في راحة بل همه هو كيف يخفف الرأسمالي من الأجور وكيف يزيد من الانتاجية في نفس الوقت . لقد كان العالم المخترع شبه فقير ومنفصل عن البرجوازي وهو من أبناء الشعب يحس بآلامه ومعاناته ولكن مع وعي البرجوازية لأهمية التكنولوجيا توظف الشركات الكبرى جزءا من فائض الانتاج من أجل هذا الغرض. لقد وصلت التكنولوجيا إلى مرحلة متقدمة جدا في جعل الآلة نفسها تدور بسرعة لا يستطيع العامل أن يجاريه ولهذا تم الانتقال إلى مرحلة جديدة ما يزال التطور مستمرا فيها بأن تم اختراع لآلات تعوض عشرات ومئات العمل ولا يسيرها إلا أربعة إلأى خمسة أصبحوا مثل تقنيين وتم اختراع روبوات تعوض بالكامل عمالا في بعض جوانب العمل المكملة داخل المنشأة الصناعية مثل السيارات والطائرات وحتى بعض الصناعات العادية مثل الأحذية المطاطية وبذلك زادت الإنتاجية ونقصت الحاجة إلى اليد العاملة الكبيرة والمركزة . وكان ماركس لما خلص إلى ضرورة الوصول إلى الشيوعية وهي مرحلة متقدمة جدا على الاشتراكية وتعني أن الإنسان في هذا المجتمع الجديد سيعيش حسب حاجياته وليس حسب عمله كما سيطبق في الاشتراكية ، خلص إليه لأنه كان يعاين ويتابع التطور التقني بسرعته المدهشة وعرف بدقة التحليل العلمي أن هذا التطور سيصل إلى درجة أن تقوم الآلات بالعمل مكان الإنسان ، والبرجوازية في هذه المرحلة لابد أن تنتفي لأنه لا معنى لامتلاك وسائل الانتاج ، فهو يمتكلها في هذا العصر لأن الجميع مضطر للعمل ليعيش لكن آنذاك لمن سيبيع البرجوازي سلعه التي سينتجها ؟ لا أحد ، لأن لا أحد يملك أجرا ليشتري السلع .
إن الرأسمالية ومعها الدول قادرة على أن تخترع في هذا الاتجاه وهو ألا يصبح الإنسان متفرغا للفنون والعلوم والرياضة فقط كما قال ماركس فهي تحجم عن ذلك وتطور بمقدار في إتجاه محدد هو المزيد من فائض القيمة والتقليل من حجم الأجور.
خلق استغلال التكنولوجيا بهذا الشكل الشنيع عدة نتائج :
1- فصل العلماء والمخترعين عن معاناة المنتجين وأصبحوا أداة في يد الرأسماليين يطبقون في الواقع أحلامهم وتطلعاتهم
2- دحر أعداد هائلة من العمال من دائرة الانتاج ليصبحوا بؤساء ما عدا أمريكا واستراليا اللتان لم يصل فيهما التقسيم الاجتماعي إلى حدوده القصوى خاصة في العلاقة مع الأرض وبعض ميادين الخدمات
3- القدرة على إنتاج كبير للسلع أكثر مما كان يتصور في أي عصر وهذا كان من الدواعي الأولى لعولمة الإنتاج في مرحلته الأولى ثم في المرحلة الثانية
ولكي تنجح عولمة الإنتاج لابد أن يصاحبها عولمة المال وبهما اكتملت الكماشة على الدول التي لم تكن صناعية في السابق وسقطت في التبعية وفيما بعد وجدت ألا مفر لها من الدخول تحت كنف العولمة الحالية ، وتلعب عولمة المال في الظروف الحالية المركز الأول بعد أن كانت تلعبه التكنولوجيا منذ عشر سنوات ومن الممكن أن يتغير الوضع من جديد لفائدة التكنولوجيا المتطورة على الحالية وقد ساعد على هذه العولمة انحسار الاستعمار ودور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في علاقتهما مع الدول الرأسمالية بالجات حيث تحصل الأطراف الأولى على اتفاقات مقابل الرأسمال بفتح المجال للتجارة الدولية ورفع الحواجز
ولإبراز المكانة التي تحتلها عولمة المال الآن يجب أن نعرف أن ثلاث بورصات فقط في العالم هي نيويورك ولندن وطوكيو تتداول 2 تريليون دولار يوميا وكانت تتداول في 1986 ما مجموعه 188 مليار دولار وفي 1995 تتداول 1,2 تريليون دولار
كان تقدم الرأسمالية هذا كارثة على الدول الغير المصنعة والسائرة في طريق التصنيع وعلى شعوبها لقد شهدت التسعينات أزمات حادة بدأت في المكسيك عام 94و95 ثم جنوب شرق آسيا بكامله تقريبا كوريا الجنوبية اندونيسيا ماليزيا الفلبين وكلها في 1997 وهذه الدول كلها كان سببها هو عولمة المال إذ أن الاستثمار الأجنبي يكون على شكلين أساسين : إما رأسمال موظف في الرأسمال الثابث والمتغيرأي شركات نقل عقار عمال وأجور إلخ... وإما رأسمال من محفظة الأوراق المالية ويوظف في شراء الأسهم والسندات وهذا الأخير هو الذي خلق الأزمات في تلك البلدان لأنه قصير الأمد لا يتعدى عادة من ستة أشهر إلى سنتين، ويغادر بمجرد انخفاض ولو طفيف في الفائدة وشجعه على المغادرة قبول الدول النامية المادة الثامنة لصندوق النقد الدولي والتي تفرض قابلية تبديل النقود على معاملات الحسابات الجارية مع تسجيل أن هذا الصنف من رأس المال لا يمكن أن يدخل أي بلد إلا إذا وافق ذلك البلد على المادة الثامنة وبعض الاتفاقات التنظيمية مثل تسوية النزاعات عبر آليات متفق عليها مسبقا ، أما الثاني فهو مثقل جيدا لابد من بيع العقار والنقل وتصفية الشركة وغير ذلك
لقد جعل هذا النوع من الرأسمال والذي كان من نتائج العولمة الدول التي برزت فيها الأزمة أو التي لم تبرز فيها في وضعية مزرية كانت وطأتها على الطبقات الشعبية كبيرة جدا لأنها هي التي تتحمل دائما تبعات السياسات الاقتصادية للبرجوازية والدولة كما كانت سببا لتدهور الشريحة الصغيرة من البرجوازية التي تتعاطي لشراء الأسهم والسندات .
حاليا تفجرت أزمات جديد بدأت بداية صغيرة جدا ومفاجئة ثم برزت في اليونان وإيرلندا واسبانيا وبريطانيا وتتجمع بقوة في أمريكا وكلها بسبب واحد مع وجود بعض الاختلافات ألا وهو مسألة الدين فما هي هذه القضية؟
سبق أن قلت أن التضخم هو فصل متزايد بين النقد المتداول وبين المبلغ المتداول للسلع والخدمات المشتراة ، فصل يعبر عنه بارتفاع الأسعار، لأنه يجب أن تتساوى كتلة النقد مع كتلة السلع والخدمات المنتجة ، وحتى تصل الرأسمالية والدولة إلى نفس النتيجة بدون أن ترفع من الأسعار بسبب ضخ أوراق نقدية جديدة تلجأ إلى طرح سندات لسنة أو أكثر أو أسهم وهي مفتوحة للشراء من طرف العموم من داخل البلد أو خارجه ، وهذا الطرح للسندات والأسهم يلعب ثلاثة أدوار رئيسية من جهة يجلب العملة الصعبة ومن جهة أخرى يمتص جزءا من الكتلة النقدية المطروحة داخل البلد إلى حين ومن جهة أخرى تحصل الرأسمالية على جزء من أجور ورواتب المنتجين والمستخدمين وخاصة الموظفين ذوي الرواتب العالية والمتوسطة التي تشتري السندات والأسهم وحتى جزء من فائض القيمة من لدن البرجوازية ، والحقيقة أن العولمة وأزماتها خلقت نوعا من التماسك ليس فقط بين الرأسماليين بعضهم البعض بل كذلك بين الدول بعضها البعض وبين هذه الأخيرة والرأسماليين وعلى سبيل المثال فإن الصين التي يجتمع فيها النمط الاشتراكي والنمط الرأسمالي بشكل غريب تملك 2 تريليون دولار كعملة احتياطية ومن شأن طرحها في السوق بشراء الذهب مثلا أن تخفض من قيمة الدولار إلى مستوى لم يسبق له أن نزل إليها ولكنها لم تفعل لأن أمريكا تعتبر المستورد الأول لمنتجات الصين ومن شأن خفض الدولار أن تتضرر عوائد الصين وأن تتدهور صناعاتها إذا ما عمدت أمريكا إلى الانتقام، بل نجدها تسرع هي الأخرى لنجدة اليونان بواسطة الاحتياطي الموجود لديها لشراء ميناء من موانئ اليونان . بل أكثر من هذا يوجد لدي الصين من سندات الخزينة الأمريكية 1,7 تريليون دولار مما يؤكد أن الصين كانت تساعد أمريكا على ألا تعرف أزمة اقتصادية حتى لا تتضرر هي الأخرى وليس الأمر في الحقيقة راجع إلى التطلع إلى نسبة الفائدة التي ستجنيها
هذا هو دين أمريكا الذي يتزايد باستمرار وقد وصل الآن إلى أكثر من 14 تريليون دولار ويريد الرئيس الأمريكي زيادة سقف الديون لطرح سندات جديدة ولكن ظهرت خلافات كبيرة مع الجمهوريين وإذا ما وصل تاريخ 2 غشت ولم يتبلور الموقف الذي يطمئن الدائنين من شركات ودول وأصحاب المحفظات المالية ومواطنين أمريكيين فستكون أمريكا قد تخلفت عن السداد لهم في الموعد وهذا سيؤثر على الأبناك وصناديق الإئتمان وعلى الصناعة وعلى كثير من دول العالم.
لقد عانت اليونان معاناة شديدة وكذلك إيرلندا وهبت الدول الثمانية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للنجدة ولا يظهر أن الجرعة التي أعطيت ستكفي كما لم تكف في إيرلندا
- مع العولمة امتدت الرأسمالية إلى أدق شرايين النشاط في المجتمعات ومن وسائلها التي لجأت إليها في العشر سنوات الماضية أنها سطت على صناديق التقاعد وصناديق التأمين التي يؤدي تمويلها العمال والباطرونا وكانت في السابق في يد الزعامات النقابية التي حصرت النضال النقابي في درء المخاطر الكبرى والتي تتوقعها دائما وترك المخاطر الصغرى تمر بشراكة ورقابة الدولة . لقد جرت هذه الصناديق إلى التوظيف في دائرة الرأسمالية دوليا ووطنيا في المؤسسات الدولية وفي البورصات وسنت سياسات لتقليص الأجر المؤجل للعمال ومنها طريقة رفع سن التقاعد ببضع سنوات .
3- حالة المغرب وأفق الصراع
سأتناول الموضوع من زاويتين الأولى اقتصادية والثانية سياسية وإيديولوجية ودفعة واحدة بدون هذا التبويب المرتب
من الزاوية الاقتصادية لوحظ أن المغرب ارتبط بكل الإرهاصات الرأسمالية التي تكلمت عنها بل وله ما يمكن أن يفتخر به أمام الرأسماليين في السطو على الثروات وعلى الأجور وعلى فائض القيمة ، وفي الإضرار بالبيئة وفي إضعاف الطبقة العاملة .
قبل انخراط المغرب بقوة في العولمة وقبل التوقيع على اتفاقية الجات كانت البرجوازية المغربية تقسم بسهولة إلى البرجوازية المالية والبرجوازية العقارية والبرجوازية الفلاحية وبرجوازية الخدمات غير أنه مع الانفتاح ورفع بعض القيود على الرأسمال تداخلت البرجوازيات وأصبحت لدينا برجوازية كبرى تغطي كل الميادين السابقة وأضافت الصيد في أعماق البحار وتسللت إلى المناجم التي كانت حكرا على الدولة في السابق . ويبدو الأمر كأن الدولة تتهاوى أمام ضربات البرجوازية ولكن العكس هو الصحيح إذ أن التفويت الذي يتم وتغلغل الرأسمال يتم في وسط هو في الأصل محيط الدولة وشريحتها التاريخية .
إذا تتبعنا المشهد السياسي في الشهور الأخيرة من نجد مباشرة في مواجهة شباب 20 فبراير ؟ ليس كل البرجوازية المغربية التي توظف الرأسمال الثابت والمتغير بل وليس حتى نسبة ضئيلة منها وليس كذلك البرجوازية الأجنبية التي توظف نفس الرأسمال ولا حتى صاحبة المحفظات المالية لأنها ببساطة لا تقطن في المغرب إلا إذا جاءت للسياحة .إنها شريحة من التكتل الطبقي لكنها من طينة أخرىتجعلها تختلف بعض الاختلافمع البرجوازية العادية وسنقف على الاختلاف بمجرد معرفة أصلها وكيفية صعودها المالي إنها :
1- من السلطة إلى المال والأعمال وليس العكس أي كل الذين كانوا يستغلون النفوذ
2- من الحثالة إلى المال لقاء أدوار لعبها ويلعبها في الفساد السياسي
3- من السمسرة للموظفين في كل الإدارت إلى المال
4- من السطو على لقاء علاوات على مرفق أو مرافق عمومية مثل الغابات أو الشواطئ
5- من الممنوعات والمخالفة للقانون
6- من الايديولوجيا المرتبطة بالبترودولار إلى بعض الأعمال البدائية مثل توزيع آلات الخياطة على النساء لخياطة ملابس غير خاضعة لتصميم مقبول ولا ذوق ومثل بعض أعمال العقار وهناك أمل من طرفهم أن تستجيب الدولة لمطلب الأبناك الاسلامية وهذه الايديولوجيا تمجد الملكية وتعمل بقوانين الرأسمالية بل تفوقها في القضايا مثل الآبناك الاسلامية والإدعاء أنها ضد الربا والحقيقة أنها أخطر من الفائدة ومثل تسخير النساء للخياطة لساعات تصل إلى 14 و 16 ساعة في اليوم .
وجميع هذه الفئات بعيدة عن قيم الرأسمالية نفسها وبعيدة عن الاحتكام إلى قوانينها ولا تؤمن بالديمقراطية ولا بالشفافية
إذن إذا أردنا أن نتكلم على البرجوازية الحقيقية في المغرب فإنه من الناحية الاقتصادية هي مثلها مثل كل البرجوازيات في العالم لكن هي أكثر جشعا ولكن لا يمكن اعتبارها متماثلة مع الفئات السابقة. والدولة في المغرب تحمي أرباحها وتعمل على الحفاظ عليها وتعمل أيضا على قضم الأجور والسطو على أموال الضمان الاجتماعي لتوظيفها وغير ذلك من كل القضايا التي أثرناها . لكن في الصراع السياسي الجاري ومع كل ما سبق نجدها حذرة ومتيقظة لمعرفة إتجاهات المستقبل ولكنها غير منخرطة لا ضد ولا مع 20 فبراير ومع ذلك تريد شيئين متناقضين الأول الاستقرار وعدم جر المغرب إلى ما يقع في اليمن وسوريا وليبيا ثانيا أن ينفصل الفساد عن الدولة وتخدم فقط الرأسمال الذي ينتج وليس تقديم مكافئات على خدمات سياسية .
الفئات التي ذكرتها سابقا أصبحت لها قوة اقتصادية كبيرة ولو استولت عليها بطرق غير قانونية وهي تعتقد أن لها كامل الحق أن تصبح في مصاف البرجوازية ما دامت تملك الملايير ولهذا أصيبت بالذعر عندما رأت ما جرى في مصر وتونس من المطالبة بالحساب وهي منذ البداية تدفع إلى الصدام المباشر مع قوتين أساسيتين غير قوى الفساد هذه الأولى البرجوازية بكل ألوانها ثانيا الملكية ، بحيث تتمنى قوى الفساد أن تعتبر 20 فبراير كل التكتل الطبقي فاسدا وخائنا ويجب أن يرحل لأنها تبحث بقوة عن إئتلاف تختبئ وراءه .
بفعل العولمة وأثرها على المغرب وبفعل تداخل الرأسمال الفلاحي والصناعي والبنكي والخدماتي من تجارة وسياحة ونقل ... تعتبر كل القوى العاملة في هذه القطاعات من مستخدمين وموظفين أجراء وعمال زراعين وعمال البحر وعمال التجارة وفلاحين فقراء وغيرهم في الميادين السابقة قوة استراتيجية للطبقة العاملة بمفهومها الذي تخلق فائض القيمة والتي وجهت لها ضربات موجعة من الناحية الكمية ومن ناحية تشتيتها وعدم تمركزها ليس نقابيا بل في أماكن عملها بسب سياسة الدولة التي اختارت عدم التصنيع الثقيل والاستراتيجي حتى لا تخلق طبقة عاملة قوية ومؤثرة.
لكن شروط العولمة خلقت معطيات جديد في هذا الباب إذ بلترت فئات كانت محسوبة على البرجوازية الصغيرة ودفعت فئات أخرى إلى الفقر المذقع وأخرى إلى البطالة الدائمة وكل هذه الفئات تمثل مع الطبقة العاملة تكتلا نقيضا للتكتل السائد ، يمثل في الظروف الحالية قوة صاعدة من أجل إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية ، والتي ستكون فيها الدولة بيد هذا التكتل الجديد والذي سيعمل على تصنيع البلاد وإعادة ترتيبه على أسس جديدة قوامها تطوير قوى الإنتاج وإعادة توزيع الثروات ، ومن متابعة الآثار التي خلقتها الأزمة الحالية في أوروبا يظهر أن السنوات الذهبية للهجرة إليها قد ولت وأن التاريخ ذلك المد يعود إلى ضده تماما حيث لا حظنا في الأسابيع الماضية عودة أكثر من أربعة آلاف أسرة مهاجرة في اسبانيا إلى المغرب بفعل تأثير الأزمة فيها وهؤلاء المهاجرون سيشكلون لا محالة عنصر دعم جديد للتكتل المناهض للتكتل السائد.
فإذا أردنا أن نتكلم عن الاشتراكية فلا بد أن يتوفر شرطان أساسيان:أولا قوى إنتاج متطورة وهذا يمكن أن تقوم به الدولة الوطنية الديمقراطية ، ثانيا وعي الطبقة العاملة لذاتها مالكة للفكر الاشتراكي أي منظمة أو أغلبها في حزب اشتراكي حقيقي أو تحالف اشتراكي وهذا الشرط الأخير عادة ما ينطلق تنفيذه من البداية عند أول نشأة الطبقة العاملة وليس حتى تنمو وتصل إلى مستويات عالية من التنظيم لأن أي تأخر يجعلها تحت تأثير إيديولوجيات الطبقات البرجوازية أو حلفاءها من الطبقات الوسطى وحتى يكون هذا الشرط سهل التحقق لابد أن تعي كل الأطراف المقتنعة بالاشتراكية بأهمية نشر الثقافة الاشتراكية وسط الشعب وخوض النضال الأيديولوجي ضد كل أشكال الفكر الرأسمالي والماضوي والدعوة إلى المشروع المجتمعي على أنه الخلاص الوحيد لكل طبقات الشعب
المحمدية 28– 7- 2011
رياضي- Admin
- عدد المساهمات : 3794
تاريخ التسجيل : 06/07/2010
- مساهمة رقم 4
رد: للمطالعة اليزيد البركة
الإسلام السياسي المغربي والرأسمالية
مرت حوالي أربعون سنة تقريبا على بداية الخطاب الإسلامي السياسي المغربي ، والذي كان موجها ضد الاشتراكية والاشتراكيين في المغرب ، وهي بداية ليست عفوية إذ كانت مفبركة من دوائر النظام المغربي بالتعاون مع الأنظمة الرجعية ومع الدوائر الغربية لمواجهة المد التحرري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد سقط عدد من الشهداء في مختلف البلدان التي كانت فيها القوى التقدمية والاشتراكية في الخندق الأول من الصراع ضد الامبريالية والرجعية والصهيونية ، مثلا في لبنان ومصر والمغرب ، واستهدفت أيادي الغدر أسماء لها موقع هام في الفكر والإعلام والسياسة . في المغرب كان الشهيد عمر بنجلون هدفا مشتركا لقوى الإسلام السياسي الذي كان يتقوى بجرعات داخلية وخارجية ولقوى النظام التي ترفض جملة وتفصيلا التخلي عن مصالحها السياسية والاقتصادية.
وأمس الخميس 19 يناير كان الرأي العام المغربي على موعد مع برنامج أول حكومة مغربية يقودها الإسلام السياسي الذي بنى ذاته على الصراع مع الاشتراكية والحداثة وحقوق المرأة ، وحتى حقوق الإنسان بصفة عامة على أنها بضاعة غربية ، اختصر الموعد ذلك الزمن الطويل في لحظة قصيرة أمام البرلمان ليتلو فيها رئيس الحكومة برنامجه ، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما قارنت بين محطات كل ذلك الصراع وبين ما قدمه رئيس الحكومة من أهداف يرمي الوصول إليها. لقد كان صراعا فكري وسياسيا وحقوقيا ولا أقول اقتصاديا لأن الإسلام السياسي كان دائما مطالبا بالإفصاح عن النظرية الاقتصادية لهذا التوجه وعن أهدافه الأساسية الملموسة ، وكان يتهرب باستمرار، وحتى عندما يصرح بعض قادته بأن هناك اقتصاد إسلامي مستقل لا يستطيعون أن يعطوا شيئا عنه وفي أحسن الأحوال لا يخرجون عن الاقتصاد الرأسمالي. أربعون سنة من الصراع تم خلقه خلقا وعلى أسس وهمية تأكدت بعد اطلاع الشعب المغربي أمس على عناصر البرنامج المقدم . لقد كان رئيس الحكومة قادرا على تقديم بعض الفتات في الجانب الاقتصادي ولكنه لم يستطع، بل كان خنوعا للرأسمالية حتى النخاع ،أكثر من الرأسماليين أنفسهم ، ولعب في مربعها وسيلعب فيه حتى سنة 2016وكان هذا متوقعا عندما صوت العدالة والتنمية على الدستور بنعم وهو ينص على مبدأ الحفاظ على التوازنات الماكرو- إقتصادي ولكن كان من المعتقد على نطاق واسع أنه قادر على أن يقدم شيئا من داخل هذا المبدأ تحفظ ماء الوجه، بعد أن كان كل الصراع النظري الذي خاضه العدالة والتنمية قائم على أنه قادر على تجاوز الرأسمالية وكل ما يطرحه الغرب وحتى ما تطرحه الاشتراكية وكان يعد بمجتمع الرفاهية .
كان الاشتراكيون المغاربة في صراع دائم مع الرأسمالية المتوحشة والمرنة إذا صح التعبير وفي أروبا ظهر الآن جليا بالكامل أن الاشتراكية الديمقراطية التي كانت تسعى إلى مجتمع الرفاهية من داخل الرأسمالية قد أخطأت خطأ فادحا وها هي جاءت أزمة تزحف على المنطقة لا تنفع معها لا أدوية الرأسمالية ولا أدوية الاشتراكية الديمقراطية ، فكيف يمكن للعدالة والتنمية التي يظهر أنها لا تفهم حتى كيف تشتغل القوانين الرأسمالية أن تنجح في ما أخفقت فيه الاشتراكية الديمقراطية التي تتوفر على أطر عالية واعية لأسس الرأسمالية وقوتها وضعفها؟
لننظر أولا إلى ما تقوله الاشتراكية التي صارعها الإسلام السياسي وخاصة العدالة والتنمية ولننظر إلى ما قاله كارل ماركس الذي كان يهاجم من خلال يهوديته حتى اطلعنا على برنامج الحكومة إذ جاء فيه "تعزيز الهوية الوطنية الموحدة وصيانة تلاحم وتنوع مكوناتها والانفتاح على الثقافات والحضارات" .قفزة من موقع إلى موقع آخر بدون مقدمات إلا ما دخل في حكم الزيارات والتلميحات التي دشن بها رئيس الحكومة مشوارا إعلاميا لكل الأطياف المخالفة والمتوجسة من مستقبل المغرب.
في بداية كتاب نقد برنامج غوتا لكارل ماركس الذي مر على صياغته 137 سنة سطر أهم عنصر في بنية المجتمع المادية منها والفكرية ، وهذا العنصر أشار إليه البيان الشيوعي أيضا بعض طرحه لسؤال من يملك ومن لا يملك ؟ وأكد على أهمية الملكية وشكلها.
كان ماركس يتهكم على العبارة الواردة في برنامج غوتا لحزب العمال الألماني الذي كان فيه عضوا جاء فيها:"العمل مصدر كل ثروة وكل ثقافة " كان رده قويا وساخرا جاء فيه : "ان العمل ليس مصدر كل ثروة. فالطبيعة هي مصدر القيم الإستعمالية (التي هي بالضبط تؤلف الثروة المادية !) ...وهذه الجملة ...تعثرون عليها في جميع كتب الألف باء، ولا تصح إلا بقدر ما تعني أن العمل يجري عند توافر الأشياء والأدوات المناسبة. ولكنه لا يجوز لبرنامج اشتراكي أن يحتوي مثل هذه التعابير والجمل البرجوازية التي تلزم الصمت حول الشروط التي وحدها تستطيع أن تعطيها معنى. فان عمل الإنسان لن يصبح مصدر القيم الاستعمالية، وبالتالي مصدر الثروة، الا شرط ان يسلك، منذ البدء، سلوك المالك إزاء الطبيعة، إزاء هذا المصدر الأول لجميع وسائل العمل ومواد العمل، شرط أن يعاملها كأنها شيء يخصه. إن للبرجوازيين أسبابا وجيهة جدا لكي ينسبوا إلى العمل هذه القوة الخلاقة الفائقة الطبيعة ؛ إذ ينجم من كون العمل مشروطا بالطبيعة، أن الإنسان الذي لا يملك غير قوة عمله، يصبح بالضرورة، مهما كانت أحواله الاجتماعية والثقافية، عبد الذين وضعوا أيديهم على شروط العمل المادية. فلا يستطيع أن يعمل، وبالتالي أن يعيش، إلا بإذن هؤلاء"
يستنتج من هذا الكلام أن أي مشروع يدعي أصحابه أنهم يسعون من خلاله إلى مشروع مجتمعي جديد أن يحللوا طبيعة الملكية ويبينوا من يملك وسائل الإنتاج ومن لا يملكها ؟ ونتيجة لهذا التحليل أن يتصدوا للملكية إذا كانت ملكية استغلالية تجعل من لا يملك عبيدا عند الذين يملكون لفك أغلال هذا الاستغلال ، لتصبح الملكية ملكية عامة لوسائل الإنتاج ، وهذه الملكية مختلفة عن التأميم الذي ليس إلا خطوة أولى بواسطة الدولة ولأن التأميم وحده يؤدي كما ثبت هذا في التجارب الاشتراكية إلى رأسمالية الدولة ، وفي الحقيقة التعبير الصحيح والذي لا يترك أي لبس هو تعبير الملكية المجتمعية لوسائل الإنتاج وليس العامة. وهذا هو السبيل الوحيد للقضاء على كل الاختلالات في المجتمع بما فيه ما يتعلق بالبطالة والفقر لا طريق خفض نسبة البطالة إلى 8 في المئة في أفق 2016.
عندما ارتفعت حناجر الشباب المغربي ل20 فبراير مطالبة بمحاربة الفساد لا يقصدون فقط وضع آليات لمحاربته مستقبلا بل يقصدون أيضا محاربته الآن ومحاربة ما مضى منه ؟ وهذا هو ما يطرح مسألة الملكية لوسائل الإنتاج . هذا هو أهم عنصر في الاشتراكية وعليه تبنى كل العناصر الأخرى.وفي حقيقة الأمر محاربة الإسلام السياسي للإشتراكية ناتج بالأساس من عداءها للمس بالملكية القائمة .
إذن الحكومة المغربية جاءت إلى البرلمان لتطلب التصويت عليها متضامنة مع الملاكين العقاريين والرأسماليين الكبار في الصناعة والسياحة والصيد البحري والطاقة والمعادن والأبناك ، والزراعة" المضي قدما في تفعيل المغرب الأخضر" كما جاء في البرنامج على نفس الملكية الحالية، ومتضامنة باختصار مع كل الذين راكموا الثروات وامتلكوها بالغصب والنهب والسطو القانوني وغير القانوني . ومواجهة الفساد لا يعني في البرنامج إلا المزيد من وضع الآليات والقوانين للحد منه مستقبلا وحث الأجهزة القائمة على المحاسبة من الاضطلاع بمهامها للتصدي لأساليب وأشكال الفساد لا إحداث مراجعة في ما راكمه الفساد والتصدي للملكية وتطبيق شعار من أين لك هذا؟ الذي كان مرفوعا قبل أن يولد الإسلام السياسي بعد أن حل الاستعمار الجديد محل القديم ؟
لقد اختار البرنامج أن يتقوقع داخل الرأسمالية ، فهل استطاع أن يلعب فيها لعب الحاذق والمطلع على الهوامش التي تسمح بها بدون المساس بأسس الرأسمالية ؟ في الحقيقة ، لا . كيف يمكن ذلك والعدالة والتنمية في فكره النظري يجهل قوانين الرأسمالية جهلا تاما . وكمثال بسيط هو اعتبار إعلامه وبعض قادته الفائدة البنكية ربا ، إذ لم يستطع أن يدرك أن الفائدة تختلف عن الربا في ثلاثة أوجه أساسية : 1- أن أي مجتمع تسيطر فيه الرأسمالية تفرضفيه هذه الأخيرة قوانين اقتصادية تعمل باستقلالية وتتحكم في رقبة الاقتصاد وأي خدش يصيب قانون ما ينقل العدوى إلى قطاعات واسعة منه أو إليه برمته أي أن الفائدة تحافظ على سعرها بتوازن في علاقة مع توازنات أخرى وإلا تهدم كل شئ، فإذا زيد في سعر الفائدة إلى حد أقصى أو تم الخفض منها تتأثر كل القوانين والمجالات . على عكس قوانين مجتمعات الاقتصاد البسيط فأحرى مجتمعات قائمة على التجارة البعيدة وعلى الغزو والإغارة حيث أن هذه الأخيرة لا تتأثر بأي خلل يصيب الربا وقد يصل سره إلى 400 في المئة وأكثر ولا يحدث شيئا بل رفعه مطلوب لأن الهدف من الربا ليس هو تنشيط الاقتصاد كما في الرأسمالية وإنما الوصول إلى الاستعباد .2- أن مجتمعات الرأسمالية تقوم على إنتاج فائض قيمة ولهذا فكل القوانين الرأسمالية تعمل من أجل الحفاظ على تطوير وتنمية هذا الفائض بينما الربا يزيد من قوى الانتاج في الرعي وعمل البيت الذي يقوم به العبيد 3- أن الإنسان في الرأسمالية حصل على الحرية ولم تعد العبودية إحدى الأهداف التي تحققها الفائدة القديمة ( الربا) كما جاء في تاجر البندقية ( قطع رطل من اللحم دون أن تسقط نقطة من الدم) ولكن كل هم الفائدة هو توسيع الرأسمالية في البداية ثم الحفاظ على تأثير قوانينها وتوطيدها فيما بعد .
جهل قانون الفائدة وكيف يعمل وعلاقته بكل القوانين الرأسمالية في الاستثمار والادخار والأسعار والتضخم وغيرها جعل الحكومة في برنامجها تبتعد حتى عن البحث في سعر الفائدة. وعن الأجور وكان العدالة والتنمية قد وعد برفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم
في حقيقة الأمر لم تقدم الحكومة برنامجا بمعنى الكلمة وإنما هو جرد للفصول الدستورية في الحريات والحقوق بما فيها ما يتعلق بالمرأة ، ولتلك التي ما تزال في حاجة إلى إصدار قوانين تنظيمية وكانت تكفي جملة واحدة في البرنامج تقول : " والحكومة المغربية التي ستعمل في نطاق الدستور ستنكب عاجلا على تحضير القوانين التنظيمية لعدد من المجالس وغيرها من المجالات التي تم التنصيص عليه"، فهل الحكومة حقا عندما كانت تضع البرنامج كان على الطاولة ملفات عن حالة المغرب الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والسياسية .. أم أن ما كان على الطاولة هو نص الدستور؟
ما يدفع إلى الاعتقاد بأن ما كان تحت أنظار الحكومة هو نص الدستور هو الإحساس بأن الحكومة لم تنطلق من تصور عام للقضايا التي تحيط بالاقتصاد المغربي وتخنقه، وفي مقدمة ذلك قضية الديون الخارجية ، ولا إشارة واحد ة ليس فقط الإشارة إلى التفاوض من أجل الإعفاء بل حتى الإشارة إلى تخفيض الدين أو تأجيل التأدية لمدة معقولة مع العلم أن الامبريالية في وضع حرج سياسيا وهي تحضر حكومات الإسلام السياسي السلفي لحشرها في إستراتيجية مواجهة إيران والإسلام السياسي الشيعي، وكان على العدالة والتنمية أن يسطر الكثير في برنامجه من العراقيل الاقتصادية التي تحد من انطلاق الاقتصاد المغربي والتي سببها شجع الرأسمالية والتأكيد على أن الحكومة ستتفاوض مع الدوائر الرأسمالية على رفع هذه العراقيل أو التخفيف منها على الأقل وحتى إن لم تنجح الحكومة في التفاوض فإنها ستخلق تربة لائقة للتهرب من حشر المغرب في استراتيجية امبريالية لا منفعة فيها للشعب المغربي ، ولكن من سبق له أن كان مخلب قط في يد الامبريالية لمحاربة حركات التحرر لا يمكن إلا أن يعاود نفس الكرة علها تغدق عليه من أفضالها,
النقطة الثانية الغائبة هي التراجع عن الخوصصة ، إن ربط المسؤولية بالمحاسبة جاء متأخرا إذ أن كل ذلك مرتبط أساسا بالاقتصاد والتشديد على أساسا ذلك أن الجزء الأكبر من مؤسسات الدولة تمت خوصصتها والبرنامج لم يشر إلى ما تمت خوصصته وهل ستعمل الحكومة على استرجاعه ولا إلى ما يعد للخوصصة منذ مدة وهل ستوقف قطاره ؟ إن ثروات المغرب الإستراتيجية المخوصصة كانت قطارا قويا يمكن أن ينهض بكل عربات الاقتصاد الأخرى، واليوم نتكلم عن المسؤولية والمحاسبة في مجال ضيق جدا.
النقطة الثالثة هي ما يتعلق بالاستثمار الفعلي في كل المجالات إذ أن الرأي العام قلق مما يجري في أوروبا من تجمع لعناصر أزمة اقتصادية كبيرة والبرنامج لم يستشف منه أي شئ يدل على أن هذا العنصر حاضر لدى الحكومة هل سيتوقف الاستثمار الأجنبي ؟ هل المغرب قادر على استقبال المغاربة المقيمين بالخارج إذا ما قرروا العودة؟ ، هل ستتأثر السياحة ؟، هل هناك مشاريع مشتركة يمكن أن تتضرر ؟ لا شئ يمكن استخلاصه لأن البرنامج عبارة عن فصول دستورية دبج بلغة إنشائية ، ولم ينطلق من القدرة على فعل شئ ما، بل من رغبة في ترضية قطاعات تغلي وتفور، فهل نجح البرنامج في هذا ؟ لا أعتقد لأن الإنشاء ملته تلك القطاعات على مدى عقود من الزمن . وكان الطريق الصحيح هو إظهار ما يتوفر عليه المغرب من عناصر القوة وما هي الإكراهات وعرض ذلك بكل شفافية، في هذه الحالة فقط يمكن للشعب الغاضب والقانط أن يسمع .
النقطة الرابعة هي قضية المرأة التي جاءت في البرنامج مبتورة عن تصور مبني على نظرة علمية لها وذلك لسببين الأول يتعلق بمنهج الانطلاق من نصوص الدستور، إذ أم هذا الأخير لا يمكنه إلا أن يقدم بنود قانونية لا رؤية نظرية . الثاني يتعلق بالنظرة الذكورية المتمثل في معاداة النوع نظرة تطبع الحكومة المغربية بالكامل رغم توفرها على امرأة واحدة ولكنها تتبنى نفس النظرة . إن للمرأة نظرا لتراكم التاريخ خصوصية جعلتها في رتبة متدنية وتابعة حقوقيا واقتصاديا وعدم الوعي بهذا يؤدي إلى السقوط في أخطاء . أشار البرنامج إلى الاقتصاد القروي وإلى أراضي الجموع ولكن لا يمكن أن تستفيد المرأة من هذا إلا من خلال الانطلاق من النوع الذي لم يرد بتاتا بأي شكل من الأشكال في برنامج الحكومة لأنه بالنسب لفهمه البسيط والساذج الذي لقنه لهم فقهاء الخليج أن النوع هو المساواة المثلية وترهات أخرى لا حصر لها. والبرنامج كلما تناول نقطة ما ذات طبيعة اجتماعية أو اقتصادية إلا وأنهاها بعبارة "خاصة الشباب" وعندما يتكلم عن المرأة في الميدان والاقتصادي والاجتماعي يتكلم فقط عن الولادة والصحة أو يتكلم عن الأسرة أو عن الأسرة التي ربها امرأة وكأن الحكومة بذلك عالجت القضية من منظور شامل بينما الأسرة معطى والمرأة معطى ولا يمكن دمجهما في شئ واحد وإن تتداخلا في زمن معين .
يزيد البركة
البيضاء 20-1-2012
مرت حوالي أربعون سنة تقريبا على بداية الخطاب الإسلامي السياسي المغربي ، والذي كان موجها ضد الاشتراكية والاشتراكيين في المغرب ، وهي بداية ليست عفوية إذ كانت مفبركة من دوائر النظام المغربي بالتعاون مع الأنظمة الرجعية ومع الدوائر الغربية لمواجهة المد التحرري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد سقط عدد من الشهداء في مختلف البلدان التي كانت فيها القوى التقدمية والاشتراكية في الخندق الأول من الصراع ضد الامبريالية والرجعية والصهيونية ، مثلا في لبنان ومصر والمغرب ، واستهدفت أيادي الغدر أسماء لها موقع هام في الفكر والإعلام والسياسة . في المغرب كان الشهيد عمر بنجلون هدفا مشتركا لقوى الإسلام السياسي الذي كان يتقوى بجرعات داخلية وخارجية ولقوى النظام التي ترفض جملة وتفصيلا التخلي عن مصالحها السياسية والاقتصادية.
وأمس الخميس 19 يناير كان الرأي العام المغربي على موعد مع برنامج أول حكومة مغربية يقودها الإسلام السياسي الذي بنى ذاته على الصراع مع الاشتراكية والحداثة وحقوق المرأة ، وحتى حقوق الإنسان بصفة عامة على أنها بضاعة غربية ، اختصر الموعد ذلك الزمن الطويل في لحظة قصيرة أمام البرلمان ليتلو فيها رئيس الحكومة برنامجه ، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما قارنت بين محطات كل ذلك الصراع وبين ما قدمه رئيس الحكومة من أهداف يرمي الوصول إليها. لقد كان صراعا فكري وسياسيا وحقوقيا ولا أقول اقتصاديا لأن الإسلام السياسي كان دائما مطالبا بالإفصاح عن النظرية الاقتصادية لهذا التوجه وعن أهدافه الأساسية الملموسة ، وكان يتهرب باستمرار، وحتى عندما يصرح بعض قادته بأن هناك اقتصاد إسلامي مستقل لا يستطيعون أن يعطوا شيئا عنه وفي أحسن الأحوال لا يخرجون عن الاقتصاد الرأسمالي. أربعون سنة من الصراع تم خلقه خلقا وعلى أسس وهمية تأكدت بعد اطلاع الشعب المغربي أمس على عناصر البرنامج المقدم . لقد كان رئيس الحكومة قادرا على تقديم بعض الفتات في الجانب الاقتصادي ولكنه لم يستطع، بل كان خنوعا للرأسمالية حتى النخاع ،أكثر من الرأسماليين أنفسهم ، ولعب في مربعها وسيلعب فيه حتى سنة 2016وكان هذا متوقعا عندما صوت العدالة والتنمية على الدستور بنعم وهو ينص على مبدأ الحفاظ على التوازنات الماكرو- إقتصادي ولكن كان من المعتقد على نطاق واسع أنه قادر على أن يقدم شيئا من داخل هذا المبدأ تحفظ ماء الوجه، بعد أن كان كل الصراع النظري الذي خاضه العدالة والتنمية قائم على أنه قادر على تجاوز الرأسمالية وكل ما يطرحه الغرب وحتى ما تطرحه الاشتراكية وكان يعد بمجتمع الرفاهية .
كان الاشتراكيون المغاربة في صراع دائم مع الرأسمالية المتوحشة والمرنة إذا صح التعبير وفي أروبا ظهر الآن جليا بالكامل أن الاشتراكية الديمقراطية التي كانت تسعى إلى مجتمع الرفاهية من داخل الرأسمالية قد أخطأت خطأ فادحا وها هي جاءت أزمة تزحف على المنطقة لا تنفع معها لا أدوية الرأسمالية ولا أدوية الاشتراكية الديمقراطية ، فكيف يمكن للعدالة والتنمية التي يظهر أنها لا تفهم حتى كيف تشتغل القوانين الرأسمالية أن تنجح في ما أخفقت فيه الاشتراكية الديمقراطية التي تتوفر على أطر عالية واعية لأسس الرأسمالية وقوتها وضعفها؟
لننظر أولا إلى ما تقوله الاشتراكية التي صارعها الإسلام السياسي وخاصة العدالة والتنمية ولننظر إلى ما قاله كارل ماركس الذي كان يهاجم من خلال يهوديته حتى اطلعنا على برنامج الحكومة إذ جاء فيه "تعزيز الهوية الوطنية الموحدة وصيانة تلاحم وتنوع مكوناتها والانفتاح على الثقافات والحضارات" .قفزة من موقع إلى موقع آخر بدون مقدمات إلا ما دخل في حكم الزيارات والتلميحات التي دشن بها رئيس الحكومة مشوارا إعلاميا لكل الأطياف المخالفة والمتوجسة من مستقبل المغرب.
في بداية كتاب نقد برنامج غوتا لكارل ماركس الذي مر على صياغته 137 سنة سطر أهم عنصر في بنية المجتمع المادية منها والفكرية ، وهذا العنصر أشار إليه البيان الشيوعي أيضا بعض طرحه لسؤال من يملك ومن لا يملك ؟ وأكد على أهمية الملكية وشكلها.
كان ماركس يتهكم على العبارة الواردة في برنامج غوتا لحزب العمال الألماني الذي كان فيه عضوا جاء فيها:"العمل مصدر كل ثروة وكل ثقافة " كان رده قويا وساخرا جاء فيه : "ان العمل ليس مصدر كل ثروة. فالطبيعة هي مصدر القيم الإستعمالية (التي هي بالضبط تؤلف الثروة المادية !) ...وهذه الجملة ...تعثرون عليها في جميع كتب الألف باء، ولا تصح إلا بقدر ما تعني أن العمل يجري عند توافر الأشياء والأدوات المناسبة. ولكنه لا يجوز لبرنامج اشتراكي أن يحتوي مثل هذه التعابير والجمل البرجوازية التي تلزم الصمت حول الشروط التي وحدها تستطيع أن تعطيها معنى. فان عمل الإنسان لن يصبح مصدر القيم الاستعمالية، وبالتالي مصدر الثروة، الا شرط ان يسلك، منذ البدء، سلوك المالك إزاء الطبيعة، إزاء هذا المصدر الأول لجميع وسائل العمل ومواد العمل، شرط أن يعاملها كأنها شيء يخصه. إن للبرجوازيين أسبابا وجيهة جدا لكي ينسبوا إلى العمل هذه القوة الخلاقة الفائقة الطبيعة ؛ إذ ينجم من كون العمل مشروطا بالطبيعة، أن الإنسان الذي لا يملك غير قوة عمله، يصبح بالضرورة، مهما كانت أحواله الاجتماعية والثقافية، عبد الذين وضعوا أيديهم على شروط العمل المادية. فلا يستطيع أن يعمل، وبالتالي أن يعيش، إلا بإذن هؤلاء"
يستنتج من هذا الكلام أن أي مشروع يدعي أصحابه أنهم يسعون من خلاله إلى مشروع مجتمعي جديد أن يحللوا طبيعة الملكية ويبينوا من يملك وسائل الإنتاج ومن لا يملكها ؟ ونتيجة لهذا التحليل أن يتصدوا للملكية إذا كانت ملكية استغلالية تجعل من لا يملك عبيدا عند الذين يملكون لفك أغلال هذا الاستغلال ، لتصبح الملكية ملكية عامة لوسائل الإنتاج ، وهذه الملكية مختلفة عن التأميم الذي ليس إلا خطوة أولى بواسطة الدولة ولأن التأميم وحده يؤدي كما ثبت هذا في التجارب الاشتراكية إلى رأسمالية الدولة ، وفي الحقيقة التعبير الصحيح والذي لا يترك أي لبس هو تعبير الملكية المجتمعية لوسائل الإنتاج وليس العامة. وهذا هو السبيل الوحيد للقضاء على كل الاختلالات في المجتمع بما فيه ما يتعلق بالبطالة والفقر لا طريق خفض نسبة البطالة إلى 8 في المئة في أفق 2016.
عندما ارتفعت حناجر الشباب المغربي ل20 فبراير مطالبة بمحاربة الفساد لا يقصدون فقط وضع آليات لمحاربته مستقبلا بل يقصدون أيضا محاربته الآن ومحاربة ما مضى منه ؟ وهذا هو ما يطرح مسألة الملكية لوسائل الإنتاج . هذا هو أهم عنصر في الاشتراكية وعليه تبنى كل العناصر الأخرى.وفي حقيقة الأمر محاربة الإسلام السياسي للإشتراكية ناتج بالأساس من عداءها للمس بالملكية القائمة .
إذن الحكومة المغربية جاءت إلى البرلمان لتطلب التصويت عليها متضامنة مع الملاكين العقاريين والرأسماليين الكبار في الصناعة والسياحة والصيد البحري والطاقة والمعادن والأبناك ، والزراعة" المضي قدما في تفعيل المغرب الأخضر" كما جاء في البرنامج على نفس الملكية الحالية، ومتضامنة باختصار مع كل الذين راكموا الثروات وامتلكوها بالغصب والنهب والسطو القانوني وغير القانوني . ومواجهة الفساد لا يعني في البرنامج إلا المزيد من وضع الآليات والقوانين للحد منه مستقبلا وحث الأجهزة القائمة على المحاسبة من الاضطلاع بمهامها للتصدي لأساليب وأشكال الفساد لا إحداث مراجعة في ما راكمه الفساد والتصدي للملكية وتطبيق شعار من أين لك هذا؟ الذي كان مرفوعا قبل أن يولد الإسلام السياسي بعد أن حل الاستعمار الجديد محل القديم ؟
لقد اختار البرنامج أن يتقوقع داخل الرأسمالية ، فهل استطاع أن يلعب فيها لعب الحاذق والمطلع على الهوامش التي تسمح بها بدون المساس بأسس الرأسمالية ؟ في الحقيقة ، لا . كيف يمكن ذلك والعدالة والتنمية في فكره النظري يجهل قوانين الرأسمالية جهلا تاما . وكمثال بسيط هو اعتبار إعلامه وبعض قادته الفائدة البنكية ربا ، إذ لم يستطع أن يدرك أن الفائدة تختلف عن الربا في ثلاثة أوجه أساسية : 1- أن أي مجتمع تسيطر فيه الرأسمالية تفرضفيه هذه الأخيرة قوانين اقتصادية تعمل باستقلالية وتتحكم في رقبة الاقتصاد وأي خدش يصيب قانون ما ينقل العدوى إلى قطاعات واسعة منه أو إليه برمته أي أن الفائدة تحافظ على سعرها بتوازن في علاقة مع توازنات أخرى وإلا تهدم كل شئ، فإذا زيد في سعر الفائدة إلى حد أقصى أو تم الخفض منها تتأثر كل القوانين والمجالات . على عكس قوانين مجتمعات الاقتصاد البسيط فأحرى مجتمعات قائمة على التجارة البعيدة وعلى الغزو والإغارة حيث أن هذه الأخيرة لا تتأثر بأي خلل يصيب الربا وقد يصل سره إلى 400 في المئة وأكثر ولا يحدث شيئا بل رفعه مطلوب لأن الهدف من الربا ليس هو تنشيط الاقتصاد كما في الرأسمالية وإنما الوصول إلى الاستعباد .2- أن مجتمعات الرأسمالية تقوم على إنتاج فائض قيمة ولهذا فكل القوانين الرأسمالية تعمل من أجل الحفاظ على تطوير وتنمية هذا الفائض بينما الربا يزيد من قوى الانتاج في الرعي وعمل البيت الذي يقوم به العبيد 3- أن الإنسان في الرأسمالية حصل على الحرية ولم تعد العبودية إحدى الأهداف التي تحققها الفائدة القديمة ( الربا) كما جاء في تاجر البندقية ( قطع رطل من اللحم دون أن تسقط نقطة من الدم) ولكن كل هم الفائدة هو توسيع الرأسمالية في البداية ثم الحفاظ على تأثير قوانينها وتوطيدها فيما بعد .
جهل قانون الفائدة وكيف يعمل وعلاقته بكل القوانين الرأسمالية في الاستثمار والادخار والأسعار والتضخم وغيرها جعل الحكومة في برنامجها تبتعد حتى عن البحث في سعر الفائدة. وعن الأجور وكان العدالة والتنمية قد وعد برفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم
في حقيقة الأمر لم تقدم الحكومة برنامجا بمعنى الكلمة وإنما هو جرد للفصول الدستورية في الحريات والحقوق بما فيها ما يتعلق بالمرأة ، ولتلك التي ما تزال في حاجة إلى إصدار قوانين تنظيمية وكانت تكفي جملة واحدة في البرنامج تقول : " والحكومة المغربية التي ستعمل في نطاق الدستور ستنكب عاجلا على تحضير القوانين التنظيمية لعدد من المجالس وغيرها من المجالات التي تم التنصيص عليه"، فهل الحكومة حقا عندما كانت تضع البرنامج كان على الطاولة ملفات عن حالة المغرب الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والسياسية .. أم أن ما كان على الطاولة هو نص الدستور؟
ما يدفع إلى الاعتقاد بأن ما كان تحت أنظار الحكومة هو نص الدستور هو الإحساس بأن الحكومة لم تنطلق من تصور عام للقضايا التي تحيط بالاقتصاد المغربي وتخنقه، وفي مقدمة ذلك قضية الديون الخارجية ، ولا إشارة واحد ة ليس فقط الإشارة إلى التفاوض من أجل الإعفاء بل حتى الإشارة إلى تخفيض الدين أو تأجيل التأدية لمدة معقولة مع العلم أن الامبريالية في وضع حرج سياسيا وهي تحضر حكومات الإسلام السياسي السلفي لحشرها في إستراتيجية مواجهة إيران والإسلام السياسي الشيعي، وكان على العدالة والتنمية أن يسطر الكثير في برنامجه من العراقيل الاقتصادية التي تحد من انطلاق الاقتصاد المغربي والتي سببها شجع الرأسمالية والتأكيد على أن الحكومة ستتفاوض مع الدوائر الرأسمالية على رفع هذه العراقيل أو التخفيف منها على الأقل وحتى إن لم تنجح الحكومة في التفاوض فإنها ستخلق تربة لائقة للتهرب من حشر المغرب في استراتيجية امبريالية لا منفعة فيها للشعب المغربي ، ولكن من سبق له أن كان مخلب قط في يد الامبريالية لمحاربة حركات التحرر لا يمكن إلا أن يعاود نفس الكرة علها تغدق عليه من أفضالها,
النقطة الثانية الغائبة هي التراجع عن الخوصصة ، إن ربط المسؤولية بالمحاسبة جاء متأخرا إذ أن كل ذلك مرتبط أساسا بالاقتصاد والتشديد على أساسا ذلك أن الجزء الأكبر من مؤسسات الدولة تمت خوصصتها والبرنامج لم يشر إلى ما تمت خوصصته وهل ستعمل الحكومة على استرجاعه ولا إلى ما يعد للخوصصة منذ مدة وهل ستوقف قطاره ؟ إن ثروات المغرب الإستراتيجية المخوصصة كانت قطارا قويا يمكن أن ينهض بكل عربات الاقتصاد الأخرى، واليوم نتكلم عن المسؤولية والمحاسبة في مجال ضيق جدا.
النقطة الثالثة هي ما يتعلق بالاستثمار الفعلي في كل المجالات إذ أن الرأي العام قلق مما يجري في أوروبا من تجمع لعناصر أزمة اقتصادية كبيرة والبرنامج لم يستشف منه أي شئ يدل على أن هذا العنصر حاضر لدى الحكومة هل سيتوقف الاستثمار الأجنبي ؟ هل المغرب قادر على استقبال المغاربة المقيمين بالخارج إذا ما قرروا العودة؟ ، هل ستتأثر السياحة ؟، هل هناك مشاريع مشتركة يمكن أن تتضرر ؟ لا شئ يمكن استخلاصه لأن البرنامج عبارة عن فصول دستورية دبج بلغة إنشائية ، ولم ينطلق من القدرة على فعل شئ ما، بل من رغبة في ترضية قطاعات تغلي وتفور، فهل نجح البرنامج في هذا ؟ لا أعتقد لأن الإنشاء ملته تلك القطاعات على مدى عقود من الزمن . وكان الطريق الصحيح هو إظهار ما يتوفر عليه المغرب من عناصر القوة وما هي الإكراهات وعرض ذلك بكل شفافية، في هذه الحالة فقط يمكن للشعب الغاضب والقانط أن يسمع .
النقطة الرابعة هي قضية المرأة التي جاءت في البرنامج مبتورة عن تصور مبني على نظرة علمية لها وذلك لسببين الأول يتعلق بمنهج الانطلاق من نصوص الدستور، إذ أم هذا الأخير لا يمكنه إلا أن يقدم بنود قانونية لا رؤية نظرية . الثاني يتعلق بالنظرة الذكورية المتمثل في معاداة النوع نظرة تطبع الحكومة المغربية بالكامل رغم توفرها على امرأة واحدة ولكنها تتبنى نفس النظرة . إن للمرأة نظرا لتراكم التاريخ خصوصية جعلتها في رتبة متدنية وتابعة حقوقيا واقتصاديا وعدم الوعي بهذا يؤدي إلى السقوط في أخطاء . أشار البرنامج إلى الاقتصاد القروي وإلى أراضي الجموع ولكن لا يمكن أن تستفيد المرأة من هذا إلا من خلال الانطلاق من النوع الذي لم يرد بتاتا بأي شكل من الأشكال في برنامج الحكومة لأنه بالنسب لفهمه البسيط والساذج الذي لقنه لهم فقهاء الخليج أن النوع هو المساواة المثلية وترهات أخرى لا حصر لها. والبرنامج كلما تناول نقطة ما ذات طبيعة اجتماعية أو اقتصادية إلا وأنهاها بعبارة "خاصة الشباب" وعندما يتكلم عن المرأة في الميدان والاقتصادي والاجتماعي يتكلم فقط عن الولادة والصحة أو يتكلم عن الأسرة أو عن الأسرة التي ربها امرأة وكأن الحكومة بذلك عالجت القضية من منظور شامل بينما الأسرة معطى والمرأة معطى ولا يمكن دمجهما في شئ واحد وإن تتداخلا في زمن معين .
يزيد البركة
البيضاء 20-1-2012
رياضي- Admin
- عدد المساهمات : 3794
تاريخ التسجيل : 06/07/2010
- مساهمة رقم 6
رد: للمطالعة اليزيد البركة
رسالة مفتوحة ، رجاء... لا تصفقوا وانتظروا قليلا
يزيد البركة
طرحت عدة أسئلة بعد أن نشر وزير النقل لائحة المستفيدين من كريمات النقل عبر المدن ، وإذا كان عاديا أن البعض عبر من خلال الأسئلة المطروحة عن تشاؤمه مما يمكن أن تؤول إليه هذه الخطوة ، فإن البعض الآخر اعتبرها خطوة مهمة تستحق التنويه .... إلى هؤلاء الأخيرين وإلى العموم، وإلى من يبرر حصوله على الكريمات باسم الدين أكتب هذه الرسالة .
في بداية الاستقلال شمرت القوى الوطنية الحقيقية عن سواعدها،وشيدت مؤسسات اقتصادية عمومية ضخمة كان من المأمول أن تكون رافعة لاقتصاد قوي يدخل المغرب إلى عالم التصنيع والتكنولوجيا والبحث العلمي ، وقد صفق الشعب المغربي للقطاع العام بهذه الصفة والأهداف . ماذا حصل بعد التصفيق ؟ أصبحت مؤسساته مرتعا للمحسوبية والزبونية والاختلاس والتبذير والتواكل وكل الأمراض التي لا يمكن تخيلها . حار الشعب ، كيف يمكن أن تعالج هذه الأمراض ؟ أخرج دهاقنة الرأسمالية الحل من جعبة مدارسها : الخصخصة ، وتقاطرت على الصحافة عبارات القذف في القطاع العام وأصبحت كل تلك الأمراض الخطيرة التي هي نتيجة لسياسة مقصودة ، سببا في تفريخ التسيب والتواكل والاختلاس ... ولم تنقص الكثير من الحجج وقد صفق الكثير جدا من الشعب للخوصصة في إبانه متمنيا أن تتمكن البرجوازية من الخواص من أن تعيد للآقتصاد ديناميته التي فقدها ، بعد التصفيق ماذا حصل ؟ ضيع الشعب ثروته ولم يترسخ لا تقديس العمل على التواكل ولا تمكن المغرب من التصنيع والنمو .
بعد الاستقلال كانت بعض المعارك مطروحة بإلحاح منها استرجاع ما استولى عليه المعمرون من أراضي ومن مناجم وغيرها . وقد صفق الشعب لا سترجاع أراضي المعمرين كما صفق للمغربة ولنا الآن أن نتساءل أين هي هذه الأراضي وهل احترم في توزيعها مقاييس ذات طبيعة مجتمعية كما كان مطروحا في إبانه ؟ كان المطلب عودة الأراضي للشعب ليستفيد منها بأن يعود مردودها له هو وليس للأشخاص ؟ لا شئ من هذا حصل آلاف الهكتارات ضاع سبيلها واستولى عليها أشخاص والباقي للدولة قولا فقط والمردود كان للنهب . وقد صفق الشعب أيضا للمغربة ولما نفذت طهر فيما بعد أنها كانت لصالح محظوظين من الدولة ومن يدور في فلكها وحتى المعادن نفسها لم تسلم من نفس المصير ,
الثروة البحرية والفوسفاط والغابات ومقالع الرمال والغابات وكريمات النقل داخل المدن وخارجها لم يصفق لها أحد لأنه كان الشعب قد صفق لها ضمنا عندما حصل المغرب على الاستقلال معتقدا أن الشعب المغربي قد استرجع ثرواته التي كانت بيد الاستعمار ولكنه لم ينتبه إلى أن ذئابا بدأت تتسلل شيئا فشيئا إلى حظيرة الأغنام .
اليوم ينتظر الشعب المغربي أن يعاد النظر في هذا التاريخ الأسود .عن طريق ماذا ؟ عن طريق تحويل ما حصلت عليه أيادي قديمة بغير وجه حق إلى أيادي جديدة هي ضحايا السياسة الاقتصادية المتبعة من طرف الطبقة الحاكمة عبر التاريخ منذ الاستقلال . ونشر لائحة الكريمات الذي يصفق له البعض ليس هو هذا الهدف ، وقد يعطي انعكاسات قد تعرقل الهدف لأن اللائحة اعتبرت من طرف الرأي العام وحدة منسجمة . والحقيقة أن أصحاب الكريمات المعنيين من طرف الشعب ليس بعض العائلات الفقيرة والمعوزة ولكن أسماء ثقيلة حصلت على ما حصلت عليه في إطار نهب الثرة الوطنية وفق عطاء كمكافئة على خدمات سياسية وأمنية لقهر تطلعات الشعب .
لقد انبرى فقيه يدعي أنه عالم متبحر في الدين يؤسس للعطايا على أساس أن العطايا كانت أيام الرسول وأيام الخلفاء . وكثيرا ما قلنا أن العالم ليس هو الذي يدلنا على ما هو موجود في التاريخ الاسلامي وفي الكتب من أحداث ووقائع ومعاملات إن هذا معروف ومتاح الآن للجميع إن العالم هو الذي ينظر في الصالح العام في ما يفيده وما يضره عندما تتبدل الأحوال ويظهر أن ما كان صالحا في زمن مضى أصبح ضارا. إن العطايا من الحكام كانت في كل الحضارات القديمة للشرق الأوسط ومنها حضارة الفرس . وأن ما كانت تقدم منها العطايا في بداية الإسلام إنما هي غنائم الحرب والتي استمرت حتى في عهد الأمويين والعباسيين . لكن بعد توقف الحروب لم يبق إلا ما يستخلص من عمل المجتمع أي استخلاص جزء من الانتاج بطريقة عادية أو فيها عنف وهنا كان على العلماء ان ينظروا في هذا التحول الجديد ، إذ كيف يمكن للناس الذين يعملون أن يعيلوا أناسا آخرين قادرين على العمل ولكن لا يعملون هم عالة فقط وأكثر من هذا هم في غنى عن هذا . إن العاملين يتفهمون إعالة ذوي الحاجات الذين لا يستطيعون أن يعملوا لكن خارج هذا لا يمكن للمجتمع أن يتفهم انقسام المجتمع إلى قسم يعمل لكي يعول قسما آخر لا يعمل .
وحتى لا نغرق في التاريخ وما صادفه العلماء الحقيقيون من اضطهاد عندما تغيرت الأحوال وتوقفت الحروب والغنائم نورد هنا موقف عالم مغربي لم يتوف إلا في أوائل التسعينات على ما أذكر أو في نهاية الثمانينات وهو سي محمد الحبيب العالم السوسي الذي كان يتولى زاوية في جبل قرب تافراوت ، ومعروف أن هذا العالم كان قد شارك مع الهيبة وقد تجاوز العشرين سنة في الحملة الجهادية وكان هذا الشاب قد نصح الهيبة بعدم الإقامة في مراكش وانتظار الفرنسيين وإنما التقدم حالا إلى فاس لأن إقامة الجيش في مراكش سيخلق سخط أهل مراكش ولأنه سيجعل أفراد الجيش مصابين بحالة ارتخاء ولأن في فاس يسهل مواجهة الفرنسيين بجيوش جديدة من أهل قبائل زيان. ولكن الهيبة فضل البقاء . بيت القصيد مع هذا العالم أن الملك الحسن الثاني بعث إليه عدة موفدين في مناسبات كثيرة ليأخذ العالم عطية من الملك وكان يرد هؤلاء الموفدين ولا يقبل شيئا مع أن زاويته تضم طلابا يأكلون ويشربون ، يفدون من مختلف قبائل سوس . في زيارة للحسن الثاني لسوس أصر الملك أن يزور سي محمد الحبيب ويتبرك منه وقد بلغ إذاك المئة سنة وطرح علية ان يأخذ عطية ولم يقبل ولكن الملك ألح عليه وأمام إلحاح الملك أجابه رحمه الله : " إذا كان هناك مال متاح فأرجو أن تمد طريقا بين هذه الدواوير الجبلية المعزولة وبين تافراوت " هذا هو العالم الحقيقي الذي عرف التحول الذي حصل في المجتمع وبعلمه عرف أن الخبزة التي يخبزها الشعب بعرق جبينه هي خبزة صغيرة لا تتحمل العطايا الشخصية ولكن إذا فضل منها شئ يمكن أن تعود على ما فيه مصلحة عامة . رحم الله أمثال هؤلاء العلماء ووقانا من أدعياء العلم .
وعودة على بدء إن نشر لائحة الكريمات لا تساوي شيئا ، إن تلك الأسماء كانت معروفة من قديم لكن الشئ المهم هو أن تنزع هذه الكريمات من أصحابها وينزع كل ما أخذ في غيبة عن موافقة الشعب من أصحابه وأن تصحح بكل ذلك الاختلالات الفظيعة التي وقعت في المجتمع بسبب السياسة الاقتصادية القائمة على النهب والغصب .
إن السير على طريق تحضير قانون مبني على الشفافية وعلى دفتر التحملات وغير ذلك من الألاعيب الرأسمالية طريق جديد لنقل هذه الثروة من يد فاتها الزمن بعد أن قامت بدورها إلى يد جديدة خلقت لنفس المهام في ظروف جديدة والتي ستحصل على الثروة باسم القانون وبشفافية . إن هذا الطريق غير منصف وغير عادل إذ يجب أولا معالجة الظلم الذي حصل في المجتمع من خلال تدخل الدولة بدون عروض أثمان ولا سلفات من الأبناك وغير ذلك من التقنيات وعندما يعالج الاختلال إذاك يمكن أن تنظم الدولة ذلك بقانون الشفافية وعروض الأثمان .باسم الدولة أعطت ومنحت ليد واحدة وعلى مقاييس فاسدة وعليها الآن أن تعالج ما أفسدته بيدها وفي الدستور على علاته مواد تسمح للدولة للقيام بذلك
إن الشعب المغربي تعب من التصفيق وفي كل مرة تخيب آماله وتتبخر أحلامه ، لذلك على الشعب سواء في ما يتعلق بنشر لائحة الكريمات أو نشر جديد للائحة جديدة في مجالات أخرى ألا يصفقوا وعليه أن ينتظر حتى يحصل على شئ وهو حق له وأكثر من هذا أن يعض عليه بالنواجد وإذاك يمكنه أن يصفق ويزغرد حتى .
يزيد البركة
يزيد البركة
طرحت عدة أسئلة بعد أن نشر وزير النقل لائحة المستفيدين من كريمات النقل عبر المدن ، وإذا كان عاديا أن البعض عبر من خلال الأسئلة المطروحة عن تشاؤمه مما يمكن أن تؤول إليه هذه الخطوة ، فإن البعض الآخر اعتبرها خطوة مهمة تستحق التنويه .... إلى هؤلاء الأخيرين وإلى العموم، وإلى من يبرر حصوله على الكريمات باسم الدين أكتب هذه الرسالة .
في بداية الاستقلال شمرت القوى الوطنية الحقيقية عن سواعدها،وشيدت مؤسسات اقتصادية عمومية ضخمة كان من المأمول أن تكون رافعة لاقتصاد قوي يدخل المغرب إلى عالم التصنيع والتكنولوجيا والبحث العلمي ، وقد صفق الشعب المغربي للقطاع العام بهذه الصفة والأهداف . ماذا حصل بعد التصفيق ؟ أصبحت مؤسساته مرتعا للمحسوبية والزبونية والاختلاس والتبذير والتواكل وكل الأمراض التي لا يمكن تخيلها . حار الشعب ، كيف يمكن أن تعالج هذه الأمراض ؟ أخرج دهاقنة الرأسمالية الحل من جعبة مدارسها : الخصخصة ، وتقاطرت على الصحافة عبارات القذف في القطاع العام وأصبحت كل تلك الأمراض الخطيرة التي هي نتيجة لسياسة مقصودة ، سببا في تفريخ التسيب والتواكل والاختلاس ... ولم تنقص الكثير من الحجج وقد صفق الكثير جدا من الشعب للخوصصة في إبانه متمنيا أن تتمكن البرجوازية من الخواص من أن تعيد للآقتصاد ديناميته التي فقدها ، بعد التصفيق ماذا حصل ؟ ضيع الشعب ثروته ولم يترسخ لا تقديس العمل على التواكل ولا تمكن المغرب من التصنيع والنمو .
بعد الاستقلال كانت بعض المعارك مطروحة بإلحاح منها استرجاع ما استولى عليه المعمرون من أراضي ومن مناجم وغيرها . وقد صفق الشعب لا سترجاع أراضي المعمرين كما صفق للمغربة ولنا الآن أن نتساءل أين هي هذه الأراضي وهل احترم في توزيعها مقاييس ذات طبيعة مجتمعية كما كان مطروحا في إبانه ؟ كان المطلب عودة الأراضي للشعب ليستفيد منها بأن يعود مردودها له هو وليس للأشخاص ؟ لا شئ من هذا حصل آلاف الهكتارات ضاع سبيلها واستولى عليها أشخاص والباقي للدولة قولا فقط والمردود كان للنهب . وقد صفق الشعب أيضا للمغربة ولما نفذت طهر فيما بعد أنها كانت لصالح محظوظين من الدولة ومن يدور في فلكها وحتى المعادن نفسها لم تسلم من نفس المصير ,
الثروة البحرية والفوسفاط والغابات ومقالع الرمال والغابات وكريمات النقل داخل المدن وخارجها لم يصفق لها أحد لأنه كان الشعب قد صفق لها ضمنا عندما حصل المغرب على الاستقلال معتقدا أن الشعب المغربي قد استرجع ثرواته التي كانت بيد الاستعمار ولكنه لم ينتبه إلى أن ذئابا بدأت تتسلل شيئا فشيئا إلى حظيرة الأغنام .
اليوم ينتظر الشعب المغربي أن يعاد النظر في هذا التاريخ الأسود .عن طريق ماذا ؟ عن طريق تحويل ما حصلت عليه أيادي قديمة بغير وجه حق إلى أيادي جديدة هي ضحايا السياسة الاقتصادية المتبعة من طرف الطبقة الحاكمة عبر التاريخ منذ الاستقلال . ونشر لائحة الكريمات الذي يصفق له البعض ليس هو هذا الهدف ، وقد يعطي انعكاسات قد تعرقل الهدف لأن اللائحة اعتبرت من طرف الرأي العام وحدة منسجمة . والحقيقة أن أصحاب الكريمات المعنيين من طرف الشعب ليس بعض العائلات الفقيرة والمعوزة ولكن أسماء ثقيلة حصلت على ما حصلت عليه في إطار نهب الثرة الوطنية وفق عطاء كمكافئة على خدمات سياسية وأمنية لقهر تطلعات الشعب .
لقد انبرى فقيه يدعي أنه عالم متبحر في الدين يؤسس للعطايا على أساس أن العطايا كانت أيام الرسول وأيام الخلفاء . وكثيرا ما قلنا أن العالم ليس هو الذي يدلنا على ما هو موجود في التاريخ الاسلامي وفي الكتب من أحداث ووقائع ومعاملات إن هذا معروف ومتاح الآن للجميع إن العالم هو الذي ينظر في الصالح العام في ما يفيده وما يضره عندما تتبدل الأحوال ويظهر أن ما كان صالحا في زمن مضى أصبح ضارا. إن العطايا من الحكام كانت في كل الحضارات القديمة للشرق الأوسط ومنها حضارة الفرس . وأن ما كانت تقدم منها العطايا في بداية الإسلام إنما هي غنائم الحرب والتي استمرت حتى في عهد الأمويين والعباسيين . لكن بعد توقف الحروب لم يبق إلا ما يستخلص من عمل المجتمع أي استخلاص جزء من الانتاج بطريقة عادية أو فيها عنف وهنا كان على العلماء ان ينظروا في هذا التحول الجديد ، إذ كيف يمكن للناس الذين يعملون أن يعيلوا أناسا آخرين قادرين على العمل ولكن لا يعملون هم عالة فقط وأكثر من هذا هم في غنى عن هذا . إن العاملين يتفهمون إعالة ذوي الحاجات الذين لا يستطيعون أن يعملوا لكن خارج هذا لا يمكن للمجتمع أن يتفهم انقسام المجتمع إلى قسم يعمل لكي يعول قسما آخر لا يعمل .
وحتى لا نغرق في التاريخ وما صادفه العلماء الحقيقيون من اضطهاد عندما تغيرت الأحوال وتوقفت الحروب والغنائم نورد هنا موقف عالم مغربي لم يتوف إلا في أوائل التسعينات على ما أذكر أو في نهاية الثمانينات وهو سي محمد الحبيب العالم السوسي الذي كان يتولى زاوية في جبل قرب تافراوت ، ومعروف أن هذا العالم كان قد شارك مع الهيبة وقد تجاوز العشرين سنة في الحملة الجهادية وكان هذا الشاب قد نصح الهيبة بعدم الإقامة في مراكش وانتظار الفرنسيين وإنما التقدم حالا إلى فاس لأن إقامة الجيش في مراكش سيخلق سخط أهل مراكش ولأنه سيجعل أفراد الجيش مصابين بحالة ارتخاء ولأن في فاس يسهل مواجهة الفرنسيين بجيوش جديدة من أهل قبائل زيان. ولكن الهيبة فضل البقاء . بيت القصيد مع هذا العالم أن الملك الحسن الثاني بعث إليه عدة موفدين في مناسبات كثيرة ليأخذ العالم عطية من الملك وكان يرد هؤلاء الموفدين ولا يقبل شيئا مع أن زاويته تضم طلابا يأكلون ويشربون ، يفدون من مختلف قبائل سوس . في زيارة للحسن الثاني لسوس أصر الملك أن يزور سي محمد الحبيب ويتبرك منه وقد بلغ إذاك المئة سنة وطرح علية ان يأخذ عطية ولم يقبل ولكن الملك ألح عليه وأمام إلحاح الملك أجابه رحمه الله : " إذا كان هناك مال متاح فأرجو أن تمد طريقا بين هذه الدواوير الجبلية المعزولة وبين تافراوت " هذا هو العالم الحقيقي الذي عرف التحول الذي حصل في المجتمع وبعلمه عرف أن الخبزة التي يخبزها الشعب بعرق جبينه هي خبزة صغيرة لا تتحمل العطايا الشخصية ولكن إذا فضل منها شئ يمكن أن تعود على ما فيه مصلحة عامة . رحم الله أمثال هؤلاء العلماء ووقانا من أدعياء العلم .
وعودة على بدء إن نشر لائحة الكريمات لا تساوي شيئا ، إن تلك الأسماء كانت معروفة من قديم لكن الشئ المهم هو أن تنزع هذه الكريمات من أصحابها وينزع كل ما أخذ في غيبة عن موافقة الشعب من أصحابه وأن تصحح بكل ذلك الاختلالات الفظيعة التي وقعت في المجتمع بسبب السياسة الاقتصادية القائمة على النهب والغصب .
إن السير على طريق تحضير قانون مبني على الشفافية وعلى دفتر التحملات وغير ذلك من الألاعيب الرأسمالية طريق جديد لنقل هذه الثروة من يد فاتها الزمن بعد أن قامت بدورها إلى يد جديدة خلقت لنفس المهام في ظروف جديدة والتي ستحصل على الثروة باسم القانون وبشفافية . إن هذا الطريق غير منصف وغير عادل إذ يجب أولا معالجة الظلم الذي حصل في المجتمع من خلال تدخل الدولة بدون عروض أثمان ولا سلفات من الأبناك وغير ذلك من التقنيات وعندما يعالج الاختلال إذاك يمكن أن تنظم الدولة ذلك بقانون الشفافية وعروض الأثمان .باسم الدولة أعطت ومنحت ليد واحدة وعلى مقاييس فاسدة وعليها الآن أن تعالج ما أفسدته بيدها وفي الدستور على علاته مواد تسمح للدولة للقيام بذلك
إن الشعب المغربي تعب من التصفيق وفي كل مرة تخيب آماله وتتبخر أحلامه ، لذلك على الشعب سواء في ما يتعلق بنشر لائحة الكريمات أو نشر جديد للائحة جديدة في مجالات أخرى ألا يصفقوا وعليه أن ينتظر حتى يحصل على شئ وهو حق له وأكثر من هذا أن يعض عليه بالنواجد وإذاك يمكنه أن يصفق ويزغرد حتى .
يزيد البركة
رياضي- Admin
- عدد المساهمات : 3794
تاريخ التسجيل : 06/07/2010
- مساهمة رقم 7
رد: للمطالعة اليزيد البركة
Yazide Lbaraka
نص مداخلة يزيد البركة عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي في ندوة سياسية بمكناس من تنظيم التحالف اليساري الديمقراطي لمكناس يوم الجمعة 4 ماي تحت عنوان " الوضع السياسي الراهن ومهام المرحلة"
الوضع السياسي الراهن ومهام المرحلة
1- ملاحظة منهجية
عنوان اللقاء يفترض منهجيتين للتحليل ، الأولى مهام المرحلة في ...إطار الوضع السياسي الراهن ، ولكوننا في حزب الطليعة عقدنا مؤتمرنا الحزبي وخرجنا بتصوراتنا الاستراتيجية والمرحلية وانتخبنا الأجهزة الحزبية القيادية تضغط علي منهجية الانطلاق من الطرف الإيجابي في التناقض ،ومن خلاله أتناول التحديات المادية والسياسية والاجتماعية وطنيا وإقليميا . وتعرفون أن هذه المنهجية تعمل على تغيير الواقع انطلاقا من القوى الذاتية للمجتمع بغض النظر عن التحديات الخارجية . إذ أن الطرف الإيجابي في التناقض الداخلي هو الأساس في الصراع. غير أن عنوان اللقاء :الوضع السياسي الراهن يفترض أيضا فهم الواقع كما هو ، والقيام بمسح شامل وموضوعي للعوامل المؤثرة والمتداخلة في الواقع الحالي مع تناول منطقها الداخلي ، أي أن الحضور يريد مني أن يعرف قبل صياغة مهام المرحلة في بوتقة استراتيجية من طرف الحزب كيف يفكر هذا الحزب وكيف يفهم هذا الواقع الذي يسعى إلى تغييره . وهو واقع سريع التجدد ولكن مع ذلك تربطه خيوط جوهرية لا يمكن أن تتبدل بسرعة وكل شئ يجري وفق هذه الخيوط الجوهرية .
من هذا المنطلق سأعتمد منهجيتين الأولى تحليل للواقع من خلال استنطاق كافة العوامل المتشابكة وسأحصر هذا الواقع في المنطقة العربية والمغاربية التي عاشت وتعيش إرهاصات الديناميكية المجتمعية بأشكال متفاوتة وتناول منطقها الداخلي وليس وصف الأحداث والوقائع .والثانية في الأخير سأحلل طرف التناقض الإيجابي في مواجهة الطرف السالب القديم باستحضار استراتيجية الحزب التي خرج بها المؤتمر .
2- استراتيجية الدول الرأسمالية الكبرى
أن العالم الرأسمالي تعصف به من جهة أزمة عالمية تشتد مضاعفاتها السياسية والاقتصادية على دول المحيط ومن جهة أخري أزمات داخلية لكل بلد رأسمالي . وقد تشابكت الأزمات الداخلية لكل بلد مع الأزمة العالمية في بوتقة يصعب الخروج . إن الرأسمالية العامية تعمل على أن تكون الدول العربية والمغاربية أهم منطقة تؤدي فاتورات أزمة الرأسمالية نظرا لثرواتها ونظرا لتراجع قوى اليسار وقوى الديمقراطية أمام قوى لها مصالح مع الرأسمالية .
ولهذا ما تزال استرتيجية الشرق الأوسط الكبير،الإسم الذي تغير إلى الشرق الأوسط وشمال افريقيا استراتيجية قائمة مع تعرضها لعدة تجديدات يفرضها الوضع ، إنها الاستراتيجية المعتمدة من طرف الولايات المتحدة والدول الرأسمالية الكبرى. وأسباب بلورتها معلومة جيدا للعموم ومنها أنه في التسعينات كانت كل المؤشرات الأمنية والاقتصادية والسياسية وارتفاع وتيرة الصراعات الاجتماعية في الشرق الأوسط وشمال افريفيا تشير إلى أن المنطقة مقبلة على اضطرابات بالغة الحدة وقد تابعت المدارس الدراسية للرأسمالية هذه الارهاصات ورأت أنها ارهاصات ، قد تصيب مناطق قريبة وبعيدة بهذه العدوى لذا انكب الأكاديميون والمعاهد السياسية العليا في أمريكا للبحث عن المخارج الممكنة.
كان هذا التاريخ إلى 11سبتمبر 2001 أول مرحلة لأعداد المبادرة توجت بعدة لقاءات ونقاشات في الدار البيضاء 1994 وفي عمان 95 والقاهرة 97.
لكن أحداث سبتمبر عجلت من تسريع وتيرة العمل للدفع بالمبادرة ودخلت الإدارة الأمريكية بقوة لاعتمادها وإدخال بعض التطمينات اللفظية على المشروع لارضاء الدول العربية التي كانت متحفظة مثل مصر وتونس من ضمن التطمينات اللفظية : لا يمكن ولا يجب فرض التغيير من الخارج غير أنه يجب ألا يستثمر ذلك لإعاقة الاصلاح. وقدمت الولايات المتحدة المبادرة لمجموعة الثماني في سي أيلاند بولاية جورجيا في يونيو2004 . تقوم الاستراتيجية على ضرورة إحداث تغييرات جذرية وجوهرية في العالم العربي هذه التغييرات التي تتطلع إليها واشنطن لا تشمل فقط أساليب الحكم والممارسة الديموقراطية، بل أيضا أنظمة التعليم والعلاقات الاجتماعية بإصلاح وتلقيح الدول العربية والمغاربية بالديموقراطية وقيم العصر وهذا في نظر الإدارة الأمريكية سيؤدي ألى تلاشي الدول الشمولية وإلى تلاشي الإرهاب الأصولي وحل النزاعات الاقليمية وإلى توسع السوق .
تمكنت امريكا من جذب اهتمام شرائح هامة من الطبقات الوسطى وحتى من الكبرى من الناحية السياسية والفكرية ، وتمت ملاحظة انعطافة صغيرة عند الاتجاه الاسلامي في المنطقة العربية والمغاربية وأبدى تلهفا على الاستفادة من الدعم التقني واللغوي والاداري عن طريق البعثات وغيرها والابقاء على الذراغ الدعوي في كل قطر ومنطقة على حاله في مهاجمة قيم الغرب ولم ينحصر هذا التلهف في الاتجاه الاسلامي بل تعداه إلى شرائح من الطبقات الوسطى ذات التوجه الديمقراطي وحتى بعض من يحسب على ميولات يسارية. كان هذا أول لبنة لما نعيشه الآن .
اتضح في بداية الحملة الانتخابية لأوباما أن الإدارة الأمريكية ستدخل على الاستراتيجية بعض التغييرات إذا ما نجح أوباما . وفعلا لخص خطاب أوباما في القاهرة في 4 يونيو 2009 كل جوانبها وأعاد ترتيب الأولويات وحدد الهدف الاستراتيجي المرحلي
كان هذا الخطاب فاصلا ، الكثيرفي العالم العربي اعتبره كلاما فقط يحتاج إلى تطبيق وعبارة عن وعود لا غير لكن أصحاب هذا التحليل لم ينتبهوا إلى التغيير الذي جاء به الخطاب وهذه بعض الملاحظات التي لها علاقة بالموضوع
تم اختيار 2500 مدعو ومدعوة لحضور الخطاب منهم فقط من جماعة الاخوان المسلمين القياديين 12 قياديا من ضمنهم الكتاتيني رئيس مجلس النواب الحالي وقيادات طلابية وزعماء أحزاب صغيرة ذات توجهات ديمقراطية ليبرالية ، الجهة المكلفة بتوجيه الدعوات ليس الادارة المصرية وإنما جامعة الأزهر وجامعة القاهرة التي كان فيها اللقاء، كان أوباما منفردا في المنصة بدون مبارك، بدأ خطابه بالسلام عليكم باللغة العربية وأعقبها بآية اتقوا الله وقولوا قولا سديدا وجاء في الخطاب استشهاد باربع آيات أخرى من القرآن وقام بزيارة السلطان حسن بالقاهرة رفقة كلينتون التي ارتدت الحجاب
تناول في الخطاب الارهاب والسلاح النووي وركز على إيران وفلسطين واسرائيل والديمقراطية وحرية المعتقد وحقوق المرأة والتطور الاقتصادي للمنطقة لكن هذه القضايا كلها وضعها في إطار تصور محدد وبالأولويات ووفق خطة .أول ملاحظة أساسية ستطبع المرحلة اللاحقة بطابعها هي أنه لم يجمع الاسلام كدين في سلة واحد كما كان يفعل بوش ولكنه خطب ود ما يسميه بالاسلام المعتدل والذي يهمه في هذا الاعتدال ليس الايمان بالديمقراطية ولا حقوق المرأة ولكن ما يهمه هو ألا ينخرط في العنف أي الارهاب وأن يكون واضحا ومستعدا للتعاون ضده . النقطة الثانية أنه جمع إيران والإرهاب في خانة واحدة . النقطة الثالثة أن قضية فلسطين والعلاقة مع اسرائيل تحتاج إلى الديمقراطية في المنطقة أي القيام باصلاحات مستعجلة وحتى التطور الاقتصادي يتوقف على هذا الاصلاح .
إذن الخطة الجديدة والتي تطبق الآن هي ترتيب الاوضاع عربيا ومغاربيا كخطوة أولى نحو الهدف الاستراتيجي المرحلي وهو إيران وبؤر الارهاب . لماذا هدف استراتيجي مرحلى لأن استراتيجية الشرق الاوسط وشمال افريقيا في ابعادها السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية حسب مخطط أمريكا تحتاج إلى استقرار وبالنسبة للولايات المتحدة ومعها القوى الرأسمالية الكبرى لا يمكن أن يتم إلا بالقضاء على إيران والارهاب ولواحق إيران
من يمكن أن يساعد على تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي المرحلي في المنطقة العربية والمغاربية ؟
إن هذا الهدف في الحقيقة اقليمي وهو أيضا دولي . من يستطيع أن يساعد أو يحبط هذه الاستراتيجية ؟إنه التنظيم الذي له بعدا اقليميا ودوليا ؟ لقد فقد اليساريون في الستينات هذا البعد والشيوعيون المنظمون من قبل وبعده بقليل تنظيميا دوليا وإقليميا فقدوا أيضا هذا التأثير . لقد تهاوى الدور الاقليمي والدولي لكلا الاتجاهين وصعد التيار الاسلامي وأصبح بتأثير قوي اقليميا ودوليا. أمريكا في حاجة إلى من يواجه هدفين يحملان وجها دينيا إيران ذات التوجه الشيعي ومعها حزب الله وغيره من الجيوب في اليمن وبعض مناطق الجزيرة العربية والقاعدة ذات التوجه السلفي المتشدد الذي تربطها بقوى الشيعة المتشددة روابط قوية . من هنا التركيز كان على التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وكل التنظيمات القطرية التي ترتبط به أحيانا بشكل غير تنظيمي ولكن بالتوجه الفكري والسياسي
بعد الخطاب تسارعت خطوات اللقاءات وتبادل الزيارات ، لكن كل هذا لم يتوقف من قبل ولكن كان يتم باشراف الجامعات والمعاهد والمراكز الدراسية لكن الادارة دخلت بقوة منذ خطاب أوباما.
جاء الربيع الديمقراطي في المنطقة نابعا من الشباب وليس من التيارات الاسلامية التي يظهر على أنها أخذت على غرة في البداية، ولكن الجهة الوحيدة المنظمة جيدا والمؤثرة هي هذه وسرعان ما تمالكت نفسها وخرجت من الحيرة وتحركت في وسط متسم ب :
1- غياب طبقة قائدة في المنطقة وفي كل مجتمع من مجتمعاتها .كانت البرجوازية الصغيرة هي قائدة الصراع منذ الخمسيات حتى السبعيات حيث بدأ يدب فيها الوهن والتخبط والانقسام
2- الطبقة العاملة موزعة فكريا وسياسيا وتنظيميا على شرائح من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة
3 شرائح من الطبقات الوسطى موجودة في الساحة تغلب عليها الرؤية الدينية للمجتمع المقبل وتعادي الديمقراطية . أما الاتجاهات الليبرالية والديمقراطية فيها فهي ضعيفة
ما أن استعاد الاتجاه الاسلامي نفسه في مصر وهو قطب الرحى حتى بدأت تظهر علامات ومؤشرات التدخلات الأجنبية بلغت حدا مفضوحا في ليبيا . وفي ما بعد اليمن وسوريا . وهنا لابد من توضيح فكرة: بعض اليساريين يقولون إن الغرب متدخل في سوريا ولهذا يجب على اليساري الوقوف إلى جانب النظام أو أن يرفع يده والا يشارك في النضال الشعبي المنطلق إذ أن النتيجة محسومة لصالح الغرب ولصالح الاتجاهات الاسلامية وأن المآل هو لصالح اسرائيل وأمريكا.لكن ما هو الموقف الصحيح من ثلاثة مواقف مطروحة؟ وهي 1- تأييد النظام ضد الشعب الذي اصطف في غالبيته في خندق واحد 2- المشاركة في النضال مع الشعب وضد النظام 3- أن يرفع اليد ويسلك مسلك الحياد.
لا يمكن لليساري إلآ أن يكون إلى جانب الشعب لأنه بغالبيته في صف ضد النظام وهذا يمكن الاتجاه اليساري المعادي للرأسمالية وللتصورات والمشاريع النكوصية من أن تكون الخسائر وسط الشعب قليلة وكذلك إذا لم تتمكن الديمقراطية من الانتصار العمل على توعية الشعب بأخطار النظام الذي سيخرج من الرحم وأكيد أن الشعب سيستمع للذي كان معه في الخندق وليس لأي آخر فضل الوقوف مع النظام أو فضل الحياد.
إن الذي سيشارك يمكن أن يخسر ويمكن أن ينجح لأنه واقف على أرضية شعبية تمكنه من الاستمرار أما الذي لم يشارك فهو خاسر في كل الأحوال.
في كل هذه البلدان مصر تونس اليمن لم تنجح فيها الثورة بالمعنى العلمي للكلمة ذهب الحاكم وأحيانا العائلة ولكن أن تصعد طبقة جديدة بمصالح جديدة هذا لم يحصل . ماذا جرى في البلدان الثلاثة ؟ لقد تراجعت أطراف من الدولة إلى خندق الأجهزة العسكرية والأمنية الكبرى وتحركت سياسيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فيما يشبه سيناريو محبوك . في ليبيا الوضع مختلف بسبب التدخل العسكري للناتو وكان قد حصل في البداية نفس السيناريو مثل مصر واليمن وتونس ، ولكن لم تقتنع القوى الخارجية باقتسام الحكم مع بقايا النظام وحتى مع من التحق بالثورة.
لا يمكن أن نحكم هكذا على أن أي معركة تدخل فيها الأجنبي يجب على اليساري أن ينفض يده منها . إن القوى الأجنبية تتدخل دائما في معارك من هذا النوع لأن هناك اصطدام بين مصالحها ومصالح الشعوب . من السذاجة السياسية القول ان المواجهات التي تحصل في العالم بين قوى التقدم وقوي السيطرة والتراجع غائبة عنها الرأسمالية العالمية . إن جميع أدوات الامبريالية حاضرة بتفاوت في الأحداث السياسية التي جرت وما تزال تجري ولكن هذا لا يعفي القوى اليسارية والديمقراطية من الانخراط في المعركة ورسم طريقها الواضح للشعب عن الاتجاهات التراجعية وعن الاتجاهات التي تلعب في مربع القوى الأجنبية، إن المحدد الذي يفرض نفسه هو ماذا يريد الشعب وما هي أولوياته وإذا كان هناك أخطار يجب العمل من خلال الانخراظ في النضال على تجنيب الشعب منها .
إن صنع المستقبل في أي مجتمع يخضع لميزان القوى في كل فترة قصيرة وهو يصنع باستمرار . لو كان البلاشفة انطلقوا عندما شبت الثورة من أن هيمنة المناشفة كانت كاسحة لما صنعوا تاريخا . ولكن رغم أن الثورة كانت بورجوازية قلبوا بسرعة هيمنة البرجوازية على الحياة السياسية والتنظيمية لصالحهم من خلال فضح التوجهات المصلحية لها بسرعة والتي بدأت تتأكد يوميا أمام الشعب . هكذا يتم ديالكتيك الصراع السياسي . إن القوى التي لم تشارك في الثورة لم يستمع لها الشعب الروسي ، لقد استمع فقط للمناشفة والبلاشفة وبعض التيارات الثورية الصغيرة ولما تمت الثورة وأمام اختلاف المواقع استمع للبلاشفة.
إن المستقبل في سوريا لمن استطاع أن يشق طريقه بعيدا عن النظام وعن القوى الأجنبية ولكن النجاح القريب هو للقوى التي تلعب اللعبة الأجنبية أو خراب المنطقة بكاملها. لقد وصل الوضع إلى درجة من الخطورة لم يعد أحد قادر على أن يتراجع ولو قليلا . دول الخليج تعرف ان مستقبلها سيهتز إذا نجا نظام الأسد ولكن تعرف أيضا أن التدخل سيحرك كل جيوب إيران في المنطقة إن المسألة تحمل إرهاصات قوية لبدء المعركة مع إيران . وما يؤشر على هذا هو أن الاتجاهات السلفية التي توجد في العالم العربي والمغاربي في نصف سلطة الدولة ومع قوى الدول الخليجية ومع شيئا ما تركيا تدفع القوى القديمة العسكرية في تونس ومصر واليمن للإصطفاف إلى جانب التدخل الأجنبي . إن القوى الديمقراطية واليسارية البعيدة عن هذا لم ترسم بعد طريقها الواضح للشعب السوري وكلما انتظرت سيكون ذلك على حساب الشعب السوري ومستقبل اليسار في سوريا أيضا.
3- في المغرب
في الخطوط العامة لا يختلف المغرب عن باقي الدول في الدوافع الكامنة التي حركت الشباب في غياب طبقة قائدة ولا في تنوع المشارب الطبقية للشباب القائد للحراك ولا في وجود تنظيم اسلامي مؤثر له علاقات إقليمية ودولية بالرغم من تنوع في تنظيماته مثل باقي الدول الأخرى يسار بدون بعد دولي منظم وهو مختلف ومشتت لكن في المغرب حصلت بعض الاختلافات مع باقي الدول الأخرى .
- أولا سرعة النظام في ترجمة هدف الادارة الأمريكية على أرض الواقع وابداء روح رياضية للتعامل مع هذا المعطى وعن طريق هذا تحييد الآلة الضخمة للإعلام الدولي
- ثانيا تحييد النقابات من الصراع ثالثا دغدغة عواطف العاطلين وذوي الحاجات الخاصة
- رابعا طرح حلول وسطى للقوى التي أصرت على مواصلة الحراك مع القيام ببعض التكتيكات للمناوشة واتعاب الشارع
هل انتهى الأمر وكل واحد رجع إلى بيته يحصي الخسائر والأرباح ؟ لا الأمر ليس بمثل ما قال عبد العروي أصوات 20 فبراير ذهبت أدراج الرياح ؟ ليس هذا تاريخا ولا سياسة ولا فلسفة .
التاريخ فيه مسار تاريخي يعرف التراجعات ويعرف التقدم ويعرف الانحراف قليلا عن التقدم ويعرف بعض ما يبدو سكونا ولكنه هو أيضا مسار منطقي يمشى في نهاية المطاف نحو الأمام في خط مستقيم ، والتاريخي والمنطقي في علاقة جدلية يستدعي الواحد الآخر وحتى في التراجعات والفشل هناك قوى تدفع إلى العودة إلى الخط المستقيم للتطور .
لنبدأ بأسوأ السيناريوهات: فشل الحراك وسيكون ذلك تراجعا حتى تتضح فكرة المسارين في التاريخ . ماذا سيحصل إذا فشلت 20 فبراير ؟ ولنقارن بفشل شباب 23 مارس 1965 ماذا أدى له فشل المظاهرات . ذلك الشباب هو الذي طبع عشر سنوات من الصراع من 65 إلى 75 وهذه مرحلة صعبة في الصراع وهو صراع حاضر بقوة في المرحلة الثانية من 75 إلى حكومة التناوب بأشكال جديدة لم يتوقف الصراع وسار منطقيا في خط مستقيم رغم المنعرجات على أكتاف أولائك الشباب قامت كل التراكمات النضالية التي استمرت بنجاحاتها واخفاقاتها وهوالشباب الذي ربى شباب جديد على الانخراط في المعارك فجاءت 79 ثم 81 ثم 84 ثم 91 انتهت التراكمات في 98 وانجرت قوى كانت في صف لتأخذ صفا جديدا ولكن لم يتوقف التاريخ وبدأت مرحلة جديدة من التراكمات يظهر كما لو أنها من الصفر إلى أن جاءت 20 فبراير فسرعت من الزمن النضالي وقفزت به إلى مراتب أقوى مما كان في التسعينات، علينا من الآن أن نطرح أسئلة حول هؤلاء الشباب الذين يحملون حلما كبيرا لم يتحقق بعد إذا فشلوا ما ذا سيكون عليه الحال هذه حو التاريخ الحقيقي وليس إصدار أحكام تفوح بعطر الانتهازية .
لكن الأمر بعيد عن الفشل أمامنا دستور جديد لم يحقق الديمقراطية التي يكون فيها الشعب المصدر الوحيد للسلطة ولكن فيه انتصارات لا يمكن أن ننكرها . لدينا حكومة جديدة صعدت إلى السلطة وهذه الحكومة تمثل مصالح ملموسة تتداخل مع مصالح التكتل الطبقي الحاكم ولكن تتعارض أيضا، وتعارضها أو تتداخلها كل ذلك في إطار التصور الرأسمالي ذي الطبيعة التبعية وكذلك الطفيلية . إذن نحن أمام واقع جديد وقد وعي الشباب هذا التحول بسرعة ويتعاملون معه بنوع من الذكاء السياسي . لقد أصبح القضاء على الفساد مسألة لا يمكن لأي حكومة جاءت ألا تتعامل معها بجدية وكذلك مكتسبات الشارع في التظاهر لا يمكن تصور الخسارة السياسية للنظام إذا ما حاول أن يقضي على التظاهر السلمي .
الحكومة والتكتل الطبقي لهما مصالح مشتركة وفي نفس الوقت مختلفة . التكتل الطبقي لا يرغب أن تفشل الحكومة ويظهر عجزها لا إقليميا ولا دوليا ولا وطنيا ولكن أيضا لن يسمح لها أن تتبوأ مصالح طبقية من خلال الحكومة . الحكومة بزعامة العدالة والتنمية تعرف الفاتورة التي ستقدمها اقليميا إذا نشبت الحرب مع إيران وتعرف ما ستقدمه في محاربة الارهاب ولكن هي تطمح أن تكون قوية عندما تنشب الحرب ولهذا فضلت أن تكون داعية إلى تجميع كل قوى السلفية بما فيهم من كان داعيا ومحرضا على التكفير وكل أشكال التحريض . هي تعرف أن الشعب المغربي لن ينحاز بالسهولة التي يعتقدها البعض ليكون في صف تدمير إيران . وإذا طالت الحرب سينقلب كل شئ في المنطقة . وإذا ما نجحت الامبريالية في الحرب فإن العدالة والتنمية يعرف أنه ضامن للبقاء في الحكومة لمدة طويلة جدا غير مرئية. ولكن هو أيضا لا يريد فقط تدبير السلطة إنه يمثل شرائح من الطبقات الوسطى ويريد أن يستفيد قبل أي تقديم لثمن الفاتورات .ويعرف أن فشل أمريكا هو فشل لكل مشروع التوجه الاسلامي ولهذا فإن احتمالات المستقبل القريب على كف عفريت
انعقد المؤتمر السابع للحزب وناقش عدة مواضيع أساسية وأخذ بعين الاعتبار جوانب من النقص الذي يعاني منه وأخذ العبرة من عدم القدرة على أن لا يحسم الحراك الشعبي المعركة لصالح القوى الشعبية بشكل كبير .
أهم ما خرج به المؤتمر على مستوى الأهداف: الدولة الوطنية الديمقراطية ووضح سماتها وعناصرها . طبعا الدولة لها شكل ومضمون ولهذا ، في المضمون يصر الحزب على أن تكون الديمقراطية الحقيقية عنوان لهذا المضمون وأن يكون الشعب هو مصدر السلطة وأن تكون الدولة دولة حقوق الانسان في كل أبعادها . على مستوى الشكل أن يكون شكل الدولة ملكية برلمانية بتصور ما بلغته الشعوب مؤخرا إن لم يكن أحسن .
من أجل تحقيق هذا الهدف يجب العمل على إحداث تغيير في ميزان القوى أي تكوين جبهة وطنية واسعة تضم إلى جانب الأحزاب اليسارية والديمقراطية النقابات المركزية المناضلة والجمعيات الوطنية الديمقراطية الحقوقية والنسائية والاجتماعية وكذلك المنظمات الشبيبية . إن الوضع الجديد في المغرب والمتسم بإضافة حليف جديد إلى التكتل الطبقي السائد يحتم على جميع الديمقراطيين واليساريين والحداثيين وحتى جزء من القوى اللبيرالية أن تشكل قطبا قويا من أجل الديمقراطية ومن أجل العدالة الاجتماعية .. إن الجبهة الوطنية الواسعة أمام واقع الحال في الصراع هي الآلية الوحيدة القادرة على أن تحدث تغيرا في ميزان القوى .
الشئ الثاني هو العمل على أن ترى الجبهة اليسارية العربية النور بسرعة قبل بداية العد العكسي لمخطط الامبريالية القادم لأن استراتيجية قوى الرأسمالية وحلفاءها تمتد بقوة إلى صراعنا الداخلي وتؤثر فيه سلبا ثالثا تكوين جبهة يسارية عالميا تبدأ أولا بحوض البحر الأبيض المتوسط وأوروبا لتنتشر وتصبح جبهة عالمية ضد الامبريالية لنقل الصراع إلى عقر دارها كما كان عليه اليسار في الستينات والسبعينات .
بالنسبة للجبهة الوطنية الديمقراطية أكد المؤتمر على أن الحزب سيعمل على أساس الوصول إلى برنامج حد أدنى لهذه الجبهة يأخذ بعين الاعتبار مختلف التوجهات وليس له إلا طموح واحد هو أن يلتف الجميع على هدف الديمقراطية وعلى المطالب المستعجلة المطروحة في الشارع والتي يحملها الشباب. إن برنامجا في حده الأدنى هو الذي سيعطي نفسا قويا للحراك السياسي والاجتماعي للشباب .
لقد انخرطنا في التحالف الديمقراطي منذ مدة وخضنا معارك كثيرة انخرطنا بقوة في الحراك الشعبي وفق تصور موحد ، التحالف له برنامج وله أهداف محددة ونفس الأمر وحسب وثائقه ليس منغلقا وليس تحالفا يقصي، إن التحالف يسعى إلى تراص قوي لكل القوى المناضلة من أجل الديمقراطية ولهذا فهو مع التجميع نحو أهداف محددة وملموسة تستجيب لمطالب الطبقات الشعبية حسب الأولويات.
نص مداخلة يزيد البركة عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي في ندوة سياسية بمكناس من تنظيم التحالف اليساري الديمقراطي لمكناس يوم الجمعة 4 ماي تحت عنوان " الوضع السياسي الراهن ومهام المرحلة"
الوضع السياسي الراهن ومهام المرحلة
1- ملاحظة منهجية
عنوان اللقاء يفترض منهجيتين للتحليل ، الأولى مهام المرحلة في ...إطار الوضع السياسي الراهن ، ولكوننا في حزب الطليعة عقدنا مؤتمرنا الحزبي وخرجنا بتصوراتنا الاستراتيجية والمرحلية وانتخبنا الأجهزة الحزبية القيادية تضغط علي منهجية الانطلاق من الطرف الإيجابي في التناقض ،ومن خلاله أتناول التحديات المادية والسياسية والاجتماعية وطنيا وإقليميا . وتعرفون أن هذه المنهجية تعمل على تغيير الواقع انطلاقا من القوى الذاتية للمجتمع بغض النظر عن التحديات الخارجية . إذ أن الطرف الإيجابي في التناقض الداخلي هو الأساس في الصراع. غير أن عنوان اللقاء :الوضع السياسي الراهن يفترض أيضا فهم الواقع كما هو ، والقيام بمسح شامل وموضوعي للعوامل المؤثرة والمتداخلة في الواقع الحالي مع تناول منطقها الداخلي ، أي أن الحضور يريد مني أن يعرف قبل صياغة مهام المرحلة في بوتقة استراتيجية من طرف الحزب كيف يفكر هذا الحزب وكيف يفهم هذا الواقع الذي يسعى إلى تغييره . وهو واقع سريع التجدد ولكن مع ذلك تربطه خيوط جوهرية لا يمكن أن تتبدل بسرعة وكل شئ يجري وفق هذه الخيوط الجوهرية .
من هذا المنطلق سأعتمد منهجيتين الأولى تحليل للواقع من خلال استنطاق كافة العوامل المتشابكة وسأحصر هذا الواقع في المنطقة العربية والمغاربية التي عاشت وتعيش إرهاصات الديناميكية المجتمعية بأشكال متفاوتة وتناول منطقها الداخلي وليس وصف الأحداث والوقائع .والثانية في الأخير سأحلل طرف التناقض الإيجابي في مواجهة الطرف السالب القديم باستحضار استراتيجية الحزب التي خرج بها المؤتمر .
2- استراتيجية الدول الرأسمالية الكبرى
أن العالم الرأسمالي تعصف به من جهة أزمة عالمية تشتد مضاعفاتها السياسية والاقتصادية على دول المحيط ومن جهة أخري أزمات داخلية لكل بلد رأسمالي . وقد تشابكت الأزمات الداخلية لكل بلد مع الأزمة العالمية في بوتقة يصعب الخروج . إن الرأسمالية العامية تعمل على أن تكون الدول العربية والمغاربية أهم منطقة تؤدي فاتورات أزمة الرأسمالية نظرا لثرواتها ونظرا لتراجع قوى اليسار وقوى الديمقراطية أمام قوى لها مصالح مع الرأسمالية .
ولهذا ما تزال استرتيجية الشرق الأوسط الكبير،الإسم الذي تغير إلى الشرق الأوسط وشمال افريقيا استراتيجية قائمة مع تعرضها لعدة تجديدات يفرضها الوضع ، إنها الاستراتيجية المعتمدة من طرف الولايات المتحدة والدول الرأسمالية الكبرى. وأسباب بلورتها معلومة جيدا للعموم ومنها أنه في التسعينات كانت كل المؤشرات الأمنية والاقتصادية والسياسية وارتفاع وتيرة الصراعات الاجتماعية في الشرق الأوسط وشمال افريفيا تشير إلى أن المنطقة مقبلة على اضطرابات بالغة الحدة وقد تابعت المدارس الدراسية للرأسمالية هذه الارهاصات ورأت أنها ارهاصات ، قد تصيب مناطق قريبة وبعيدة بهذه العدوى لذا انكب الأكاديميون والمعاهد السياسية العليا في أمريكا للبحث عن المخارج الممكنة.
كان هذا التاريخ إلى 11سبتمبر 2001 أول مرحلة لأعداد المبادرة توجت بعدة لقاءات ونقاشات في الدار البيضاء 1994 وفي عمان 95 والقاهرة 97.
لكن أحداث سبتمبر عجلت من تسريع وتيرة العمل للدفع بالمبادرة ودخلت الإدارة الأمريكية بقوة لاعتمادها وإدخال بعض التطمينات اللفظية على المشروع لارضاء الدول العربية التي كانت متحفظة مثل مصر وتونس من ضمن التطمينات اللفظية : لا يمكن ولا يجب فرض التغيير من الخارج غير أنه يجب ألا يستثمر ذلك لإعاقة الاصلاح. وقدمت الولايات المتحدة المبادرة لمجموعة الثماني في سي أيلاند بولاية جورجيا في يونيو2004 . تقوم الاستراتيجية على ضرورة إحداث تغييرات جذرية وجوهرية في العالم العربي هذه التغييرات التي تتطلع إليها واشنطن لا تشمل فقط أساليب الحكم والممارسة الديموقراطية، بل أيضا أنظمة التعليم والعلاقات الاجتماعية بإصلاح وتلقيح الدول العربية والمغاربية بالديموقراطية وقيم العصر وهذا في نظر الإدارة الأمريكية سيؤدي ألى تلاشي الدول الشمولية وإلى تلاشي الإرهاب الأصولي وحل النزاعات الاقليمية وإلى توسع السوق .
تمكنت امريكا من جذب اهتمام شرائح هامة من الطبقات الوسطى وحتى من الكبرى من الناحية السياسية والفكرية ، وتمت ملاحظة انعطافة صغيرة عند الاتجاه الاسلامي في المنطقة العربية والمغاربية وأبدى تلهفا على الاستفادة من الدعم التقني واللغوي والاداري عن طريق البعثات وغيرها والابقاء على الذراغ الدعوي في كل قطر ومنطقة على حاله في مهاجمة قيم الغرب ولم ينحصر هذا التلهف في الاتجاه الاسلامي بل تعداه إلى شرائح من الطبقات الوسطى ذات التوجه الديمقراطي وحتى بعض من يحسب على ميولات يسارية. كان هذا أول لبنة لما نعيشه الآن .
اتضح في بداية الحملة الانتخابية لأوباما أن الإدارة الأمريكية ستدخل على الاستراتيجية بعض التغييرات إذا ما نجح أوباما . وفعلا لخص خطاب أوباما في القاهرة في 4 يونيو 2009 كل جوانبها وأعاد ترتيب الأولويات وحدد الهدف الاستراتيجي المرحلي
كان هذا الخطاب فاصلا ، الكثيرفي العالم العربي اعتبره كلاما فقط يحتاج إلى تطبيق وعبارة عن وعود لا غير لكن أصحاب هذا التحليل لم ينتبهوا إلى التغيير الذي جاء به الخطاب وهذه بعض الملاحظات التي لها علاقة بالموضوع
تم اختيار 2500 مدعو ومدعوة لحضور الخطاب منهم فقط من جماعة الاخوان المسلمين القياديين 12 قياديا من ضمنهم الكتاتيني رئيس مجلس النواب الحالي وقيادات طلابية وزعماء أحزاب صغيرة ذات توجهات ديمقراطية ليبرالية ، الجهة المكلفة بتوجيه الدعوات ليس الادارة المصرية وإنما جامعة الأزهر وجامعة القاهرة التي كان فيها اللقاء، كان أوباما منفردا في المنصة بدون مبارك، بدأ خطابه بالسلام عليكم باللغة العربية وأعقبها بآية اتقوا الله وقولوا قولا سديدا وجاء في الخطاب استشهاد باربع آيات أخرى من القرآن وقام بزيارة السلطان حسن بالقاهرة رفقة كلينتون التي ارتدت الحجاب
تناول في الخطاب الارهاب والسلاح النووي وركز على إيران وفلسطين واسرائيل والديمقراطية وحرية المعتقد وحقوق المرأة والتطور الاقتصادي للمنطقة لكن هذه القضايا كلها وضعها في إطار تصور محدد وبالأولويات ووفق خطة .أول ملاحظة أساسية ستطبع المرحلة اللاحقة بطابعها هي أنه لم يجمع الاسلام كدين في سلة واحد كما كان يفعل بوش ولكنه خطب ود ما يسميه بالاسلام المعتدل والذي يهمه في هذا الاعتدال ليس الايمان بالديمقراطية ولا حقوق المرأة ولكن ما يهمه هو ألا ينخرط في العنف أي الارهاب وأن يكون واضحا ومستعدا للتعاون ضده . النقطة الثانية أنه جمع إيران والإرهاب في خانة واحدة . النقطة الثالثة أن قضية فلسطين والعلاقة مع اسرائيل تحتاج إلى الديمقراطية في المنطقة أي القيام باصلاحات مستعجلة وحتى التطور الاقتصادي يتوقف على هذا الاصلاح .
إذن الخطة الجديدة والتي تطبق الآن هي ترتيب الاوضاع عربيا ومغاربيا كخطوة أولى نحو الهدف الاستراتيجي المرحلي وهو إيران وبؤر الارهاب . لماذا هدف استراتيجي مرحلى لأن استراتيجية الشرق الاوسط وشمال افريقيا في ابعادها السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية حسب مخطط أمريكا تحتاج إلى استقرار وبالنسبة للولايات المتحدة ومعها القوى الرأسمالية الكبرى لا يمكن أن يتم إلا بالقضاء على إيران والارهاب ولواحق إيران
من يمكن أن يساعد على تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي المرحلي في المنطقة العربية والمغاربية ؟
إن هذا الهدف في الحقيقة اقليمي وهو أيضا دولي . من يستطيع أن يساعد أو يحبط هذه الاستراتيجية ؟إنه التنظيم الذي له بعدا اقليميا ودوليا ؟ لقد فقد اليساريون في الستينات هذا البعد والشيوعيون المنظمون من قبل وبعده بقليل تنظيميا دوليا وإقليميا فقدوا أيضا هذا التأثير . لقد تهاوى الدور الاقليمي والدولي لكلا الاتجاهين وصعد التيار الاسلامي وأصبح بتأثير قوي اقليميا ودوليا. أمريكا في حاجة إلى من يواجه هدفين يحملان وجها دينيا إيران ذات التوجه الشيعي ومعها حزب الله وغيره من الجيوب في اليمن وبعض مناطق الجزيرة العربية والقاعدة ذات التوجه السلفي المتشدد الذي تربطها بقوى الشيعة المتشددة روابط قوية . من هنا التركيز كان على التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وكل التنظيمات القطرية التي ترتبط به أحيانا بشكل غير تنظيمي ولكن بالتوجه الفكري والسياسي
بعد الخطاب تسارعت خطوات اللقاءات وتبادل الزيارات ، لكن كل هذا لم يتوقف من قبل ولكن كان يتم باشراف الجامعات والمعاهد والمراكز الدراسية لكن الادارة دخلت بقوة منذ خطاب أوباما.
جاء الربيع الديمقراطي في المنطقة نابعا من الشباب وليس من التيارات الاسلامية التي يظهر على أنها أخذت على غرة في البداية، ولكن الجهة الوحيدة المنظمة جيدا والمؤثرة هي هذه وسرعان ما تمالكت نفسها وخرجت من الحيرة وتحركت في وسط متسم ب :
1- غياب طبقة قائدة في المنطقة وفي كل مجتمع من مجتمعاتها .كانت البرجوازية الصغيرة هي قائدة الصراع منذ الخمسيات حتى السبعيات حيث بدأ يدب فيها الوهن والتخبط والانقسام
2- الطبقة العاملة موزعة فكريا وسياسيا وتنظيميا على شرائح من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة
3 شرائح من الطبقات الوسطى موجودة في الساحة تغلب عليها الرؤية الدينية للمجتمع المقبل وتعادي الديمقراطية . أما الاتجاهات الليبرالية والديمقراطية فيها فهي ضعيفة
ما أن استعاد الاتجاه الاسلامي نفسه في مصر وهو قطب الرحى حتى بدأت تظهر علامات ومؤشرات التدخلات الأجنبية بلغت حدا مفضوحا في ليبيا . وفي ما بعد اليمن وسوريا . وهنا لابد من توضيح فكرة: بعض اليساريين يقولون إن الغرب متدخل في سوريا ولهذا يجب على اليساري الوقوف إلى جانب النظام أو أن يرفع يده والا يشارك في النضال الشعبي المنطلق إذ أن النتيجة محسومة لصالح الغرب ولصالح الاتجاهات الاسلامية وأن المآل هو لصالح اسرائيل وأمريكا.لكن ما هو الموقف الصحيح من ثلاثة مواقف مطروحة؟ وهي 1- تأييد النظام ضد الشعب الذي اصطف في غالبيته في خندق واحد 2- المشاركة في النضال مع الشعب وضد النظام 3- أن يرفع اليد ويسلك مسلك الحياد.
لا يمكن لليساري إلآ أن يكون إلى جانب الشعب لأنه بغالبيته في صف ضد النظام وهذا يمكن الاتجاه اليساري المعادي للرأسمالية وللتصورات والمشاريع النكوصية من أن تكون الخسائر وسط الشعب قليلة وكذلك إذا لم تتمكن الديمقراطية من الانتصار العمل على توعية الشعب بأخطار النظام الذي سيخرج من الرحم وأكيد أن الشعب سيستمع للذي كان معه في الخندق وليس لأي آخر فضل الوقوف مع النظام أو فضل الحياد.
إن الذي سيشارك يمكن أن يخسر ويمكن أن ينجح لأنه واقف على أرضية شعبية تمكنه من الاستمرار أما الذي لم يشارك فهو خاسر في كل الأحوال.
في كل هذه البلدان مصر تونس اليمن لم تنجح فيها الثورة بالمعنى العلمي للكلمة ذهب الحاكم وأحيانا العائلة ولكن أن تصعد طبقة جديدة بمصالح جديدة هذا لم يحصل . ماذا جرى في البلدان الثلاثة ؟ لقد تراجعت أطراف من الدولة إلى خندق الأجهزة العسكرية والأمنية الكبرى وتحركت سياسيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فيما يشبه سيناريو محبوك . في ليبيا الوضع مختلف بسبب التدخل العسكري للناتو وكان قد حصل في البداية نفس السيناريو مثل مصر واليمن وتونس ، ولكن لم تقتنع القوى الخارجية باقتسام الحكم مع بقايا النظام وحتى مع من التحق بالثورة.
لا يمكن أن نحكم هكذا على أن أي معركة تدخل فيها الأجنبي يجب على اليساري أن ينفض يده منها . إن القوى الأجنبية تتدخل دائما في معارك من هذا النوع لأن هناك اصطدام بين مصالحها ومصالح الشعوب . من السذاجة السياسية القول ان المواجهات التي تحصل في العالم بين قوى التقدم وقوي السيطرة والتراجع غائبة عنها الرأسمالية العالمية . إن جميع أدوات الامبريالية حاضرة بتفاوت في الأحداث السياسية التي جرت وما تزال تجري ولكن هذا لا يعفي القوى اليسارية والديمقراطية من الانخراط في المعركة ورسم طريقها الواضح للشعب عن الاتجاهات التراجعية وعن الاتجاهات التي تلعب في مربع القوى الأجنبية، إن المحدد الذي يفرض نفسه هو ماذا يريد الشعب وما هي أولوياته وإذا كان هناك أخطار يجب العمل من خلال الانخراظ في النضال على تجنيب الشعب منها .
إن صنع المستقبل في أي مجتمع يخضع لميزان القوى في كل فترة قصيرة وهو يصنع باستمرار . لو كان البلاشفة انطلقوا عندما شبت الثورة من أن هيمنة المناشفة كانت كاسحة لما صنعوا تاريخا . ولكن رغم أن الثورة كانت بورجوازية قلبوا بسرعة هيمنة البرجوازية على الحياة السياسية والتنظيمية لصالحهم من خلال فضح التوجهات المصلحية لها بسرعة والتي بدأت تتأكد يوميا أمام الشعب . هكذا يتم ديالكتيك الصراع السياسي . إن القوى التي لم تشارك في الثورة لم يستمع لها الشعب الروسي ، لقد استمع فقط للمناشفة والبلاشفة وبعض التيارات الثورية الصغيرة ولما تمت الثورة وأمام اختلاف المواقع استمع للبلاشفة.
إن المستقبل في سوريا لمن استطاع أن يشق طريقه بعيدا عن النظام وعن القوى الأجنبية ولكن النجاح القريب هو للقوى التي تلعب اللعبة الأجنبية أو خراب المنطقة بكاملها. لقد وصل الوضع إلى درجة من الخطورة لم يعد أحد قادر على أن يتراجع ولو قليلا . دول الخليج تعرف ان مستقبلها سيهتز إذا نجا نظام الأسد ولكن تعرف أيضا أن التدخل سيحرك كل جيوب إيران في المنطقة إن المسألة تحمل إرهاصات قوية لبدء المعركة مع إيران . وما يؤشر على هذا هو أن الاتجاهات السلفية التي توجد في العالم العربي والمغاربي في نصف سلطة الدولة ومع قوى الدول الخليجية ومع شيئا ما تركيا تدفع القوى القديمة العسكرية في تونس ومصر واليمن للإصطفاف إلى جانب التدخل الأجنبي . إن القوى الديمقراطية واليسارية البعيدة عن هذا لم ترسم بعد طريقها الواضح للشعب السوري وكلما انتظرت سيكون ذلك على حساب الشعب السوري ومستقبل اليسار في سوريا أيضا.
3- في المغرب
في الخطوط العامة لا يختلف المغرب عن باقي الدول في الدوافع الكامنة التي حركت الشباب في غياب طبقة قائدة ولا في تنوع المشارب الطبقية للشباب القائد للحراك ولا في وجود تنظيم اسلامي مؤثر له علاقات إقليمية ودولية بالرغم من تنوع في تنظيماته مثل باقي الدول الأخرى يسار بدون بعد دولي منظم وهو مختلف ومشتت لكن في المغرب حصلت بعض الاختلافات مع باقي الدول الأخرى .
- أولا سرعة النظام في ترجمة هدف الادارة الأمريكية على أرض الواقع وابداء روح رياضية للتعامل مع هذا المعطى وعن طريق هذا تحييد الآلة الضخمة للإعلام الدولي
- ثانيا تحييد النقابات من الصراع ثالثا دغدغة عواطف العاطلين وذوي الحاجات الخاصة
- رابعا طرح حلول وسطى للقوى التي أصرت على مواصلة الحراك مع القيام ببعض التكتيكات للمناوشة واتعاب الشارع
هل انتهى الأمر وكل واحد رجع إلى بيته يحصي الخسائر والأرباح ؟ لا الأمر ليس بمثل ما قال عبد العروي أصوات 20 فبراير ذهبت أدراج الرياح ؟ ليس هذا تاريخا ولا سياسة ولا فلسفة .
التاريخ فيه مسار تاريخي يعرف التراجعات ويعرف التقدم ويعرف الانحراف قليلا عن التقدم ويعرف بعض ما يبدو سكونا ولكنه هو أيضا مسار منطقي يمشى في نهاية المطاف نحو الأمام في خط مستقيم ، والتاريخي والمنطقي في علاقة جدلية يستدعي الواحد الآخر وحتى في التراجعات والفشل هناك قوى تدفع إلى العودة إلى الخط المستقيم للتطور .
لنبدأ بأسوأ السيناريوهات: فشل الحراك وسيكون ذلك تراجعا حتى تتضح فكرة المسارين في التاريخ . ماذا سيحصل إذا فشلت 20 فبراير ؟ ولنقارن بفشل شباب 23 مارس 1965 ماذا أدى له فشل المظاهرات . ذلك الشباب هو الذي طبع عشر سنوات من الصراع من 65 إلى 75 وهذه مرحلة صعبة في الصراع وهو صراع حاضر بقوة في المرحلة الثانية من 75 إلى حكومة التناوب بأشكال جديدة لم يتوقف الصراع وسار منطقيا في خط مستقيم رغم المنعرجات على أكتاف أولائك الشباب قامت كل التراكمات النضالية التي استمرت بنجاحاتها واخفاقاتها وهوالشباب الذي ربى شباب جديد على الانخراط في المعارك فجاءت 79 ثم 81 ثم 84 ثم 91 انتهت التراكمات في 98 وانجرت قوى كانت في صف لتأخذ صفا جديدا ولكن لم يتوقف التاريخ وبدأت مرحلة جديدة من التراكمات يظهر كما لو أنها من الصفر إلى أن جاءت 20 فبراير فسرعت من الزمن النضالي وقفزت به إلى مراتب أقوى مما كان في التسعينات، علينا من الآن أن نطرح أسئلة حول هؤلاء الشباب الذين يحملون حلما كبيرا لم يتحقق بعد إذا فشلوا ما ذا سيكون عليه الحال هذه حو التاريخ الحقيقي وليس إصدار أحكام تفوح بعطر الانتهازية .
لكن الأمر بعيد عن الفشل أمامنا دستور جديد لم يحقق الديمقراطية التي يكون فيها الشعب المصدر الوحيد للسلطة ولكن فيه انتصارات لا يمكن أن ننكرها . لدينا حكومة جديدة صعدت إلى السلطة وهذه الحكومة تمثل مصالح ملموسة تتداخل مع مصالح التكتل الطبقي الحاكم ولكن تتعارض أيضا، وتعارضها أو تتداخلها كل ذلك في إطار التصور الرأسمالي ذي الطبيعة التبعية وكذلك الطفيلية . إذن نحن أمام واقع جديد وقد وعي الشباب هذا التحول بسرعة ويتعاملون معه بنوع من الذكاء السياسي . لقد أصبح القضاء على الفساد مسألة لا يمكن لأي حكومة جاءت ألا تتعامل معها بجدية وكذلك مكتسبات الشارع في التظاهر لا يمكن تصور الخسارة السياسية للنظام إذا ما حاول أن يقضي على التظاهر السلمي .
الحكومة والتكتل الطبقي لهما مصالح مشتركة وفي نفس الوقت مختلفة . التكتل الطبقي لا يرغب أن تفشل الحكومة ويظهر عجزها لا إقليميا ولا دوليا ولا وطنيا ولكن أيضا لن يسمح لها أن تتبوأ مصالح طبقية من خلال الحكومة . الحكومة بزعامة العدالة والتنمية تعرف الفاتورة التي ستقدمها اقليميا إذا نشبت الحرب مع إيران وتعرف ما ستقدمه في محاربة الارهاب ولكن هي تطمح أن تكون قوية عندما تنشب الحرب ولهذا فضلت أن تكون داعية إلى تجميع كل قوى السلفية بما فيهم من كان داعيا ومحرضا على التكفير وكل أشكال التحريض . هي تعرف أن الشعب المغربي لن ينحاز بالسهولة التي يعتقدها البعض ليكون في صف تدمير إيران . وإذا طالت الحرب سينقلب كل شئ في المنطقة . وإذا ما نجحت الامبريالية في الحرب فإن العدالة والتنمية يعرف أنه ضامن للبقاء في الحكومة لمدة طويلة جدا غير مرئية. ولكن هو أيضا لا يريد فقط تدبير السلطة إنه يمثل شرائح من الطبقات الوسطى ويريد أن يستفيد قبل أي تقديم لثمن الفاتورات .ويعرف أن فشل أمريكا هو فشل لكل مشروع التوجه الاسلامي ولهذا فإن احتمالات المستقبل القريب على كف عفريت
انعقد المؤتمر السابع للحزب وناقش عدة مواضيع أساسية وأخذ بعين الاعتبار جوانب من النقص الذي يعاني منه وأخذ العبرة من عدم القدرة على أن لا يحسم الحراك الشعبي المعركة لصالح القوى الشعبية بشكل كبير .
أهم ما خرج به المؤتمر على مستوى الأهداف: الدولة الوطنية الديمقراطية ووضح سماتها وعناصرها . طبعا الدولة لها شكل ومضمون ولهذا ، في المضمون يصر الحزب على أن تكون الديمقراطية الحقيقية عنوان لهذا المضمون وأن يكون الشعب هو مصدر السلطة وأن تكون الدولة دولة حقوق الانسان في كل أبعادها . على مستوى الشكل أن يكون شكل الدولة ملكية برلمانية بتصور ما بلغته الشعوب مؤخرا إن لم يكن أحسن .
من أجل تحقيق هذا الهدف يجب العمل على إحداث تغيير في ميزان القوى أي تكوين جبهة وطنية واسعة تضم إلى جانب الأحزاب اليسارية والديمقراطية النقابات المركزية المناضلة والجمعيات الوطنية الديمقراطية الحقوقية والنسائية والاجتماعية وكذلك المنظمات الشبيبية . إن الوضع الجديد في المغرب والمتسم بإضافة حليف جديد إلى التكتل الطبقي السائد يحتم على جميع الديمقراطيين واليساريين والحداثيين وحتى جزء من القوى اللبيرالية أن تشكل قطبا قويا من أجل الديمقراطية ومن أجل العدالة الاجتماعية .. إن الجبهة الوطنية الواسعة أمام واقع الحال في الصراع هي الآلية الوحيدة القادرة على أن تحدث تغيرا في ميزان القوى .
الشئ الثاني هو العمل على أن ترى الجبهة اليسارية العربية النور بسرعة قبل بداية العد العكسي لمخطط الامبريالية القادم لأن استراتيجية قوى الرأسمالية وحلفاءها تمتد بقوة إلى صراعنا الداخلي وتؤثر فيه سلبا ثالثا تكوين جبهة يسارية عالميا تبدأ أولا بحوض البحر الأبيض المتوسط وأوروبا لتنتشر وتصبح جبهة عالمية ضد الامبريالية لنقل الصراع إلى عقر دارها كما كان عليه اليسار في الستينات والسبعينات .
بالنسبة للجبهة الوطنية الديمقراطية أكد المؤتمر على أن الحزب سيعمل على أساس الوصول إلى برنامج حد أدنى لهذه الجبهة يأخذ بعين الاعتبار مختلف التوجهات وليس له إلا طموح واحد هو أن يلتف الجميع على هدف الديمقراطية وعلى المطالب المستعجلة المطروحة في الشارع والتي يحملها الشباب. إن برنامجا في حده الأدنى هو الذي سيعطي نفسا قويا للحراك السياسي والاجتماعي للشباب .
لقد انخرطنا في التحالف الديمقراطي منذ مدة وخضنا معارك كثيرة انخرطنا بقوة في الحراك الشعبي وفق تصور موحد ، التحالف له برنامج وله أهداف محددة ونفس الأمر وحسب وثائقه ليس منغلقا وليس تحالفا يقصي، إن التحالف يسعى إلى تراص قوي لكل القوى المناضلة من أجل الديمقراطية ولهذا فهو مع التجميع نحو أهداف محددة وملموسة تستجيب لمطالب الطبقات الشعبية حسب الأولويات.
رياضي- Admin
- عدد المساهمات : 3794
تاريخ التسجيل : 06/07/2010
- مساهمة رقم 8
رد: للمطالعة اليزيد البركة
الشباب والشيوخ في قيادة الأحزاب
مقدمة
قد يستغرب القارئ أن أقدم على الكتابة في هذا الموضوع ، وكنت ممن لا يعطيه أي أهمية سواء عندما كنت شابا أو عندما أصبحت من الشيوخ . ولكن وبعد أن أنهى حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي لمؤتمره الوطني السابع وبعد انتخاب الأخ عبد الرحمن بنعمرو على رأس قيادة الحزب بدون منافسة وبعد أن تمت مل...احظة أن الشبيبة الطليعية لم تنجر إلى معركة الشباب/ الشيوخ استغربت الصحافة الأمر ، لأنه بالنسبة لها هذه المعركة أساسية للحكم على أي حزب بأنه يتقدم أو يتأخر. ومع أنني كنت ولا زلت أقف في كل تاريخي الحزبي مع الشباب المناضل والواعي – لأنه لا يمكن أن أكون هكذا مع الشباب بالمطلق ولا مع الشيوخ بالمطلق – ارتأيت أن أوضح بعض المرتكزات الجوهرية في هذا الموضوع ، مع العلم وللتذكير للغالبية من الرأي العام التي لم تتبع كل التحولات داخل حزب الطليعة أولا أن الأخ عبد الرحمن هذه أول دورة له بعد المؤتمر السابع على رأس قيادة الحزب ، ثانيا أنه من 17 عضوا في القيادة ليس فيها من المؤتمر الرابع إلا خمسة أعضاء . ثالثا أن الهرم العمري وكذا عدد مرات تحمل المسؤولية في القيادة قليل حسب السن وتلك المرات وكثير جدا في عدد الشباب وفي قلة عدد الدورات .
إن الرأي العادي عند عموم الناس في هذا الموضوع هو هل من تولى قيادة الحزب شاب أو شيخ ؟ لكن حسب تجربتي الطويلة كشاب ثم كمناضل في منتصف العمر كحلقة وسطى ثم كشيخ في معترك النضال ووفقا لتجارب الأحزاب الثورية المسألة ليست بهذه البساطة . هنالك مثل موجود في أغلب الحضارات بصيغ مختلفة يقول : العظماء يبحثون في الأفكار، وعامة الناس في الوقائع والأحداث و(عام الفيل)، وصغار الناس في الأشخاص (عمرهم جنسهم امرأة ؟أبيض أو أسود ؟ دينهم ؟ أخطاءهم إلخ..)
هنالك أحزاب أنهت مؤتمراتها ولوحظ فيها صراع أجيال وهنالك أحزاب مقبلة على مؤتمراتها من الآن تسجل بوادر صراع أجيال، فلماذا لم يسجل هذا في مؤتمر حزب الطليعة ؟ إنه سؤال محير لعدة دوائر كانت تعول على أن يكون الموضوع ساخنا وأن يكون صاعقا ( بالمعنى العسكري أي ذلك الفتيل الذي ينقل الحرارة إلى اللغم أو القنبلة) ولكن لم يحصل أي شئ ، ما هو السر ؟ هل شباب الطليعة أقل وعيا من شباب الأحزاب الأخرى ؟ أو أكثر وعيا ؟ أو أن الشروط مختلفة ؟ في هذه المقالة سأحلل المسألة من كافة أوجهها وأسسها.
2- الحزب والشباب وتسيير الشأن العام
في الدول الديمقراطية ولأن الأحزاب أساسا مكونة للتداول على السلطة ، لا يمكن لأي حزب ان يدحر الشباب من مهمة أن يصل إلى تسيير الشأن العام ، ولكي يتمكن من ذلك يجب أن يكون الجسم التنظيمي للحزب جسما يأخذ دائما بمعطى الشباب وكذلك المرأة مع الأخذ بمبدأ الكفاءة والفعالية . لكن في البلدان التي لم تنجز فيها مهام الديمقراطية وأمام مجتمعاتها مهمة التغيير من دولة لا ديمقراطية في الجوهر وفي الشكل إلى دولة وطنية ديمقراطية يطرح تسيير الشأن العام بشكل مختلف . في المغرب الحزب حكم في كل قراراته على الدولة بأنها ذات طابع مخزني والحكومة التي تسير الشأن العام أو هكذا يبدو ليست إلا ملحقة بالطابع المخزني ولهذا فإن الحزب منذ القديم وبمناسبة المؤتمر أغلق باب تسيير الشأن العام في ظل هذا الوضع،. وبدل التطلع إلى التسيير يطرح الحزب النضال من أجل التغيير.لأن التطلع إلى تسيير الشأن العام في ظل المخزنية هو انتهازية وهو تخلي عن أهداف الحزب
والحقيقة أنه حتى في وقت الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان هناك من يتلهف على تسيير الشأن العام في ظل المخزنية ومن هنا كان نعت الاتحاد المغربي للشغل أيام المحجوب من طرف الشهيد عمر بنجلون ببورصة الشغل حيث كان هم المحجوب آنذاك هو خطف كل الآطر الحزبية التي سهر المهدي على توفيرها وأرسلها إلى مختلف الجامعات في العالم ، من أجل خدمة سياسة رضا كديرة . ولقد وجد شباب الحزب نفسه في هذا التوجه الحزبي الذي سهرت عليه القيادة ، فلو كان شبابا انتهازيا يريد أن يدفع الحزب إلى تغيير خطه السياسي ويدخل عليه نفحة انتهازية لكان الأمر مختلفا ولهاجم القادة بعنف ولتطلع إلى قيادة الحزب .
في أيام الاتحاد الاشتراكي ، كانت هناك قوتان أساسيتان قوة تسعى أن يسير الحزب على خط النضال الديمقراطي من أجل تغيير الدولة المخزنية إلى دولة وطنية ديمقراطية وقوة تسعى إلى التعاون مع الحسن الثاني وفق تصوراته وفي إطار الدولة المخزنية ، وكان اغتيال الشهيد عمر بنجلون حلقة من حلقات إزاحة عقبة أساسية في وجه المخطط المخزني . وكان ضربة قاصمة لقوة خط النضال الديمقراطي . وهنا لابد من الرجوع إلى الأخ عبد الرحيم بوعبيد الذي كنا دائما نسعى الا نتصادم معه لأنه كان يبذل الكثير من الجهد في صياغة مواقف وسطية بين القوتين بذكاء سياسي ملفت للنظر ولهذا كان يحسم الموضوع دائما بأن الحكم عليه أن يقرر مشاركتنا ببرنامجنا وفيما بعد كان يقول ببرنامج الكتلة . أحد القيادات الوسطية عمريا في السبعينات والذي بايع مؤخرا روحيا شيوخ السلفية التي سبق لها أن كفرت الناس يمينا ويسارا والذي تنكر للإسلام الشعبي ذي البعد التاريخي وأمام طرح مهمة تكوين الحزب الاشتراكي الكبير وأمام طرحنا لجبهة وطنية واسعة طرح أن نقدم أولا نقدا ذاتيا لأننا انتقدنا مشاركة الاتحاد الاشتراكي في حكومة التناوب . وفي الحقيقة من هو ملزم بتقديم النقد الذاتي ؟
لقد استفادت الحركة التقدمية من الانتقال من خط الكفاح المسلح الذي يتنكر له الآن، إلى الخط النضالي الديمقراطي من 1974 أولا بدأت عملية اطلاق المعتقلين السياسيين وثانيا بعد ذلك عودة المنفيين ثالثا استعاد الحزب مقراته المغلقةرابعا عودة جريدة المحرر إلى الصدورخامسا تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل .سادسا عودة العلاقات مع جماهير الشعب إلى طبيعتها المفتوحة . لكن المرحلة الأخرى التي تنكرت فيها الشريحة السياسية التي تريد تطبيع العلاقات مع الحسن الثاني ماذا جلبت للحركة التقدمية غير تبديد كل التراكمات النضالية التي تراكمت من 1974؟ وانتهت بنقل جزء من القوى المجتمعية إلى قاعدة اجتماعية للمخزن بدون حتى أن يكون قد تنازل عن برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي ؟ لا شئ إلا الويلات على مصداقية مجموع الاشتراكيين في المغرب.
إن غضب الشباب على قياداته عند أحزاب ليس هو غضب الشباب عندنا في حزب الطليعة على قيادته في هذا النقطة بالذات المتعلقة بجر الحزب إلى هدف تسير الشأن العام
3- صنع القرار من داخل الحزب
كانت هذه النقطة مطروحة عند ما كان يسمى بالأحزاب الإدارية بشكل بدائي حيث يتعلق الأمر بالتدخل في صنع القرار وبإصدار التعليمات في مختلف مراحل تنفيذه وإعداده أما الأحزاب التي لها تاريخ وطني فكان يتم معها الأمر بشكل آخر حيث يسهر المخزن على التدخل في القرارات الحساسة جدا بالنسبة له . الآن تغير الوضع، ذلك أن المخزن نفسه رفع يده عن التدخل لأن ذلك أدى إلى نتائج عكسية لا على أوساط الحزب ولا إزاء جماهيره . لما رفض المخزن التدخل هل انتهى الأمر؟ لا ، لم ينتهي . لم تستطع بعض الأحزاب حتى أن تبلغ ما كانت عليه الكتابة العامة للإتحاد الوطني للقوات الشعبية التي كانت تتفاوض وكنها كانت تستطيع أن تقول لا. لقد فرضت الشروط الجديدة مرحلة أخرى هي أن شريحة من الأحزاب تعمل في دائرة ما يمكن تسميته بما يريد المخزن بدون أن يطلب منها أحد شيئا إنها الرقابة الذاتية.
في حزب الطليعة ومن تاريخنا القديم كنا دائما ضد التدخل في صنع القرار الحزبي وكنا شديدين في رفض هذا وبعبارات قوية ، وكان المرحوم عابد الجابري يطلق على هذا التدخل الذي كان ينتقده هو الآخر ،عبارة الالتزام المسبق مع الحكم تخفيفا لما كنا نصف به التصرف.
لقد ضمنت قيادة حزب الطليعة تاريخا ناصعا ضد التدخل وشباب الطليعة لم يجد في هذه النقطة إلا ما هو مقتنع به ، وعندما لم يتقدم أي واحد من قيادة الحزب ضد عبد الرحمن للتباري على القيادة كان حضور قناعة من جميع أعضائها أن الرجل رجل مبدأ ورجل الصلابة والثبات لا يبيع ولا يشتري . والأمر لا علاقة له بالشباب .ومن حسنات الحزب أنه يقدر الأفراد وعطاءاتهم ويأخذها بعين الاعتبار .
4- أهداف الحزب ومبادئه وأبعادها الجماهيرية والطبقية
حزب الطليعة لا يضم تيارات من البرجوازية الكبيرة ولا حتى المتوسطة ، وهذا جعله بمنآى عن التجاذبات الطبقية ومصلحة شرائحها . الكل داخل الحزب لا يجد أي صعوبة في بلورة التوجهات الكبرى وإذا كان هناك خلاف لا يحدث في تقابل بين ما هو في مصلحة الطبقات الشعبية وعلى رأسها الطبقة العاملة والشغيلة وبين مصالح الطبقات الكبرى وإنما في تقدير ماهو الأصح بين طرحين أو ثلاثة كلها تخدم الطبقات الشعبية . لو ظهر وسط القيادة الحزبية تيار أو عضو ميولات ضد توجهات الحزب الطبقية لكان الشباب داخل الحزب أو من سيقف ضد هؤلاء لكن لم يجد الشباب إلا خطا مستقيما في الدفاع عن أهداف الحزب ومبادئه بدون لف ولا دوران ولا تخفي وراء أي تبرير . إذن لماذا سيحطموا صرحا هو صرحهم ويتماشى مع ما يحملونه من أهداف في كل المعارك التي يخوضونها في الشارع؟
من المبادئ الأساسية في كل حزب ثوري هي أن تسود الديمقراطية داخل الحزب في لحظة التحضير للموقف أو للمؤتمر ، لحظة النقاش ، لحظة الترشيح ، لحظة التصويت ، لحظة الفرز. وهذا كله كان حاضرا وبقوة . ثم تأتي لحظة المركزية وهي تنفيذ ما أتفق عليه وهذا كله سائد في الحزب ولم تحد عنه القيادة .
خلاصة لكل ما سبق تعتبر النقاط أعلاه أساسية في الشروط التي لا محيد عنها لأي قيادة حزبية فإذا كان القائد شيخا وحاد عنها توجب العمل على اسقاطه ، وإذا كان شابا وحاد هو أيضا توجب كذلك العمل على اسقاطه وحسب تجربتي وسط الشباب الحزبي من 1962 يكون الشباب أشد في معاقبة بعضهم البعض إذا أخطأ أحدهم من معاقبة الشيخ . بمعنى إذا كان القائد شابا سيتابعه الشباب ويتعقبه في خطواته أكثر مما سيتعقب هفوات الشيوخ .
هذا كله أساسي ، ولكن لابد من إنهاء هذه المقالة بنقطة مهمة جدا وهي أن الحركة الاتحادية أعطت في تاريخها شبابا كان على أهبة تقلد زعامة الحزب ومنهم الشهيد المهدي بنبركة الذي كان مؤهلا بالكامل ليتقلد زعامة الحزب عند التأسيس ولكن جناح المقاومة في تحالف مع جناح النقابة عملوا على إبعاد تقريره للمؤتمر وفضلوا عليه التقرير المذهبي لعبد الله ابراهيم وفي الحقيقة كانت معركة التقرير هي معركة من أجل القيادة . من سيقود الحزب ؟
في السبعينات مع التحضيرللمؤتمر كنا كقوة أساسية نرى في الشهيد عمر بنجلون قائدا لا غبار عليه ولكن كانت التحديات كبيرة جدا وهو نفسه زاهد في القيادة وكنا إذاك ما نزال في السجن وأبلغنا برفضه طرح نفسه وكان يفضل أن يكون مساعدا أيمن لعبد الرحيم بوعبيد ، وقد انتهي الأمر بما انتهي إليه ، فيما بعد عملنا كافة جهدنا أن يكون عابد الجابري مساعدا أيمن لعبد الرحيم بوعبيد ولعب دوره كما يجب في المؤتمر الثالث ولكن كانت الهجمة المضادة قوية لا ضد البيان العام وعلى التيار الثوري داخل الحزب واستخدمت ضده كافة الضربات حتى الاختلاق ومنها وصم التيار بأنه بصدد الانتقال إلى العمل المسلح وأنه في ارتباط مع الفقيه البصري لإعداد الترتيبات إلى غير ذلك . وتشاء الصدف أن يدخل الفقيه البصري إلى المغرب ليستقبله بالأحضان في مطار الدار البيضاء من كان ينشر الإشاعات وسط الحزب ووسط الرأي العام ونحن لم نحضر ولم يظهر علينا أننا في أي ارتباط معه .وبذلك ضحك عليهم ادريس البصري وضحك عليهم التاريخ.
إن مكانة الشباب في أي حزب مكانة استراتيجية سواء في ما يتعلق بمعاركه الآنية أو على المدى المتوسط أو البعيد والحزب يجب أن يفتخر أنه استطاع أن يجدد ذاته في هذه النقطة في قاعدته وفي قيادته بنسب قوية جدا . ولو لم يجد الشباب الواعي نفسه في الحزب لما تمكن من أن يغلب عليه الطابع الشبابي . ومن كل تجاربنا التاريخية هناك قاعدة ذهبية هي ألا يجد الشباب في اي حزب مقبلون عليه تربة تنم عن احتقاره واحتقار كفاءاته وقدراته . ونفس هذه القاعدة تنطبق على المرأة .
مقدمة
قد يستغرب القارئ أن أقدم على الكتابة في هذا الموضوع ، وكنت ممن لا يعطيه أي أهمية سواء عندما كنت شابا أو عندما أصبحت من الشيوخ . ولكن وبعد أن أنهى حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي لمؤتمره الوطني السابع وبعد انتخاب الأخ عبد الرحمن بنعمرو على رأس قيادة الحزب بدون منافسة وبعد أن تمت مل...احظة أن الشبيبة الطليعية لم تنجر إلى معركة الشباب/ الشيوخ استغربت الصحافة الأمر ، لأنه بالنسبة لها هذه المعركة أساسية للحكم على أي حزب بأنه يتقدم أو يتأخر. ومع أنني كنت ولا زلت أقف في كل تاريخي الحزبي مع الشباب المناضل والواعي – لأنه لا يمكن أن أكون هكذا مع الشباب بالمطلق ولا مع الشيوخ بالمطلق – ارتأيت أن أوضح بعض المرتكزات الجوهرية في هذا الموضوع ، مع العلم وللتذكير للغالبية من الرأي العام التي لم تتبع كل التحولات داخل حزب الطليعة أولا أن الأخ عبد الرحمن هذه أول دورة له بعد المؤتمر السابع على رأس قيادة الحزب ، ثانيا أنه من 17 عضوا في القيادة ليس فيها من المؤتمر الرابع إلا خمسة أعضاء . ثالثا أن الهرم العمري وكذا عدد مرات تحمل المسؤولية في القيادة قليل حسب السن وتلك المرات وكثير جدا في عدد الشباب وفي قلة عدد الدورات .
إن الرأي العادي عند عموم الناس في هذا الموضوع هو هل من تولى قيادة الحزب شاب أو شيخ ؟ لكن حسب تجربتي الطويلة كشاب ثم كمناضل في منتصف العمر كحلقة وسطى ثم كشيخ في معترك النضال ووفقا لتجارب الأحزاب الثورية المسألة ليست بهذه البساطة . هنالك مثل موجود في أغلب الحضارات بصيغ مختلفة يقول : العظماء يبحثون في الأفكار، وعامة الناس في الوقائع والأحداث و(عام الفيل)، وصغار الناس في الأشخاص (عمرهم جنسهم امرأة ؟أبيض أو أسود ؟ دينهم ؟ أخطاءهم إلخ..)
هنالك أحزاب أنهت مؤتمراتها ولوحظ فيها صراع أجيال وهنالك أحزاب مقبلة على مؤتمراتها من الآن تسجل بوادر صراع أجيال، فلماذا لم يسجل هذا في مؤتمر حزب الطليعة ؟ إنه سؤال محير لعدة دوائر كانت تعول على أن يكون الموضوع ساخنا وأن يكون صاعقا ( بالمعنى العسكري أي ذلك الفتيل الذي ينقل الحرارة إلى اللغم أو القنبلة) ولكن لم يحصل أي شئ ، ما هو السر ؟ هل شباب الطليعة أقل وعيا من شباب الأحزاب الأخرى ؟ أو أكثر وعيا ؟ أو أن الشروط مختلفة ؟ في هذه المقالة سأحلل المسألة من كافة أوجهها وأسسها.
2- الحزب والشباب وتسيير الشأن العام
في الدول الديمقراطية ولأن الأحزاب أساسا مكونة للتداول على السلطة ، لا يمكن لأي حزب ان يدحر الشباب من مهمة أن يصل إلى تسيير الشأن العام ، ولكي يتمكن من ذلك يجب أن يكون الجسم التنظيمي للحزب جسما يأخذ دائما بمعطى الشباب وكذلك المرأة مع الأخذ بمبدأ الكفاءة والفعالية . لكن في البلدان التي لم تنجز فيها مهام الديمقراطية وأمام مجتمعاتها مهمة التغيير من دولة لا ديمقراطية في الجوهر وفي الشكل إلى دولة وطنية ديمقراطية يطرح تسيير الشأن العام بشكل مختلف . في المغرب الحزب حكم في كل قراراته على الدولة بأنها ذات طابع مخزني والحكومة التي تسير الشأن العام أو هكذا يبدو ليست إلا ملحقة بالطابع المخزني ولهذا فإن الحزب منذ القديم وبمناسبة المؤتمر أغلق باب تسيير الشأن العام في ظل هذا الوضع،. وبدل التطلع إلى التسيير يطرح الحزب النضال من أجل التغيير.لأن التطلع إلى تسيير الشأن العام في ظل المخزنية هو انتهازية وهو تخلي عن أهداف الحزب
والحقيقة أنه حتى في وقت الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان هناك من يتلهف على تسيير الشأن العام في ظل المخزنية ومن هنا كان نعت الاتحاد المغربي للشغل أيام المحجوب من طرف الشهيد عمر بنجلون ببورصة الشغل حيث كان هم المحجوب آنذاك هو خطف كل الآطر الحزبية التي سهر المهدي على توفيرها وأرسلها إلى مختلف الجامعات في العالم ، من أجل خدمة سياسة رضا كديرة . ولقد وجد شباب الحزب نفسه في هذا التوجه الحزبي الذي سهرت عليه القيادة ، فلو كان شبابا انتهازيا يريد أن يدفع الحزب إلى تغيير خطه السياسي ويدخل عليه نفحة انتهازية لكان الأمر مختلفا ولهاجم القادة بعنف ولتطلع إلى قيادة الحزب .
في أيام الاتحاد الاشتراكي ، كانت هناك قوتان أساسيتان قوة تسعى أن يسير الحزب على خط النضال الديمقراطي من أجل تغيير الدولة المخزنية إلى دولة وطنية ديمقراطية وقوة تسعى إلى التعاون مع الحسن الثاني وفق تصوراته وفي إطار الدولة المخزنية ، وكان اغتيال الشهيد عمر بنجلون حلقة من حلقات إزاحة عقبة أساسية في وجه المخطط المخزني . وكان ضربة قاصمة لقوة خط النضال الديمقراطي . وهنا لابد من الرجوع إلى الأخ عبد الرحيم بوعبيد الذي كنا دائما نسعى الا نتصادم معه لأنه كان يبذل الكثير من الجهد في صياغة مواقف وسطية بين القوتين بذكاء سياسي ملفت للنظر ولهذا كان يحسم الموضوع دائما بأن الحكم عليه أن يقرر مشاركتنا ببرنامجنا وفيما بعد كان يقول ببرنامج الكتلة . أحد القيادات الوسطية عمريا في السبعينات والذي بايع مؤخرا روحيا شيوخ السلفية التي سبق لها أن كفرت الناس يمينا ويسارا والذي تنكر للإسلام الشعبي ذي البعد التاريخي وأمام طرح مهمة تكوين الحزب الاشتراكي الكبير وأمام طرحنا لجبهة وطنية واسعة طرح أن نقدم أولا نقدا ذاتيا لأننا انتقدنا مشاركة الاتحاد الاشتراكي في حكومة التناوب . وفي الحقيقة من هو ملزم بتقديم النقد الذاتي ؟
لقد استفادت الحركة التقدمية من الانتقال من خط الكفاح المسلح الذي يتنكر له الآن، إلى الخط النضالي الديمقراطي من 1974 أولا بدأت عملية اطلاق المعتقلين السياسيين وثانيا بعد ذلك عودة المنفيين ثالثا استعاد الحزب مقراته المغلقةرابعا عودة جريدة المحرر إلى الصدورخامسا تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل .سادسا عودة العلاقات مع جماهير الشعب إلى طبيعتها المفتوحة . لكن المرحلة الأخرى التي تنكرت فيها الشريحة السياسية التي تريد تطبيع العلاقات مع الحسن الثاني ماذا جلبت للحركة التقدمية غير تبديد كل التراكمات النضالية التي تراكمت من 1974؟ وانتهت بنقل جزء من القوى المجتمعية إلى قاعدة اجتماعية للمخزن بدون حتى أن يكون قد تنازل عن برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي ؟ لا شئ إلا الويلات على مصداقية مجموع الاشتراكيين في المغرب.
إن غضب الشباب على قياداته عند أحزاب ليس هو غضب الشباب عندنا في حزب الطليعة على قيادته في هذا النقطة بالذات المتعلقة بجر الحزب إلى هدف تسير الشأن العام
3- صنع القرار من داخل الحزب
كانت هذه النقطة مطروحة عند ما كان يسمى بالأحزاب الإدارية بشكل بدائي حيث يتعلق الأمر بالتدخل في صنع القرار وبإصدار التعليمات في مختلف مراحل تنفيذه وإعداده أما الأحزاب التي لها تاريخ وطني فكان يتم معها الأمر بشكل آخر حيث يسهر المخزن على التدخل في القرارات الحساسة جدا بالنسبة له . الآن تغير الوضع، ذلك أن المخزن نفسه رفع يده عن التدخل لأن ذلك أدى إلى نتائج عكسية لا على أوساط الحزب ولا إزاء جماهيره . لما رفض المخزن التدخل هل انتهى الأمر؟ لا ، لم ينتهي . لم تستطع بعض الأحزاب حتى أن تبلغ ما كانت عليه الكتابة العامة للإتحاد الوطني للقوات الشعبية التي كانت تتفاوض وكنها كانت تستطيع أن تقول لا. لقد فرضت الشروط الجديدة مرحلة أخرى هي أن شريحة من الأحزاب تعمل في دائرة ما يمكن تسميته بما يريد المخزن بدون أن يطلب منها أحد شيئا إنها الرقابة الذاتية.
في حزب الطليعة ومن تاريخنا القديم كنا دائما ضد التدخل في صنع القرار الحزبي وكنا شديدين في رفض هذا وبعبارات قوية ، وكان المرحوم عابد الجابري يطلق على هذا التدخل الذي كان ينتقده هو الآخر ،عبارة الالتزام المسبق مع الحكم تخفيفا لما كنا نصف به التصرف.
لقد ضمنت قيادة حزب الطليعة تاريخا ناصعا ضد التدخل وشباب الطليعة لم يجد في هذه النقطة إلا ما هو مقتنع به ، وعندما لم يتقدم أي واحد من قيادة الحزب ضد عبد الرحمن للتباري على القيادة كان حضور قناعة من جميع أعضائها أن الرجل رجل مبدأ ورجل الصلابة والثبات لا يبيع ولا يشتري . والأمر لا علاقة له بالشباب .ومن حسنات الحزب أنه يقدر الأفراد وعطاءاتهم ويأخذها بعين الاعتبار .
4- أهداف الحزب ومبادئه وأبعادها الجماهيرية والطبقية
حزب الطليعة لا يضم تيارات من البرجوازية الكبيرة ولا حتى المتوسطة ، وهذا جعله بمنآى عن التجاذبات الطبقية ومصلحة شرائحها . الكل داخل الحزب لا يجد أي صعوبة في بلورة التوجهات الكبرى وإذا كان هناك خلاف لا يحدث في تقابل بين ما هو في مصلحة الطبقات الشعبية وعلى رأسها الطبقة العاملة والشغيلة وبين مصالح الطبقات الكبرى وإنما في تقدير ماهو الأصح بين طرحين أو ثلاثة كلها تخدم الطبقات الشعبية . لو ظهر وسط القيادة الحزبية تيار أو عضو ميولات ضد توجهات الحزب الطبقية لكان الشباب داخل الحزب أو من سيقف ضد هؤلاء لكن لم يجد الشباب إلا خطا مستقيما في الدفاع عن أهداف الحزب ومبادئه بدون لف ولا دوران ولا تخفي وراء أي تبرير . إذن لماذا سيحطموا صرحا هو صرحهم ويتماشى مع ما يحملونه من أهداف في كل المعارك التي يخوضونها في الشارع؟
من المبادئ الأساسية في كل حزب ثوري هي أن تسود الديمقراطية داخل الحزب في لحظة التحضير للموقف أو للمؤتمر ، لحظة النقاش ، لحظة الترشيح ، لحظة التصويت ، لحظة الفرز. وهذا كله كان حاضرا وبقوة . ثم تأتي لحظة المركزية وهي تنفيذ ما أتفق عليه وهذا كله سائد في الحزب ولم تحد عنه القيادة .
خلاصة لكل ما سبق تعتبر النقاط أعلاه أساسية في الشروط التي لا محيد عنها لأي قيادة حزبية فإذا كان القائد شيخا وحاد عنها توجب العمل على اسقاطه ، وإذا كان شابا وحاد هو أيضا توجب كذلك العمل على اسقاطه وحسب تجربتي وسط الشباب الحزبي من 1962 يكون الشباب أشد في معاقبة بعضهم البعض إذا أخطأ أحدهم من معاقبة الشيخ . بمعنى إذا كان القائد شابا سيتابعه الشباب ويتعقبه في خطواته أكثر مما سيتعقب هفوات الشيوخ .
هذا كله أساسي ، ولكن لابد من إنهاء هذه المقالة بنقطة مهمة جدا وهي أن الحركة الاتحادية أعطت في تاريخها شبابا كان على أهبة تقلد زعامة الحزب ومنهم الشهيد المهدي بنبركة الذي كان مؤهلا بالكامل ليتقلد زعامة الحزب عند التأسيس ولكن جناح المقاومة في تحالف مع جناح النقابة عملوا على إبعاد تقريره للمؤتمر وفضلوا عليه التقرير المذهبي لعبد الله ابراهيم وفي الحقيقة كانت معركة التقرير هي معركة من أجل القيادة . من سيقود الحزب ؟
في السبعينات مع التحضيرللمؤتمر كنا كقوة أساسية نرى في الشهيد عمر بنجلون قائدا لا غبار عليه ولكن كانت التحديات كبيرة جدا وهو نفسه زاهد في القيادة وكنا إذاك ما نزال في السجن وأبلغنا برفضه طرح نفسه وكان يفضل أن يكون مساعدا أيمن لعبد الرحيم بوعبيد ، وقد انتهي الأمر بما انتهي إليه ، فيما بعد عملنا كافة جهدنا أن يكون عابد الجابري مساعدا أيمن لعبد الرحيم بوعبيد ولعب دوره كما يجب في المؤتمر الثالث ولكن كانت الهجمة المضادة قوية لا ضد البيان العام وعلى التيار الثوري داخل الحزب واستخدمت ضده كافة الضربات حتى الاختلاق ومنها وصم التيار بأنه بصدد الانتقال إلى العمل المسلح وأنه في ارتباط مع الفقيه البصري لإعداد الترتيبات إلى غير ذلك . وتشاء الصدف أن يدخل الفقيه البصري إلى المغرب ليستقبله بالأحضان في مطار الدار البيضاء من كان ينشر الإشاعات وسط الحزب ووسط الرأي العام ونحن لم نحضر ولم يظهر علينا أننا في أي ارتباط معه .وبذلك ضحك عليهم ادريس البصري وضحك عليهم التاريخ.
إن مكانة الشباب في أي حزب مكانة استراتيجية سواء في ما يتعلق بمعاركه الآنية أو على المدى المتوسط أو البعيد والحزب يجب أن يفتخر أنه استطاع أن يجدد ذاته في هذه النقطة في قاعدته وفي قيادته بنسب قوية جدا . ولو لم يجد الشباب الواعي نفسه في الحزب لما تمكن من أن يغلب عليه الطابع الشبابي . ومن كل تجاربنا التاريخية هناك قاعدة ذهبية هي ألا يجد الشباب في اي حزب مقبلون عليه تربة تنم عن احتقاره واحتقار كفاءاته وقدراته . ونفس هذه القاعدة تنطبق على المرأة .
عم عبده- عدد المساهمات : 325
تاريخ التسجيل : 26/04/2012
- مساهمة رقم 9
بقلم ذ. اليزيد البركة:ضرب مجانية التعليم/ وزير التعليم العالي يسارع إلى تنفيذ أسوأ ما في الميثاق الوطني
بقلم ذ. اليزيد البركة:ضرب مجانية التعليم/ وزير التعليم العالي يسارع إلى تنفيذ أسوأ ما في الميثاق الوطني
وزير التعليم العالي يسارع إلى تنفيذ أسوأ ما في الميثاق الوطني
لا أعلم ماذا أصاب وزير التعليم العالي السيد لحسن الداودي في القناة الأولى يوم 29 يونيو وهو يرد على منتقدي المس بمجانية التعليم والتي هي أصلا مجانية معطوبة ؟ لقد كنا نعتقد أن مسؤولي العدالة والتنمية يلجأون فقط إلى خطاب وصم الخصم بصفات تجرده من... الانتماء إلى الدين بل ومعاداته عندما يستعملون الدين وسيلة للهجوم ، وإذا به وقد كان يتكلم في السياسة فقط يستعمل كلمات إيحائية بمعاداة العدالة في هذه البلاد لفائدة جهات لم يسمها بحيث طرح سؤالا من يتكلم" أو منوض الغوات ولحساب من" وموجها كلامه إلى الفقراء قائلا " حتى واحد ما خصو ياكل الثوم بفمكم "؟ في إشارة لمعارضة اقتراحه وقد أوضح حسب رأيه أنه لفائدة الفقراء والشرائح المتوسطة .
يقول الوزير أن الفقراء والشرائح المتوسطة غير معنية بأداء الرسوم على التسجيل بل أكثر من هذا يحصل أبناء هؤلاء على 600 درهم . الفئة المعنية هي أبناء الميسورين بالأداء . والحقيقة أن اقتراح الوزير يحمل أخطارا عميقة حاول من خلال الديماغوجية التستر عليها مثلأ قواله : الإجماع حول الميثاق ، تشبيه المغرب بالدول المتقدمة في رسوم التسجيل ،ماذا سنفعل أمام الخصاص في المقاعد الدراسية؟ هل نترك أبناء الفقراء برا ؟ نحن نريد العدالة في هذه البلاد .
لكن قبل مناقشة صلب الموضوع لا بد من تسجيل ملاحظة شكلية على كلام الوزير في الأولى لها أهميتها وهو كلام لم يستغرق إلا دقائق معدودة، ويخفي الكثير من نفسية الوزير ونظرته لفلسفة شغر مقعد وزاري ومدى فصل ذلك عن الذات لقد كان يتكلم كأن الوزارة ملكية خاصة للشخص : استعمل كلمة عندي 4 مرات ، جاو عندي الناس 3 مرات ، أنا معنديش مرتين، خصني مرتين ، غادي نزيد مرة واحدة .
في الموضوع ، لا يمكن للوزير أن يخفي بالهروب إلى الأمام وإلصاق التهم المغرضة بمعارضي اقتراحه، وبتقديم وعود زاهية ولكن زائفة للفقير ولشرائح المتوسطة ، أنه مخلب قط للمؤسسات الدولية الغربية والطبقات الطفيلية المغربية التي تطالب المغرب منذ مدة طويلة بخوصصة المجالات الاجتماعية وفي مقدمتها التعليم والصحة وخطوته ليست إلا مقدمة لهدم مبدأ المجانية الذي جاء بنضالات الحركة التقدمية والذي تقدمت فيه ولم تصل إلى نهاية المطاف والذي بدأت فيه التراجعات منذ مدة. وسأتناول هذا الموضوع من زاويتين أساسيتين ، الأولى عامة وشمولية والثانية خاصة محدودة في إطار الشروط القائمة بكل إكراهاتها :
الزاوية العامة الشمولية
السيد الوزير ، وأنت تتكلم أنكم تريدون العدالة في هذه البلاد وهو تعهد كبير جدا ظهر بالملموس وبالرغم من أن الدستور يسند ظهركم أنكم لستم أهلا للإضطلاع به ، وحصر العدالة في هذه البلاد في فرض الرسوم في التعليم العالي على فئة لا نعلم لحد الآن حدودها الدنيا ولا القصوى هو كلام لاستبلاد الناس فقط .إن العدالة في هذه البلاد تأتي من التوزيع العادل للثروة والقضاء نهائيا على الهوة السحيقة الموجودة بين الطبقات وهي هوة تراكمت واستفحلت مع نهب الثروات عبر عقود . وكنا نتمنى أن يكون كلامك صادقا وأن يسارع زعيمكم إلى فتح ملف الفساد الكبير الذي أدى إلى اغتناء كمشة من العائلات على حساب أغلبية الشعب ولكنه سارع بالعكس إلى طمأنة هذه الكمشة على ثرواتها مع العلم أن حل معضلات الشعب المغربي الاجتماعية والاقتصادية لا يمكن أن تأتي إلا من خلال الثروة . إن مجتمعا فيه توزيعا عادلا للثروة هو الذي يضمن من خلال دولة ديموقراطية خدمات اجتماعية من تعليم وصحة وبيئة نظيفة وغير ذلك بدون تمييز بين ابن غني وابن فقير . ولهذا فإن الوزارة التي يعتقدها الوزير ملكية خاصة مرتبطة بطبيعة الدولة ومرتبطة بالثروة في يد من وماذا تخدم ؟ إن مساهمة الأفراد في مجتمع فيه عدالة اجتماعية وتوزيع عادل للثرة من أجل سير الميادين الاجتماعية مساهمة متقاربة يتحمل فيها كل واحد نصيبه وتكون الدولة والمؤسسات الديمقراطية تعيد توزيع هذه المساهمة .
الزاوية الخاصة
في ظل التفاوت الطبقي في الثروات وفي ظل استفحال دائرة الفقر والبطالة وتدهور الطبقات المتوسطة نحو دائرة الفقر لا يمكن أن يبقى التعليم والصحة جزءا يعكس هذا التدهور ومرآة للطبقية بل على العكس تلجأ الدولة ذات الطبيعة الاصلاحية للحفاظ على الطبيعة المبدئية في عدم التمييز بين الأفراد أبناء وآباء وأمهات في التعليم الصحة والخدمات الإدارية لأنه لا يعقل بتاتا أن يكون هناك أي تباهي بين من يوجد في قاعة الدرس بين من هو ذي أصل ميسور أو غير ميسور ولهذا وجدت المدرسة العمومية أصلا أي أن تخرج أجيالا قادرة على التعالي على هذه السلبيات. ويفرض هذا نفسه في ظل أننا دولة متخلفة اقتصاديا وتقنيا قاعدة المجتمع فيه فقيرة وإذا بالوزير يريد أن يكرس التمييز قانونيا بأن يساهم ابن الغني في تعليم ابن الفقير . إن الدولة الاصلاحية تلجأ إلى وسيلة الضريبة على الثروة إذا لم تكن قادرة على إعادة توزيع الثروة ومن خلال هذه الضريبة يعاد التوزيع مع مجموع ما يتوفر عند الدولة على القطاعات الاجتماعية وغيرها . إذن حتى في الدولة الاصلاحية لا يتم التمويل الفج الذي يريده الوزير من طرف ابن الغني لفائدة ابن الفقير وإنما من خلال الضرائب التي تساهم فيها حاليا الطبقات الشعبية بحصة كبيرة أكثر من الطبقات السائدة . وحسب الوقائع السياسية فإن الأغلبية صوتت في البرلمان ضد الضريبة على الثروة ومنها أساسا الحزب الذي يدعي أنه يريد العدالة في هذه البلاد
إن اقتراح الوزير في جوهره بداية تفضح ما بعدها وقد استدل على قانونية المقترح بميثاق التعليم الذي قال عنه أنه حظي بالاجماع وهذه غلطة أخرى ، وأكد ذلك البعد أن الفقرة التي تلاها من الميثاق تفرض الرسوم على الجميع وتخصص منحة فقط للمتفوقين أي لم يتملم الميثاق عن الغني والفقير الشئ الذي يبين أن الوزير بصدد تمرير الجانب السئ في الميثاق وهو تنفيذ نفض يد الدولة من مسؤولية التعليم . كما أن الكلام عن استبعاد الشرائح المتوسطة فيه نوع من الديماغوجية لأن المستهدف الأساسي هي هذه الشرائح على اعتبار أن الطبقة السائدة قادرة على تحمل كل النفقات والرسوم وغيرها في الدول المتقدمة ، وفي القطاع الخاص من معاهد كبرى . وبضعة أبناء من الطبقات السائدة لا يمكن أبدا أن تغطي للكليات التي يتحدث عنها خصاصها المالي .
هنالك تياران أساسيان في الظرف الحالي حول المجانية : تيار يسعى إلى المجانية وبدون تمييز ومن خلال المواطنة الحقيقية في التعليم بكافة أسلاكه وفي الصحة في كافة التخصصات تحمل فيهما الدولة مسؤوليتها . التيار الثاني محمر عينيه على هذه الميادين لخوصصتها عن طريق نفض يد الدولة من مسؤوليتها ورمي الكرة بعيدا عنها وذلك تنفيذا للسياسة الطبقية من جهة وللمؤسسات الدولية من جهة أخرى .
يزيد البركة
وزير التعليم العالي يسارع إلى تنفيذ أسوأ ما في الميثاق الوطني
لا أعلم ماذا أصاب وزير التعليم العالي السيد لحسن الداودي في القناة الأولى يوم 29 يونيو وهو يرد على منتقدي المس بمجانية التعليم والتي هي أصلا مجانية معطوبة ؟ لقد كنا نعتقد أن مسؤولي العدالة والتنمية يلجأون فقط إلى خطاب وصم الخصم بصفات تجرده من... الانتماء إلى الدين بل ومعاداته عندما يستعملون الدين وسيلة للهجوم ، وإذا به وقد كان يتكلم في السياسة فقط يستعمل كلمات إيحائية بمعاداة العدالة في هذه البلاد لفائدة جهات لم يسمها بحيث طرح سؤالا من يتكلم" أو منوض الغوات ولحساب من" وموجها كلامه إلى الفقراء قائلا " حتى واحد ما خصو ياكل الثوم بفمكم "؟ في إشارة لمعارضة اقتراحه وقد أوضح حسب رأيه أنه لفائدة الفقراء والشرائح المتوسطة .
يقول الوزير أن الفقراء والشرائح المتوسطة غير معنية بأداء الرسوم على التسجيل بل أكثر من هذا يحصل أبناء هؤلاء على 600 درهم . الفئة المعنية هي أبناء الميسورين بالأداء . والحقيقة أن اقتراح الوزير يحمل أخطارا عميقة حاول من خلال الديماغوجية التستر عليها مثلأ قواله : الإجماع حول الميثاق ، تشبيه المغرب بالدول المتقدمة في رسوم التسجيل ،ماذا سنفعل أمام الخصاص في المقاعد الدراسية؟ هل نترك أبناء الفقراء برا ؟ نحن نريد العدالة في هذه البلاد .
لكن قبل مناقشة صلب الموضوع لا بد من تسجيل ملاحظة شكلية على كلام الوزير في الأولى لها أهميتها وهو كلام لم يستغرق إلا دقائق معدودة، ويخفي الكثير من نفسية الوزير ونظرته لفلسفة شغر مقعد وزاري ومدى فصل ذلك عن الذات لقد كان يتكلم كأن الوزارة ملكية خاصة للشخص : استعمل كلمة عندي 4 مرات ، جاو عندي الناس 3 مرات ، أنا معنديش مرتين، خصني مرتين ، غادي نزيد مرة واحدة .
في الموضوع ، لا يمكن للوزير أن يخفي بالهروب إلى الأمام وإلصاق التهم المغرضة بمعارضي اقتراحه، وبتقديم وعود زاهية ولكن زائفة للفقير ولشرائح المتوسطة ، أنه مخلب قط للمؤسسات الدولية الغربية والطبقات الطفيلية المغربية التي تطالب المغرب منذ مدة طويلة بخوصصة المجالات الاجتماعية وفي مقدمتها التعليم والصحة وخطوته ليست إلا مقدمة لهدم مبدأ المجانية الذي جاء بنضالات الحركة التقدمية والذي تقدمت فيه ولم تصل إلى نهاية المطاف والذي بدأت فيه التراجعات منذ مدة. وسأتناول هذا الموضوع من زاويتين أساسيتين ، الأولى عامة وشمولية والثانية خاصة محدودة في إطار الشروط القائمة بكل إكراهاتها :
الزاوية العامة الشمولية
السيد الوزير ، وأنت تتكلم أنكم تريدون العدالة في هذه البلاد وهو تعهد كبير جدا ظهر بالملموس وبالرغم من أن الدستور يسند ظهركم أنكم لستم أهلا للإضطلاع به ، وحصر العدالة في هذه البلاد في فرض الرسوم في التعليم العالي على فئة لا نعلم لحد الآن حدودها الدنيا ولا القصوى هو كلام لاستبلاد الناس فقط .إن العدالة في هذه البلاد تأتي من التوزيع العادل للثروة والقضاء نهائيا على الهوة السحيقة الموجودة بين الطبقات وهي هوة تراكمت واستفحلت مع نهب الثروات عبر عقود . وكنا نتمنى أن يكون كلامك صادقا وأن يسارع زعيمكم إلى فتح ملف الفساد الكبير الذي أدى إلى اغتناء كمشة من العائلات على حساب أغلبية الشعب ولكنه سارع بالعكس إلى طمأنة هذه الكمشة على ثرواتها مع العلم أن حل معضلات الشعب المغربي الاجتماعية والاقتصادية لا يمكن أن تأتي إلا من خلال الثروة . إن مجتمعا فيه توزيعا عادلا للثروة هو الذي يضمن من خلال دولة ديموقراطية خدمات اجتماعية من تعليم وصحة وبيئة نظيفة وغير ذلك بدون تمييز بين ابن غني وابن فقير . ولهذا فإن الوزارة التي يعتقدها الوزير ملكية خاصة مرتبطة بطبيعة الدولة ومرتبطة بالثروة في يد من وماذا تخدم ؟ إن مساهمة الأفراد في مجتمع فيه عدالة اجتماعية وتوزيع عادل للثرة من أجل سير الميادين الاجتماعية مساهمة متقاربة يتحمل فيها كل واحد نصيبه وتكون الدولة والمؤسسات الديمقراطية تعيد توزيع هذه المساهمة .
الزاوية الخاصة
في ظل التفاوت الطبقي في الثروات وفي ظل استفحال دائرة الفقر والبطالة وتدهور الطبقات المتوسطة نحو دائرة الفقر لا يمكن أن يبقى التعليم والصحة جزءا يعكس هذا التدهور ومرآة للطبقية بل على العكس تلجأ الدولة ذات الطبيعة الاصلاحية للحفاظ على الطبيعة المبدئية في عدم التمييز بين الأفراد أبناء وآباء وأمهات في التعليم الصحة والخدمات الإدارية لأنه لا يعقل بتاتا أن يكون هناك أي تباهي بين من يوجد في قاعة الدرس بين من هو ذي أصل ميسور أو غير ميسور ولهذا وجدت المدرسة العمومية أصلا أي أن تخرج أجيالا قادرة على التعالي على هذه السلبيات. ويفرض هذا نفسه في ظل أننا دولة متخلفة اقتصاديا وتقنيا قاعدة المجتمع فيه فقيرة وإذا بالوزير يريد أن يكرس التمييز قانونيا بأن يساهم ابن الغني في تعليم ابن الفقير . إن الدولة الاصلاحية تلجأ إلى وسيلة الضريبة على الثروة إذا لم تكن قادرة على إعادة توزيع الثروة ومن خلال هذه الضريبة يعاد التوزيع مع مجموع ما يتوفر عند الدولة على القطاعات الاجتماعية وغيرها . إذن حتى في الدولة الاصلاحية لا يتم التمويل الفج الذي يريده الوزير من طرف ابن الغني لفائدة ابن الفقير وإنما من خلال الضرائب التي تساهم فيها حاليا الطبقات الشعبية بحصة كبيرة أكثر من الطبقات السائدة . وحسب الوقائع السياسية فإن الأغلبية صوتت في البرلمان ضد الضريبة على الثروة ومنها أساسا الحزب الذي يدعي أنه يريد العدالة في هذه البلاد
إن اقتراح الوزير في جوهره بداية تفضح ما بعدها وقد استدل على قانونية المقترح بميثاق التعليم الذي قال عنه أنه حظي بالاجماع وهذه غلطة أخرى ، وأكد ذلك البعد أن الفقرة التي تلاها من الميثاق تفرض الرسوم على الجميع وتخصص منحة فقط للمتفوقين أي لم يتملم الميثاق عن الغني والفقير الشئ الذي يبين أن الوزير بصدد تمرير الجانب السئ في الميثاق وهو تنفيذ نفض يد الدولة من مسؤولية التعليم . كما أن الكلام عن استبعاد الشرائح المتوسطة فيه نوع من الديماغوجية لأن المستهدف الأساسي هي هذه الشرائح على اعتبار أن الطبقة السائدة قادرة على تحمل كل النفقات والرسوم وغيرها في الدول المتقدمة ، وفي القطاع الخاص من معاهد كبرى . وبضعة أبناء من الطبقات السائدة لا يمكن أبدا أن تغطي للكليات التي يتحدث عنها خصاصها المالي .
هنالك تياران أساسيان في الظرف الحالي حول المجانية : تيار يسعى إلى المجانية وبدون تمييز ومن خلال المواطنة الحقيقية في التعليم بكافة أسلاكه وفي الصحة في كافة التخصصات تحمل فيهما الدولة مسؤوليتها . التيار الثاني محمر عينيه على هذه الميادين لخوصصتها عن طريق نفض يد الدولة من مسؤوليتها ورمي الكرة بعيدا عنها وذلك تنفيذا للسياسة الطبقية من جهة وللمؤسسات الدولية من جهة أخرى .
يزيد البركة
رياضي- Admin
- عدد المساهمات : 3794
تاريخ التسجيل : 06/07/2010
- مساهمة رقم 10
رد: للمطالعة اليزيد البركة
حركة 20 فبراير إلى أين ؟
كثيرا ما سمعت من قبل أصواتا نشازا وسط مسيرات 20 فبراير منها ما يتعلق بإسقاط النظام وغيره من الشعارات المشابهة له ، وأقول مع نفسي أن هؤلاء الشباب ساخطون ولا يفهمون في أبجديات الثورة وسوف يفهمون مع الاحتكاك بالواقع . كثير من الشعارات تنزل قسرا على مسامع الفئات التي خرجت إلى الشارع منها على سبيل ا...
لمثال " قتلوهم ، عدموهم ، أولاد الشعب يخلفوهم" و هز قدم ، حط قدم ، الشوارع عامرة بالدم " مثل كل هذه الشعارات رفعتها الحركة اليسارية أثناء فترة كان فيها المناضلون مهددون بالإعدام والأحكام الثقيلة جدا بالمؤبد و30 سنة سجنا وكنا نريد أن نقول للحكم أقتل وأعدم هناك جيل قادم سيخلفوننا، وكان كل مثل هذا الكلام يدور فقط بين اليساريين وعائلاتهم أما في السجون أو في منازل المناضلين أو في بعض الجمعيات وليس وسط الجماهير . لكن الوضع الآن اختلف فبدل مناجاة أنفسنا أصبحنا أمام الجماهير نخاطبها ، إذ لا يمكن أن نخاطب أسرة بأبناءها جاءت إلى المسيرة أو الوقفة بشعارات تخلق الخوف والقلق لديها بل بشعارات الأمل والورود والحياة السعيدة . إن من لا يعرف كيف يقود الجماهير وكيف يعمل على التجميع لا يصب جهده بالضرورة- إذا ادعى اليسارية- إلا في خانة الفوضوية بأشكالها المتطرفة ، لأنها دائما ما تؤدي بأسلوبها وأدواتها إلى خدمة القوى المستبدة دون أن تعي ، ولا ترى من عدو أمامها إلا من كان دون استراتيجيتها العنترية الشئ الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى خلق تصدعات وسط الصف الذي يناضل ضد القوى المستبدة .
مناسبة هذا الكلام هو ما جاء في نهاية مسيرة الدار البيضاء ليوم السبت 11غشت وقد اطلعت عليه هذا الصباح من موقع الجريدة الالكترونية كود . حيث قال شاب يتكلم باسم المسيرة أن الرسائل التي تم التعبير عنها في المسيرة ليست موجهة للحكومة لأن كل الحكومات المتعاقبة متشابهة يعني أنه لا سلطة لها ، بل إلى أعلى سلطة في البلاد . ثم ردد شعارا لمح فيه إلى تخوين الملك بسبب العنف والاعتقالات .
كثيرا ما يتم الربط بين الفوضوية والصبيانية في الأدبيات الاشتراكية . إذا كانت الرسائل مرفوعة إلى الملك مباشرة وكل أجهزة الدولة غير معنية بها ، ماذا يريد الشاب من الملك أن يفعل ؟ أن يتلقى الرسائل ويستجيب لها ؟ بمعنى أصبحت الشعارات الفوضوية في خبر كان . وأصبح الشاب إصلاحيا بامتياز ، يطلب ممن يتهمه تلميحا بالخيانة أن يستجيب له للمطالب التي يرفعها ، أليست هذه قمة الصبيانية ؟ لنسر مع هذا المنطق حتى النهاية ، ماذا يشكل هذا الخطاب من قوة لكي يستجيب له الملك ؟ لأننا نعلم ليس فقط بالنظرية وإنما بمسيرة طويلة من نضال الشعب المغربي ، أن النظام في المغرب لا يأخذ الأمر على محمل الجد إلا إذا كان من يرفع شعارات قوية له موقع هام في الساحة الجماهيرية تعبئة وفكرا وإشعاعا وقدرة على صنع القرار الذي يشتت الخصم ويقوي صفوف الحركة التي تناضل . ذكر الإعلام أن 30 مدينة خرجت للتظاهر بين وقفات ومسيرات لنقل أن كل مسيرة ضمت ثلاثة آلاف المجموع سيكون هو حوالي مئة ألف . هل بهذه القوة يمكن لمن يقود حركة من الحركات أن ينتقل من مرحلة في النضال إلى مرحلة أخرى متقدمة ؟ مع العلم أن الحركة عرفت تراجعا ملحوظا في حشد القوى وتعبئة الجماهير .
لنقلب إلى الصفحة الأخرى ، وهي أن الكلام عن من وجهت له الرسائل لا يقصد قائله أن الملك سيستجيب وإنما يدخل في باب أن المواجهة بدأت بشكل مباشر مع الملك ، وأن الضغط عليه بكل الأشكال حان وقته بما فيه تصعيد الاتهامات ضده ، هل بهذه القوة يريد الخطاب أن يتصادم مع الملك تصادما مباشرا؟ هذه نظرة بائسة جدا تنطلق من أن تطور الحركة لا يمكن أن يحصل إلا من خلال المزايدة على الأحزاب التي تدعم وتساند الحركة وعلى النقابات وعلى الجمعيات ومن خلال الضغط عليها لكي تذعن للسير على درب أن شرط الثورة قائم واتهامها بأنها متقاعسة وتفوت الفرصة وهذه كلها أضغاث أحلام . هذه الخطوة الأخرى هي خطوة لا تستفيد منها إلا قوى الفساد التي ظلت منذ بداية 20 فبراير تعمل على الزج بالملك بسلطاته الدستورية على الجيش والأمن والقضاء في المعركة والادعاء أن الحركة تطرح هدف إسقاط النظام ليس من ملكية تنفيذية إلى ملكية برلمانية وإنما إلى جمهورية . ويظهر أن بعض الشباب يعطون لهذه القوى الفاسدة عناصر تقوي هذا التحليل وتجعل من الطبقة السائدة قوة منيعة لا تعرف أي تناقضات وانشقاقات وتعمل دون أن تعي على دفع الطبقات الوسطى والفئات الشعبية ذات الحاجات الخاصة إلى أحضان التكتل الطبقي السائد . وهنا تلتقي الفوضوية بقوى الفساد ، وتجعل من رؤوسه الكبيرة بمثابة رؤوس دائمة لا تتغير ولا تعرف المحاسبة مثلها مثل الملك الدائم والذي لا يحاسب. تلك الرؤوس ليست دائمة إلا بفضل خلط الأوراق عن قصد أو غير قصد أو سوء فهم .إن مسألة تقدير زمن حركة جماهيرية بشروطها المادية والمعنوية مسألة في غاية التعقيد . إنها ليست مزاجا ولا ردود فعل هي علم ومن لا يستطيع أن يتقنه عليه ألا يسعى إلى قيادة الحركة ، لأن عدم تقدير هذا الزمن يؤدي إلى أخطاء فادحة .
إن الحركة الجماهيرية الواسعة لها امكانات كبيرة جدا أن تتقوى إذا ما راجعت القيادية الشبابية أوراقها قبل فوات الأوان واستمعت بعناية إلى أصوات الجماهير الواسعة بما فيها الطبقات المتوسطة التي تريد الحكومة الحالية أن تحملها الكثير من أعباء الأزمة الآتية بقوة . إن الحركة تعيش أزمة قيادة وهذا لا يمكن أن تخطئها أي عين فاحصة ، ومصدر الأزمة أنها تحاول أن تجمع عدة استراتيجيات لا يمكن الجمع بينها في سلة واحدة أي هناك ألسنة استراتيجية متعددة . إذا تغلبت الحكمة أحيانا تبرز استراتيجية الغموض وهي أيضا مدمرة ، إذ أن القوي في الساحة هو الذي يصنع المستقبل وإذا لم تحضر الحكمة فكل يغني على ليلاه وهذا ما حصل يوم السبت.
كان من اللازم قول الحقيقة ،وكل سكوت عما يجري لن تؤدي ثمنه مستقبلا إلا الجماهير وعائلات المناضلين الشرفاء ، لذا على العقول النيرة وقف الحمى التي تدفع إلى أن الثورة على الأبواب لأن هذا التصور ليس إلا مغامرة في أبشع صورها ، وإذا كان المقصود هو المزايدة في الشعارات فقط ولا علاقة للمزايدات بالميدان وبالدرجة التي بلغها الصراع فهذا ليس إلا طوباوية ساذجة يريد أصحابها أن يحسبوا جيدا ولكن الحساب سيكون تخميم فئة قليلة تريد أن تدفع قسرا الجماهير إلى أن تتبنى هذا التخميم ، أي فرض المعركة الفاصلة على الجماهير دون أن تعي أنها فاصلة.
كثيرا ما سمعت من قبل أصواتا نشازا وسط مسيرات 20 فبراير منها ما يتعلق بإسقاط النظام وغيره من الشعارات المشابهة له ، وأقول مع نفسي أن هؤلاء الشباب ساخطون ولا يفهمون في أبجديات الثورة وسوف يفهمون مع الاحتكاك بالواقع . كثير من الشعارات تنزل قسرا على مسامع الفئات التي خرجت إلى الشارع منها على سبيل ا...
لمثال " قتلوهم ، عدموهم ، أولاد الشعب يخلفوهم" و هز قدم ، حط قدم ، الشوارع عامرة بالدم " مثل كل هذه الشعارات رفعتها الحركة اليسارية أثناء فترة كان فيها المناضلون مهددون بالإعدام والأحكام الثقيلة جدا بالمؤبد و30 سنة سجنا وكنا نريد أن نقول للحكم أقتل وأعدم هناك جيل قادم سيخلفوننا، وكان كل مثل هذا الكلام يدور فقط بين اليساريين وعائلاتهم أما في السجون أو في منازل المناضلين أو في بعض الجمعيات وليس وسط الجماهير . لكن الوضع الآن اختلف فبدل مناجاة أنفسنا أصبحنا أمام الجماهير نخاطبها ، إذ لا يمكن أن نخاطب أسرة بأبناءها جاءت إلى المسيرة أو الوقفة بشعارات تخلق الخوف والقلق لديها بل بشعارات الأمل والورود والحياة السعيدة . إن من لا يعرف كيف يقود الجماهير وكيف يعمل على التجميع لا يصب جهده بالضرورة- إذا ادعى اليسارية- إلا في خانة الفوضوية بأشكالها المتطرفة ، لأنها دائما ما تؤدي بأسلوبها وأدواتها إلى خدمة القوى المستبدة دون أن تعي ، ولا ترى من عدو أمامها إلا من كان دون استراتيجيتها العنترية الشئ الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى خلق تصدعات وسط الصف الذي يناضل ضد القوى المستبدة .
مناسبة هذا الكلام هو ما جاء في نهاية مسيرة الدار البيضاء ليوم السبت 11غشت وقد اطلعت عليه هذا الصباح من موقع الجريدة الالكترونية كود . حيث قال شاب يتكلم باسم المسيرة أن الرسائل التي تم التعبير عنها في المسيرة ليست موجهة للحكومة لأن كل الحكومات المتعاقبة متشابهة يعني أنه لا سلطة لها ، بل إلى أعلى سلطة في البلاد . ثم ردد شعارا لمح فيه إلى تخوين الملك بسبب العنف والاعتقالات .
كثيرا ما يتم الربط بين الفوضوية والصبيانية في الأدبيات الاشتراكية . إذا كانت الرسائل مرفوعة إلى الملك مباشرة وكل أجهزة الدولة غير معنية بها ، ماذا يريد الشاب من الملك أن يفعل ؟ أن يتلقى الرسائل ويستجيب لها ؟ بمعنى أصبحت الشعارات الفوضوية في خبر كان . وأصبح الشاب إصلاحيا بامتياز ، يطلب ممن يتهمه تلميحا بالخيانة أن يستجيب له للمطالب التي يرفعها ، أليست هذه قمة الصبيانية ؟ لنسر مع هذا المنطق حتى النهاية ، ماذا يشكل هذا الخطاب من قوة لكي يستجيب له الملك ؟ لأننا نعلم ليس فقط بالنظرية وإنما بمسيرة طويلة من نضال الشعب المغربي ، أن النظام في المغرب لا يأخذ الأمر على محمل الجد إلا إذا كان من يرفع شعارات قوية له موقع هام في الساحة الجماهيرية تعبئة وفكرا وإشعاعا وقدرة على صنع القرار الذي يشتت الخصم ويقوي صفوف الحركة التي تناضل . ذكر الإعلام أن 30 مدينة خرجت للتظاهر بين وقفات ومسيرات لنقل أن كل مسيرة ضمت ثلاثة آلاف المجموع سيكون هو حوالي مئة ألف . هل بهذه القوة يمكن لمن يقود حركة من الحركات أن ينتقل من مرحلة في النضال إلى مرحلة أخرى متقدمة ؟ مع العلم أن الحركة عرفت تراجعا ملحوظا في حشد القوى وتعبئة الجماهير .
لنقلب إلى الصفحة الأخرى ، وهي أن الكلام عن من وجهت له الرسائل لا يقصد قائله أن الملك سيستجيب وإنما يدخل في باب أن المواجهة بدأت بشكل مباشر مع الملك ، وأن الضغط عليه بكل الأشكال حان وقته بما فيه تصعيد الاتهامات ضده ، هل بهذه القوة يريد الخطاب أن يتصادم مع الملك تصادما مباشرا؟ هذه نظرة بائسة جدا تنطلق من أن تطور الحركة لا يمكن أن يحصل إلا من خلال المزايدة على الأحزاب التي تدعم وتساند الحركة وعلى النقابات وعلى الجمعيات ومن خلال الضغط عليها لكي تذعن للسير على درب أن شرط الثورة قائم واتهامها بأنها متقاعسة وتفوت الفرصة وهذه كلها أضغاث أحلام . هذه الخطوة الأخرى هي خطوة لا تستفيد منها إلا قوى الفساد التي ظلت منذ بداية 20 فبراير تعمل على الزج بالملك بسلطاته الدستورية على الجيش والأمن والقضاء في المعركة والادعاء أن الحركة تطرح هدف إسقاط النظام ليس من ملكية تنفيذية إلى ملكية برلمانية وإنما إلى جمهورية . ويظهر أن بعض الشباب يعطون لهذه القوى الفاسدة عناصر تقوي هذا التحليل وتجعل من الطبقة السائدة قوة منيعة لا تعرف أي تناقضات وانشقاقات وتعمل دون أن تعي على دفع الطبقات الوسطى والفئات الشعبية ذات الحاجات الخاصة إلى أحضان التكتل الطبقي السائد . وهنا تلتقي الفوضوية بقوى الفساد ، وتجعل من رؤوسه الكبيرة بمثابة رؤوس دائمة لا تتغير ولا تعرف المحاسبة مثلها مثل الملك الدائم والذي لا يحاسب. تلك الرؤوس ليست دائمة إلا بفضل خلط الأوراق عن قصد أو غير قصد أو سوء فهم .إن مسألة تقدير زمن حركة جماهيرية بشروطها المادية والمعنوية مسألة في غاية التعقيد . إنها ليست مزاجا ولا ردود فعل هي علم ومن لا يستطيع أن يتقنه عليه ألا يسعى إلى قيادة الحركة ، لأن عدم تقدير هذا الزمن يؤدي إلى أخطاء فادحة .
إن الحركة الجماهيرية الواسعة لها امكانات كبيرة جدا أن تتقوى إذا ما راجعت القيادية الشبابية أوراقها قبل فوات الأوان واستمعت بعناية إلى أصوات الجماهير الواسعة بما فيها الطبقات المتوسطة التي تريد الحكومة الحالية أن تحملها الكثير من أعباء الأزمة الآتية بقوة . إن الحركة تعيش أزمة قيادة وهذا لا يمكن أن تخطئها أي عين فاحصة ، ومصدر الأزمة أنها تحاول أن تجمع عدة استراتيجيات لا يمكن الجمع بينها في سلة واحدة أي هناك ألسنة استراتيجية متعددة . إذا تغلبت الحكمة أحيانا تبرز استراتيجية الغموض وهي أيضا مدمرة ، إذ أن القوي في الساحة هو الذي يصنع المستقبل وإذا لم تحضر الحكمة فكل يغني على ليلاه وهذا ما حصل يوم السبت.
كان من اللازم قول الحقيقة ،وكل سكوت عما يجري لن تؤدي ثمنه مستقبلا إلا الجماهير وعائلات المناضلين الشرفاء ، لذا على العقول النيرة وقف الحمى التي تدفع إلى أن الثورة على الأبواب لأن هذا التصور ليس إلا مغامرة في أبشع صورها ، وإذا كان المقصود هو المزايدة في الشعارات فقط ولا علاقة للمزايدات بالميدان وبالدرجة التي بلغها الصراع فهذا ليس إلا طوباوية ساذجة يريد أصحابها أن يحسبوا جيدا ولكن الحساب سيكون تخميم فئة قليلة تريد أن تدفع قسرا الجماهير إلى أن تتبنى هذا التخميم ، أي فرض المعركة الفاصلة على الجماهير دون أن تعي أنها فاصلة.
عم عبده- عدد المساهمات : 325
تاريخ التسجيل : 26/04/2012
- مساهمة رقم 11
رد: للمطالعة اليزيد البركة
لن يحصل الشعب على الكرامة إلا في إطار ديمقراطية حقيقية
تفاجأت ببيان الكرامة الموقع من طرف مجموعة من الشخصيات المغربية ، ومصدر المفاجئة أنه أولا سعى أن يصدر بأسلوب السرية في الإعداد كما كانت تصدر بها العرائض في إبان الحماية مع أن الوضع الآن مخالف يتطلب العلنية والشفافية والديمقراطية لمناقشة كل الآراء والتصورات وتحديد ا...
لأهداف من أي خطوة ذات البعد السياسي . ثانيا أنه خرج حتى بعد إعداده بسرعة إلى الرأي العام وإلى الإعلام الوطني والدولي .
وبغض النظر عن أن طقوس الولاء طقوس مذلة وتحط من كرامة الإنسان ومن الضروري التخلي عنها ، أرى لزاما علي أن أدقق وأوضح بعض القضايا الأساسية في الموضوع .
- أن البيان ومن شخصيات معنوية في المجتمع في قضية سياسية وللتخفيف أقول لا يفي بالغرض لأنه يحدد عادة الهدف المراد تحقيقه في كل علاقاته الجوهرية وإلا جاء البيان لهدف جزئي . وهنا لا يمكن مقارنة البيان بأهدافه مع وقفة الولاء والكرامة التي تم تعنيفها من طرف الأجهزة الأمنية ، لأن الوقفة وما دامت نضال في الشارع يمكنها أن تخوض معارك مجزأة وأحيانا صغيرة .
- لا بد من تسجيل نقطة أساسية وهي أن حفلة الولاء طقوس شكلية تمتد إلى طقوس كثيرة في الحياة اليومية لخدام الدولة وموظفيها والمتزلفين منها رفع البرقيات والتهنئات وإصدار الأحكام وغير ذلك كثير ... لكن مضمون كل هذه الأشكال هي طبيعة السلطة ، وأي فصل للمضمون عن الشكل لا يمكن أن يؤدي إلا إلى طمس الصراع الحقيقي في المجتمع . وإن العبارة الواردة في البيان والتي تقول أن : " إن البروتوكول المخزني من انحناء وركوع وتقبيل لأيدي الملك وأفراد أسرته لا معنى له غير إهانة كرامة المغاربة بهذه الممارسات" عبارة تكرس الغموض في هذه النقطة . إن رمي الكرة في مجتمع ديمقراطي حقيقي لشباب 20 فبراير هو هروب من المعركة الحقيقية ربما حتى تستطيع العريضة استقطاب أعداد كبيرة من الموقعين في حين كان من المفروض التنصيص في البيان على جوهر المسألة المطروحة في الساحة وتحديد موقف الموقعين بدون لبس ولا غموض .
- لقد كان حزب الطليعة الديمقراطي – الاشتراكي من خلال مواقفه ومن خلال المذكرة التي رفعها بمناسبة مراجعة الدستور ، قد سجل ضرورة إلغاء الفصل 19 ومعه إمارة المؤمنين وكل ما يرتبط به من فصول مكملة وهذا هو جوهر الأشكال المخزنية في الطقوس والمراسم التقليدية ، كما طالب بملكية برلمانية تقطع نهائيا مع الملكية المطلقة بكل أسسها وأشكالها.
- إن الإصرار على خوض المعارك في الأشكال مفصولة عن المضامين ممارسة تكرست منذ الحركة الوطنية وهي تحاول الآن أن تطل من جديد فلو طرحت الحركة الوطنية المضامين الديمقراطية في الصراع من أجل الاستقلال ورجوع محمد الخامس وعبأت الشعب من أجل الديمقراطية والكرامة والعدالة لما عشنا ما نعيشه الآن . وبهذا الصدد فإن الملكية البرلمانية ليست إلا شكلا للحكم بينما المضمون هو الديمقراطية الحقيقية المتعارف عليها دوليا كتقنيات وأدوات ولكن أيضا كقيم إنسانية . وبمناسبة تأسيس الإئتلاف من أجل الملكية الآن ، عبرت شخصيا أثناء التأسيس عن أن الشعار بوضعه عنوانا أصبح استراتيجية وأن المضمون هو الذي يجب أن يكون استراتيجية بينما تكون الملكية البرلمانية الآن داخل الأرضية السياسية لكن من كان يجر القاطرة وبإلحاح لم يرد أن يسمع أي رأي وها نحن الآن في ورطة نعيد نفس الخطأ الذي وقعت فيه الحركة الوطنية بجعل الأشكال والوسائل أهدافا استراتيجية.
- لا أرى أي سبب يدفع إلى ربط حفل الولاء بسنوات الرصاص ، فعلى العكس تماما كان الشعب المغربي في هذه السنوات في عزته وكرامته ، القصر في جهة مع خدامه والشعب بعيد عن القصر لا علاقة له لا بالولاء ولا بأي طقوس . إن الحفل في البداية مع الدولة العلوية كان مقتصرا على خدام الدولة وامتد إلى أعيان ووجهاء القبائل الخاضعة له ، بعد الاستقلال عاد المخزن إلى خدام الدولة مع تغيير أنه في هذا اليوم تكون السيطرة على خدام الدولة لخدام القصر للمزيد من الإذلال مع وضع يده على أول برلمان وهنا كانت مفاجئة نواب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الحسن الثاني في 1964 بلباس عصري بدل اللباس المخزني ونقل الإعلام الاجنبي الواقعة وأعطى عبد الرحيم بوعبيد تصريحا للصحافة الفرنسية بأن المبادرة هي لمناهضة التوجه السياسي في التقاليد والأعراف البالية، ومع بداية ما سمي بالمسلسل الديمقراطي تشجع المخزن لتوسيع الرقعة الاجتماعية للخدام ولكن لم ينجح إلا جزئيا فهناك أحزاب وشخصيات لم تطبع سلوكها أبدا مع الطابع المخزني العتيق ولا يجب أن ننسى المعركة التي كانت تجري مع انتخاب المجالس البلدية في 1976 وبعد ذلك أيضا ، ولا ننسى كيف مورست الضغوط على الأخ عبد الرحمن بنعمرو لكي يوافق على البرقية وكان رفضه قاطعا .إن حفل الولاء قديم جدا ولا علاقة له بسنوات الرصاص . والإذلال الذي كان يجري كان على خدام الدولة ، وحسب ما سمعت فإن بعض الممارسات التي كانت أيام الحسن الثاني قد تم التخلي عنها مثل أن يجلب كل فرد قنينة بلاستيكية يخبئها تحت جلابيبه للتبول فيها حيث كان لا يسمح لأي من الخدام بالتبول في مراحيض القصر . كما حد شيئا ما من عجرفة خدام القصر على خدام الدولة حيث كانوا مثلا عندما يطلب أحد الماء يقدم له ويطالبه خادم القصر بالشرب بسرعة قائلا له وبفظاظة " اشرب وحط الكاس " لأنه حسب ما كان متداولا هناك من كان يسرق الكأس من القصر للاحتفاظ به كشئ فريد ونفيس في داره . إن الشعب المغربي كان في سنوات الرصاص يعتبر خدام المخزن خدام يسعون إلى أكل العسل ، " ومن يريد أن يأكل العسل عليه أن يصبر لقرص النحل" ، وإذا كان هناك من يريد أن يأكل عسل القصر الآن فقط يجب أن تزال الطقوس سنقول لهؤلاء إن يقظة الشعب بالمرصاد. لن يسمح بمخزنية عصرية وإنما بدولة وطنية ديمقراطية
- لا أفهم كيف تم توقيع السيد أحمد الريسوني على البيان مع العلم أنه صرح أنه فقط ضد تجديد البيعة كل سنة وأنه لا يوافق أحمد التوفيق في مقارنة حفل الولاء ببيعة الرضوان لكنه هو مع البيعة في بعدها السياسي ونفس الأمر عبرت عنه العدالة والتنمية في أكثر من مناسبة عندما تصر على إمارة المؤمنين
- الفقرة الأخيرة جعلت من البيان عريضة مرفوعة إلى الدولة أي إلى الملك كطلب لينظر فيه والحال فإن الأوضاع السياسية كانت تفرض على الموقعين مواكبة 20 فبراير بإصدار بيان يحدد الأهداف بدقة موجه للرأي العام الوطني والدولي ، يوازي ويعزز ما تقوم به الحركة من تعبئة الشارع والرأي العام نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية
- إن المعركة كبيرة وتتطلب من معدي البيان العمل على صياغة بيان مكمل أشمل وأدق يساير التطور الحاصل في الصراع السياسي والفكري ، وحتى لا تقوم كل فئة أو جماعة بإعداد بيان خاص بها وفق ما تراه من أهداف
تفاجأت ببيان الكرامة الموقع من طرف مجموعة من الشخصيات المغربية ، ومصدر المفاجئة أنه أولا سعى أن يصدر بأسلوب السرية في الإعداد كما كانت تصدر بها العرائض في إبان الحماية مع أن الوضع الآن مخالف يتطلب العلنية والشفافية والديمقراطية لمناقشة كل الآراء والتصورات وتحديد ا...
لأهداف من أي خطوة ذات البعد السياسي . ثانيا أنه خرج حتى بعد إعداده بسرعة إلى الرأي العام وإلى الإعلام الوطني والدولي .
وبغض النظر عن أن طقوس الولاء طقوس مذلة وتحط من كرامة الإنسان ومن الضروري التخلي عنها ، أرى لزاما علي أن أدقق وأوضح بعض القضايا الأساسية في الموضوع .
- أن البيان ومن شخصيات معنوية في المجتمع في قضية سياسية وللتخفيف أقول لا يفي بالغرض لأنه يحدد عادة الهدف المراد تحقيقه في كل علاقاته الجوهرية وإلا جاء البيان لهدف جزئي . وهنا لا يمكن مقارنة البيان بأهدافه مع وقفة الولاء والكرامة التي تم تعنيفها من طرف الأجهزة الأمنية ، لأن الوقفة وما دامت نضال في الشارع يمكنها أن تخوض معارك مجزأة وأحيانا صغيرة .
- لا بد من تسجيل نقطة أساسية وهي أن حفلة الولاء طقوس شكلية تمتد إلى طقوس كثيرة في الحياة اليومية لخدام الدولة وموظفيها والمتزلفين منها رفع البرقيات والتهنئات وإصدار الأحكام وغير ذلك كثير ... لكن مضمون كل هذه الأشكال هي طبيعة السلطة ، وأي فصل للمضمون عن الشكل لا يمكن أن يؤدي إلا إلى طمس الصراع الحقيقي في المجتمع . وإن العبارة الواردة في البيان والتي تقول أن : " إن البروتوكول المخزني من انحناء وركوع وتقبيل لأيدي الملك وأفراد أسرته لا معنى له غير إهانة كرامة المغاربة بهذه الممارسات" عبارة تكرس الغموض في هذه النقطة . إن رمي الكرة في مجتمع ديمقراطي حقيقي لشباب 20 فبراير هو هروب من المعركة الحقيقية ربما حتى تستطيع العريضة استقطاب أعداد كبيرة من الموقعين في حين كان من المفروض التنصيص في البيان على جوهر المسألة المطروحة في الساحة وتحديد موقف الموقعين بدون لبس ولا غموض .
- لقد كان حزب الطليعة الديمقراطي – الاشتراكي من خلال مواقفه ومن خلال المذكرة التي رفعها بمناسبة مراجعة الدستور ، قد سجل ضرورة إلغاء الفصل 19 ومعه إمارة المؤمنين وكل ما يرتبط به من فصول مكملة وهذا هو جوهر الأشكال المخزنية في الطقوس والمراسم التقليدية ، كما طالب بملكية برلمانية تقطع نهائيا مع الملكية المطلقة بكل أسسها وأشكالها.
- إن الإصرار على خوض المعارك في الأشكال مفصولة عن المضامين ممارسة تكرست منذ الحركة الوطنية وهي تحاول الآن أن تطل من جديد فلو طرحت الحركة الوطنية المضامين الديمقراطية في الصراع من أجل الاستقلال ورجوع محمد الخامس وعبأت الشعب من أجل الديمقراطية والكرامة والعدالة لما عشنا ما نعيشه الآن . وبهذا الصدد فإن الملكية البرلمانية ليست إلا شكلا للحكم بينما المضمون هو الديمقراطية الحقيقية المتعارف عليها دوليا كتقنيات وأدوات ولكن أيضا كقيم إنسانية . وبمناسبة تأسيس الإئتلاف من أجل الملكية الآن ، عبرت شخصيا أثناء التأسيس عن أن الشعار بوضعه عنوانا أصبح استراتيجية وأن المضمون هو الذي يجب أن يكون استراتيجية بينما تكون الملكية البرلمانية الآن داخل الأرضية السياسية لكن من كان يجر القاطرة وبإلحاح لم يرد أن يسمع أي رأي وها نحن الآن في ورطة نعيد نفس الخطأ الذي وقعت فيه الحركة الوطنية بجعل الأشكال والوسائل أهدافا استراتيجية.
- لا أرى أي سبب يدفع إلى ربط حفل الولاء بسنوات الرصاص ، فعلى العكس تماما كان الشعب المغربي في هذه السنوات في عزته وكرامته ، القصر في جهة مع خدامه والشعب بعيد عن القصر لا علاقة له لا بالولاء ولا بأي طقوس . إن الحفل في البداية مع الدولة العلوية كان مقتصرا على خدام الدولة وامتد إلى أعيان ووجهاء القبائل الخاضعة له ، بعد الاستقلال عاد المخزن إلى خدام الدولة مع تغيير أنه في هذا اليوم تكون السيطرة على خدام الدولة لخدام القصر للمزيد من الإذلال مع وضع يده على أول برلمان وهنا كانت مفاجئة نواب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الحسن الثاني في 1964 بلباس عصري بدل اللباس المخزني ونقل الإعلام الاجنبي الواقعة وأعطى عبد الرحيم بوعبيد تصريحا للصحافة الفرنسية بأن المبادرة هي لمناهضة التوجه السياسي في التقاليد والأعراف البالية، ومع بداية ما سمي بالمسلسل الديمقراطي تشجع المخزن لتوسيع الرقعة الاجتماعية للخدام ولكن لم ينجح إلا جزئيا فهناك أحزاب وشخصيات لم تطبع سلوكها أبدا مع الطابع المخزني العتيق ولا يجب أن ننسى المعركة التي كانت تجري مع انتخاب المجالس البلدية في 1976 وبعد ذلك أيضا ، ولا ننسى كيف مورست الضغوط على الأخ عبد الرحمن بنعمرو لكي يوافق على البرقية وكان رفضه قاطعا .إن حفل الولاء قديم جدا ولا علاقة له بسنوات الرصاص . والإذلال الذي كان يجري كان على خدام الدولة ، وحسب ما سمعت فإن بعض الممارسات التي كانت أيام الحسن الثاني قد تم التخلي عنها مثل أن يجلب كل فرد قنينة بلاستيكية يخبئها تحت جلابيبه للتبول فيها حيث كان لا يسمح لأي من الخدام بالتبول في مراحيض القصر . كما حد شيئا ما من عجرفة خدام القصر على خدام الدولة حيث كانوا مثلا عندما يطلب أحد الماء يقدم له ويطالبه خادم القصر بالشرب بسرعة قائلا له وبفظاظة " اشرب وحط الكاس " لأنه حسب ما كان متداولا هناك من كان يسرق الكأس من القصر للاحتفاظ به كشئ فريد ونفيس في داره . إن الشعب المغربي كان في سنوات الرصاص يعتبر خدام المخزن خدام يسعون إلى أكل العسل ، " ومن يريد أن يأكل العسل عليه أن يصبر لقرص النحل" ، وإذا كان هناك من يريد أن يأكل عسل القصر الآن فقط يجب أن تزال الطقوس سنقول لهؤلاء إن يقظة الشعب بالمرصاد. لن يسمح بمخزنية عصرية وإنما بدولة وطنية ديمقراطية
- لا أفهم كيف تم توقيع السيد أحمد الريسوني على البيان مع العلم أنه صرح أنه فقط ضد تجديد البيعة كل سنة وأنه لا يوافق أحمد التوفيق في مقارنة حفل الولاء ببيعة الرضوان لكنه هو مع البيعة في بعدها السياسي ونفس الأمر عبرت عنه العدالة والتنمية في أكثر من مناسبة عندما تصر على إمارة المؤمنين
- الفقرة الأخيرة جعلت من البيان عريضة مرفوعة إلى الدولة أي إلى الملك كطلب لينظر فيه والحال فإن الأوضاع السياسية كانت تفرض على الموقعين مواكبة 20 فبراير بإصدار بيان يحدد الأهداف بدقة موجه للرأي العام الوطني والدولي ، يوازي ويعزز ما تقوم به الحركة من تعبئة الشارع والرأي العام نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية
- إن المعركة كبيرة وتتطلب من معدي البيان العمل على صياغة بيان مكمل أشمل وأدق يساير التطور الحاصل في الصراع السياسي والفكري ، وحتى لا تقوم كل فئة أو جماعة بإعداد بيان خاص بها وفق ما تراه من أهداف
عم عبده- عدد المساهمات : 325
تاريخ التسجيل : 26/04/2012
- مساهمة رقم 12
رد: للمطالعة اليزيد البركة
جعجعة جديدة حول المقالع ولا طحين
ذكرت بعض وسائل الإعلام تعليقا على نية وزارة التجهيز والنقل نشر لائحة بأسماء المستفيدين من المقالع، أن القانون المنظم لها ما يزال هو ظهير 5 ماي سنة 1914 وهذا غير صحيح . ومن شأن تركيز هذه الفكرة في أذهان المواطنين الاعتقاد بأن المقالع كانت مشاعا يمكن التصرف فيها بدون رقيب . وقد عزز هذا أن إخبار وزارة التجهيز أمس الإثنين 12 نونبر جاء فيه بأن : " الوزارة بتنسيق مع المهنيين والقطاعات الوزارية المعنية مشروع قانون جديد ومشروع دفتر التحملات ومجموعة من مشاريع نصوص تطبيقية " ، الشئ الذي يقوي الاعتقاد أن ما تعرضت له المقالع كان بسبب غياب قانون منظم لها ، وأن ما مضى يجب أن نغض عنه الطرف لغياب القانون ونبدأ من الآن ومستقبلا في ضبط هذه الثروة ومراقبتها . إن هذه المقاربة غريبة ولا تنم عن جهل بالقانون وإنما بشطحة بهلوانية جديدة وضحك على الذقون .
قبل قانون 5 ماي 1914 كان...
ت المقالع أو المقاطع تحت تصرف القبائل كل قبيلة تتصرف فيما لديها على أراضيها وفق تنظيم مشاعي فيه الكثير من العقلانية ،وجاء القانون الذي وقعه محمد الكباص والمارشال ليوطي بتحول كبير جدا لفائدة المركز الذي كان في صالح الاستعمار أولا ثم الإدارة المخزنية المتعاونة ثانيا. ولكن مع ذلك تضمن القانون بنودا تنص على عدة التزامات للمستثمر في المقالع وعدة شروط للحصول على الترخيص كما ينص على عقوبات كذعيرة مالية وعلى عقوبات جنائية في حالة مخالفة القانون وقد جاء في القانون أنه :" يجري العمل بالفصل 463من القانون الجنائي الفرنسي فيما يتعلق بالمخالفات".
في تاريخ 13 يونيو2002 صدر قانون 01-08 يتعلق بالمقالع ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 19 غشت 2002 وفي أحكام متفرقة وانتقالية جاء أن القانون ينسخ الأحكام المنافية له ولا سيما ما جاء في قانون 1914 . وفي الحقيقة فقد جاء قانون 2002 بكثير من الاجراءات المهمة لتنظيم المقالع لا في المراقبة ولا في العقوبات وغيره وإن كان كل ذلك غير كاف لأنه لم يرتق إلى مراجعة الظلم الاجتماعي الذي حصل مع قانون 1914 والذي نقل الملكية من طابعها الجماعي إلى الطابع العام في يد الدولة شكليا ولكنها في الحقيقة في يد أفراد مميزون.وقد تم اعتماد حيلة من الحيل التي برع فيها المشرع على مدى عقود طويلة وذلك في المادة 61 من القانون الجديد تقول : " يدخل هذا القانون حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ العمل بالنص التنظيمي المتخذ لتطبيقه والذي يجب أن يصدر داخل أجل أقصاه سنة من تاريخ نشر هذا القانون " ولأن الحيلة مفضوحة جدا فقد تم استثناء بعض التدابير الواردة في القانون مثل إعادة التهيئة من طرف المستغل لتفادي المخاطر والمضار التي قد تهدد الساكنة .
إن الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا الموضوع كثيرة ومتنوعة وكلها تدور حول تقاعس مقصود من قبل الدولة ومؤسساتها لتأخير إنصاف المواطنين في الاستفادة من خيرات وثروات البلاد وهو إنصاف كان يتم قبل الاستعمار من طرف القبيلة بشكل لا بأس به ، وتم إقباره لتصبح المنفعة في يد أقلية لا تفكر إلا في مصلحتها بعيدا عن أفراد القبيلة ولا عن المصلحة العامة التي يمكن أن يستفيد منها الشعب . ويظهر أن التقاعس سيستمر إلى أجل غير منظور ومعه حلب بقرة المقالع لفائدة الأقلية غلى حساب الأغلبية وهذا توجه أفصحت عنه عبارة دفتر التحملات الواردة في إخبار وزارة التجهيز والنقل أي جعل المقالع في دورة رأسمالية قائمة إذا خلصت النيات بعد أن كانت لعقود طويلة في دائرة الدولة البوليسية الإدارية .
يزيد البركة