منتدى الرياضي للعمل النقابي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى يهتم بمستجدات العمل السياسي والنقابي محاولا رسم صورة مغايرة على ما عليه الوضع الان


    إبراهيم سرفاتي

    رياضي
    رياضي
    Admin


    عدد المساهمات : 3794
    تاريخ التسجيل : 06/07/2010

    إبراهيم سرفاتي - صفحة 2 Empty رد: إبراهيم سرفاتي

    مُساهمة من طرف رياضي الإثنين ديسمبر 14, 2015 1:53 pm

    دفاتر الذاكرة في تجربة اليسار الراديكالي المغربي ( الحلقة الرابعة ) : حوار لأبراهام السرفاتي حول تجربة مجلة أنفاس
    9 ساعات 22 دقيقة مضت
    حجم الخط: Decrease font Enlarge font
    دفاتر الذاكرة في تجربة اليسار الراديكالي المغربي ( الحلقة الرابعة ) : حوار لأبراهام السرفاتي حول تجربة مجلة أنفاس
    حوار الريف

    تقديم لا بد منه :

    تواصل حوار الريف نشر حلقات من ذاكرة اليسار الجديد ، وهي مساهمات لمناضلين سياسيين بارزين كانت لهم الكلمة في السياسة ، لكن كذلك مثقفين ملتزمين بقضايا شعبهم التحموا بالصراع الطبقي من منطلق النضال لكن كذلك البحث عن جوهر ما يؤطر حركية الصراع والمجتمعات .

    في هذه الحلقة نعيد نشر حوارا للمناضل الراحل أبراهام السرفاتي الذي تماهي إسمه مع حقبة سياسية ملتهبة ، ظل الرجل يفتش بعمق في الأزمات لم تنل منه آلة القمع حتى بعد أن أقعدته على كرسي متحرك ، رحل وفي قلبه أمل أن يرى المغرب متغيرا .

    ميزة هذا القائد السياسي أنه كان يفكر بعقلية البحث الدائم عن عمق الأزمات التي تصيب حركية الصراع ، ولم يكن مجرد تقني سياسي يحاول تبرير الشعارات والأهداف بل كان فكره يتسم بعمق ثقافي وإديولوجي حي ، وسيجد القارئ في نص هذا الحوار ملامح تفكير سياسي تفطن لأهمية العنصر الثقافي في السياسة ، ولما استلهم ، ولو بشكل عارض ، التجربة الشيوعية لأنطونيو غرامشي في وقت مبكر فإنما يحيلنا إلى أهمية فكر هذا المثقف الماركسي الإيطالي الذي نتأسف على السرقة الموصوفة لأفكاره من طرف أعداءه اللبيراليين .

    فقبل ما يفوق من سبعين سنة اكتشف المناضل الشيوعي الإيطالي أنطونيو غرامشي ( 1860-1037 ) مفهوم الهيمنة الثقافية كمرحلة ضرورية قبل حسم السلطة السياسية، وهو بذلك دخل في صراع علني مع الماركسيين الأرثوذوكسيين الذين يعتبرون المستوى الاديولوجي مجرد انعكاس ميكانيكي للعلاقات بين الطبقات الاجتماعية ، على خلاف هؤلاء فإن أنطونيو غرامشي يعتقد أنه قبل ممارسة السلطة على المجتمع السياسي فإن اختراق المجتمع المدني واكتساب قلبه وروحه وغرس أفكار جديدة في المعنى المشترك أو ما يسميه بحرب المواقع مرحلة متعذرة التجاوز، ويقصد الدخول في صراع ضاري مع القوى الإمبريالية والأوثوقراطية من أجل سحب البساط لها على مستوى أجهزة الهيمنة يمر عبر ممارسات مادية ووسائل مؤسساتية : المدرسة ، الاعلام ، والإدارة وكذلك القضاء .

    إن شرط الوصول إلى السلطة يمر في نظر غرامشي عبر تكوين ثقافة جديدة هي ثقافة الاشتراكية ، ودور المثقف العضوي حاسم في هذا المسار ، فهو مطلوب أن يمارس جاذبيته التي تمكن من غرس هذه الثقافة في عمق المجتمع المدني دون استبعاد التأثير على المؤسسات الدينية نفسها ، لذلك فإن الحزب أو ما يسميه بالأمير الحديث يأخذ هذا المفهوم ذات الصلة بالقيم الروحية للمجتمع وهو الذي أستلهمه ، مع تغيير جذري في المضامين ، من الأمير الميكيافيلي صاحب النظرية الموغلة في تكريس الاستبداد : الغاية تبرر الوسيلة ، شعار طالما استعمل كتبرير لسحق الديمقراطية .

    في هذا الحوار مع الراحل إبراهام السرفاتي الذي أجرته معه مجلة أنفاس سيلحظ القارئ عمقا ثقافيا في تفكير هذا القائد السياسي ، ما أحوجنا إلى طينة من حجم هذا المناضل في هذا الزمن المتسم بالتقلبات الكبرى للافكار والعقائد والتصورات ، فقراءة مشوقة ..

    علي بلمزيان

    كنزة الصفريوي: كيف انضممتم إلى مجلة أنفاس؟

    لقد تعرفت على عبد اللطيف اللعبي، الذي كان مدير ومؤسس مجلة أنفاس سنة 1968 خلال تلك الفترة، صدر منها سبعة أو ثمانية أعداد ، وقد أشرفت على تنظيم لقاءات في المنزل الذي كنت أمتلكه ، تناولت موضوع الثقافة عامة ، بمناسبة إحداها ،التقيت اللعبي، وحدثت بسرعة أواصر التجاذب والتآلف ،ثم صرت متعاونا مواظبا مع المجلة انطلاقا من العدد الثاني عشر.

    كنزة الصفريوي: هل اطلعتم على المجلة قبل هذا؟

    أبراهام سرفاتي : نعم ولا.بالنسبة إلي ،شكلت تماما حقبة تحول، لقد كنت صاحب تكوين هندسي- بحيث مارست مهنة مهندس للمناجم - لكن وقتها في المغرب ،إبان سنوات 1960لاسيما نصفها الثاني، تبلورت مشاعر عدم الرضا بين الأوساط النضالية ،نحو ما يقع داخل الإطار السياسي القائم ،ارتباطا بنظام ديكتاتوري. فكرة الرفض ،كانت قائمة ،غير أنها احتاجت إلى مزيد من الانتشار . هكذا، وبشكل سريع جدا ،استأنست أنا واللعبي ،بالفكرة الجوهرية للالتزام تم التفكير في أنفاس بداية ، باعتبارها منبرا ثقافيا وأدبيا ،مع ذلك كان هذا الالتزام حاضرا كأفق، صار راديكاليا، نتيجة لقائي باللعبي.

    تم التفكير في أنفاس بداية ، باعتبارها منبرا ثقافيا وأدبيا ،مع ذلك كان هذا الالتزام حاضرا كأفق، صار راديكاليا.

    كنزة الصفريوي: كيف حدثت من وجهة نظركم هذه الطفرة في مسار المجلة؟ وإن لم يستسغه جيدا فريق منكم ،لاسيما النيسابوري ؟

    أبراهام سرفاتي :ربما،… صحيح…. كانت أنفاس مناضلة منذ البداية على الواجهة الثقافية، لكن، بكيفية أكثر وضوحا سينتقل نضالها إلى المستوى السياسي ،هنا ابتعد قليلا بعض الأصدقاء كالنيسابوري، ليس كثيرا، مع أنهم لم يساهموا في الفعل النضالي الذي تبنته المجلة ابتداء من تلك المرحلة. فجراء، التطور الطبيعي للأشياء، تقريبا خلال تلك السنوات، صارت المجلة أكثر انخراطا ونضالية. لقد بدأ الأمر فعليا بين صفحات الأعداد12 ، 13 و 14، بيد أن العدد الخامس عشر المخصص للقضية الفلسطينية، وبمساهمة النيسابوري، أكد على أرض الواقع تطور مجلة أنفاس. إنه موضوع التأمنا حوله، فقد كنا جميعا مناضلين فلسطينيين، وتوخينا مساعدة هذا الشعب، ثم جاء العدد الموالي حول التعليم أكثر حدة في نبرته. لقد مثلت فلسطين التزاما، لكن فقط فيما يتعلق بالقضايا الخارجية، بينما سيشكل النقاش حول التعليم وما تلاه من ملفات هيأتها المجلة بمثابة إعلان عن الاهتمام بالشأن الداخلي للمغرب .لم يكن فقط اللعبي مؤسسا، بل الفاعل الأكثر تفوقا ضمن عناصر الفريق .أتذكر ،أيضا ، شخصا مثل الشبعة الذي ساهم بشكل واسع جدا بخصوص تطور أنفاس.

    أما فيما يتعلق بالنيسابوري، فإنني لم ألحظ انفصالا، وإن شرع حقا يأخذ مساحة رويدا رويدا. إجمالا، كتب الرجل نصا في غاية الروعة ضمن العدد الذي كرسناه للموضوع الفلسطيني.

    كنزة الصفريوي: مع ذلك فالثقافة في مجلة أنفاس، اتسمت قبل هذا بطابع سياسي؟

    أبراهام سرفاتي :أجل، لأن الثقافة كانت وستظل جزءا متمما للفعل الذي يتخذ صيغته الأكثر اكتمالا في السياسي، لكنها سياسة مشحونة بالثقافة وليست سياسة ديماغوجية، تجعل الثقافة مسألة جانبية.

    كنزة الصفريوي : ماهي الذكريات التي تحتفظون بها من تلك الحقبة؟

    أبراهام سرفاتي :لقد لعبت أنفاس دورا مفصليا في هذا التحول نحو التعبئة السياسي، ونهاية سنوات الستينات، وشكلت فترة مضطربة بالنسبة لليسار المغربي الذي لم يعد يتبين جيدا وجهته. ذلك أن الأجهزة السياسية سواء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية أو الحزب الشيوعي المسمى آنذاك حزب التحرر والاشتراكية، وكذا قوى يسارية أخرى لم تكن معبأة، بل تعيش أساسا حصارا من طرف سياسة الحسن الثاني الذي أراد منح قليل من هامش الحرية قياسا لمجال سياسي كان رجعيا، ليس فقط مغربيا بل عربيا.

    أما على المستوى الفلسطيني فقد بدا الأمر حتميا: الإقرار بالطرح الغربي. حيث ستكون هناك مقاربة إضافية للقضية الفلسطينية، عبر إصدار تال للعدد الخامس عشر والتحدث أيضا عن ما سمي بمشروع روجرز سنة 1970، الذي جاء للأسف من أجل تتمة السياسة الناصرية التي ألغت كليا القضية الفلسطينية. كان هاجس عبد الناصر هو خدمة القومية العربية ،عبر مرور صامت على القضية الفلسطينية : ينبغي "ضمان مصالح" الوطن العربي، يقول عبد الناصر، الذي كان المعبر الأكثر بروزا، لكنه في الوقت ذاته تجاهل المشكل الفلسطيني. في مقابل ذلك ربما كنا الوحيدين في المغرب خلال هذه الفترة الرافضين لمثل هذا الموقف وتمسكنا بفلسطين. في نفس الآن، جاء ملف أنفاس المكرس للتعليم واضحا بهذا الخصوص، بحيث انتقدنا ما يجري داخل هذا الحقل وتحليل جد دقيق فيما أظن للمسألة .

    كنا الوحيدين في المغرب خلال هذه الفترة الرافضين لمثل هذا الموقف وتمسكنا بفلسطين. في نفس الآن، جاء ملف أنفاس المكرس للتعليم واضحا بهذا الخصوص، بحيث انتقدنا ما يجري داخل هذا الحقل وتحليل جد دقيق فيما أظن للمسألة .

    كنزة الصفريوي: من هو الجمهور الذي توجهتم إليه ؟هل اعتبرتم مجلة أنفاس منبرا للرأي؟

    أبراهام سرفاتي : كانت أنفاس منطلقا للحركة التي أسسناها صحبة اللعبي وآخرين سنة 1970، فتبلورت القطيعة مع البنى السياسية القائمة، وخلق حركة جذرية أكثر سميت فيما بعد بـ"إلى الأمام" .لم تكن حاضرة لدينا الفكرة منذ البداية، بل تجلت تدريجيا، لكن في نفس الوقت، كوننا نجتمع منحنا وعيا بقوتنا الذاتية. وتوجهنا أساسا إلى الشباب المتمدرس سواء التلاميذ أو الأقسام العليا للثانوي.

    كنزة الصفريوي: بدت المجلة منفتحة على التجمعات السياسية والملتقيات ،وكذا المهرجان الإفريقي في الجزائر؟

    أبراهام سرفاتي : نعم! لقد ذهب جل أعضاء فريق المجلة إلى الجزائر من أجل حضور المهرجان الإفريقي الذي مثل حركة مهمة جدا.

    كنزة الصفريوي: هل شكل ذلك فرصة لقائكم بالشخصيات التي حملت لواء فكرة العالم الثالث، أم كانت لكم بهم اتصالات قبل هذا الموعد؟

    أبراهام سرفاتي : تحقق الأمر أساسا على أرض الجزائر، لاسيما حركة تحرير المستعمرات البرتغالية، ومجموعات أخرى. هكذا، بعد المؤتمر خصصنا عددا للثورة في إفريقيا بمساهمات متنوعة لمناضلين إفريقيين ينتمون للحركة خاصة الأنغولي "ماريو دو أندراد "

    كنزة الصفريوي: يوجد لديكما نصان في أنفاس(النسخة العربية) ،هل تكتبون بالعربية؟ بدت المجلة منفتحة على التجمعات السياسية والملتقيات ،وكذا المهرجان الإفريقي في الجزائر؟

    أبراهام سرفاتي:لا، أكتب بالفرنسية، تعلمت القراءة بالعربية وأفهمها ليس فقط في جانبها العامي ،غير أني أعجز عن الكتابة بها .بالتالي، فالنصان المشار إليهما، ترجما من الفرنسية وصدرت الطبعة العربية لأنفاس سنة1971 ،وتحقق الأمر بشكل إرادي، إذا أمكننا القول.

    كنزة الصفريوي: ما الذي جعل المجلة مسيسة، بشكل لا لبس فيه؟

    أبراهام سرفاتي: سنة1970، نظم ملتقى إفران الشهير، حيث اجتمع الملك بالمسؤولين السياسيين، وكذا المدرسين المنتمين إلى المعارضة سواء "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" أو حزب "التحرر والاشتراكية" بهدف صياغة توجه للتعليم، لكن حسب منظور النظام ، وقتها، كان "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب "تحت قيادة أشخاص يحظون بالاحترام، بيد أنهم مرتبطين بالجهاز الرسمي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكذا التحرر والاشتراكية، اللذين يشتغلان وفق إعادة الارتباط بسياسة الحسن الثاني، انطلاقا من مناظرة إفران، قررنا تأسيس منظمة أكثر جذرية، سميت فيما بعد "إلى الأمام" .بالموازاة مع تطورنا داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي لم يتحول بعد إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فقد كان هناك أفراد شباب خاصة، تطوروا من خلال سياق الراديكالية شكلوا فيما بعد منظمة 23 مارس. اختلافنا مع هؤلاء الرفاق، تمثل في عدم رغبتهم التعبير عن جذريتهم بكيفية علانية داخل الاتحاد الوطني، في حين كنا نعتقد ضرورة طرح التصور بكل صراحة، وتبيان الموقف بجلاء. إذن، على ضوء مناظرة إفران أجرينا اتصالات مع مناضلين طلبة، وقررنا شهر غشت 1970 تأسيس "إلى الأمام" والإفصاح عن الاختيار الثوري.

    كنزة الصفريوي: رفضتم ما يعرف بالبؤرة الثورية ، هل تعتقدون أن الفعل السياسي ينبغي أن يكون سابقا على العنف؟

    أبراهام سرفاتي: البؤرة مفهوم مستلهم من الثورة الكوبية التي تأملته وارتكزت عليه بكيفية جوهرية، بل شكل إيديولوجية تشي غيفارا عندما رحل إلى بوليفيا لخلق بؤرة ثورية، ثم بالكفاح المسلح تتسع من تلقاء ذاتها كي تلهب الشعب قاطبة. إنها رؤية ستعرف الإخفاق، للأسف ، نهاية غيفارا في بوليفيا جسد معطى واضحا بهذا الخصوص. لقد انتقدنا النظرية المتعلقة بالبؤرة بهدف التأكيد على ضرورة المضي بين مختلف الطبقات الاجتماعية وفق فعل سياسي، طبعا، في البداية كان الشباب المتمدرس، ثم توخينا الامتداد نحو الطبقات الأساسية المتمثلة في العمال والفلاحين بصياغة فعل سياسي قبل الحركة المسلحة. يجدر، تثبيت المرتكزات السياسية للثورة بالفعل السياسي عامة، ثم سينتقل ما نسميه بالقوى العمالية والفلاحية، إلى الفعل المسلح .الفعل السياسي، سابق أولا، وهو خفي بقوة الأشياء، لكن في الآن عينه، يضع قدما في الفضاء العمومي .تجب المبادرة إلى القيام بعمل مفتوح بغية إشاعة أفكارنا مع احتمال المجازفة….تصور أيضا ميزنا عن رفاقنا في 23 مارس، ويكمن في ترديدنا لمقولة "الأطر يمكن تعويضها" بمعنى ليسوا بالمحور الذي ينبغي أن يقي ذاته بذاته، بل نؤطر مناضلين، وإذا سقطوا فهناك آخرون سيحلون محلهم.

    كنزة الصفريوي:كيف تقيمون اليوم، القوة المنبعثة من نصوصكم؟

    أبراهام سرفاتي: انطوت أفكارنا على نصيب كبير من الطوباوية ، تأثرت كثيرا بالفيلسوف الألماني إرنست بلوخ، والذي عاش سنواته الأخيرة في الجزء الشرقي من ألمانيا ، لقد أدمج حقا السياسة في الثقافة. وأعتقد بأنهما يشكلان كلا : بحيث لا يمكننا السعي من أجل تطوير مجتمع، بغير تكامل بين الرافدين، مع حضور دائم لما نسميه بالطوباوية. الأخيرة، لها على أية حال ركيزة في الواقع، وتستشرف مستقبل مجتمع لا نعيشه. أيضا، استلهمت أنطونيو غرامشي .فصيرورة مجتمع، ينبغي التطلع إليها، إنها في طور التشكل، لكن يتحتم دائما إسقاطها أمامنا ،على جميع الأصعدة ، مادامت لا تتحقق من تلقاء ذاتها. قال لينين "يلزمك أن تحلم" الحلم بمستقبل بالتأكيد، ارتكب لينين أخطاء، لكنه في المقابل حقق منجزات كثيرة صائبة. إن مسار المجتمع ليس وضعا يتأسس ميكانيكيا. فالكائنات البشرية تميزها خاصية التكهن، بالتالي يجب استثمار تلك الصيرورة بالمعنى الايجابي للكلمة: المجتمع، لا يتغيا بالضرورة وميكانيكيا صيرورة ناجعة، بل الأفراد من يستبقون هذا المآل بالتفاعل معه. بوسع المجتمع أن يتطور عبر هذا السياق، ارتباطا بفعل الأفراد الذين يحدسونه، أو على النقيض يمكنه التقهقر إلى الوراء أو الركود . هكذا، فدور الكائنات البشرية مهم جدا.

    كنزة الصفريوي: ماهي العناصر التي حددت مساركم الفكري؟

    أبراهام سرفاتي: يجب الاعتراف، بأن ثقافة الأحزاب الشيوعية لسنوات1940-1950،كانت دوغماطيقية وجامدة، بما يكفي. ربما يعود الفضل إلى تكويني كمهندس للمناجم… ، فالمنجم ليس بالمجال الذي يمكننا مقاربته ميكانيكيا ،فدور العنصر البشري ناجع جدا، العمال مثل المهندسين .طبعا قرأتم رواية : Le Germinal ؟، إنها موحية للغاية. فالمهندس المنفصل عن العمال لا يصلح لأي شيء، كذلك عمال بدون مهندسين يمارسون عملا إمبريقيا ، مما يدعو إلى تآلف ليس بين المهندسين والعمال، فليس الأمر بهذا التأويل، لكن بين العلم والتقنية بالمعنى التكنولوجي لذلك، في المنجم ثم على مستوى المجتمع ككل .بصفة عامة، كانت حياتي مزيجا من حقب انساقت وراء البعد التقني، ومع أخرى استحوذ عليها الهم السياسي.

    كنزة الصفريوي: هل شكلت مجلة أنفاس، الوجه السياسي؟

    أبراهام سرفاتي: نعم، لكن السياسة بالمعنى…، وخلال سنوات الستينات ،تصورت بأن الثقافة لا يمكنها الانفصال عن السياسة والاقتصاد، ثم عضدت لدي تجربة أنفاس ،هذه القناعة.

    كنزة الصفريوي :مع من اقتسمتم هذا المفهوم؟

    أساسا مع رفاق طلبة إلى جانب طبعا اللعبي والشبعة. لكن مع اللعبي، حققت أقصى درجة للتماهي، فقد التزم بالقضية وتعرض للاعتقال...إلخ، وساهم في تأسيس "إلى الأمام".لدى الحركة الطلابية تجلى اتجاهان رئيسيان : اتجاه مرتبط بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وآخر بحزب التحرر والاشتراكية(الحزب الشيوعي). الفريق الأخير كان عمليا متفقا معنا كليا، هم فئة من الطلبة المتشبعين بالماركسية ساهمنا في تقديمهم رؤية للماركسية والشيوعية ،أكثر انفتاحا.

    لدى الحركة الطلابية تجلى اتجاهان رئيسيان : اتجاه مرتبط بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وآخر بحزب التحرر والاشتراكية(الحزب الشيوعي). الفريق الأخير كان عمليا متفقا معنا كليا، هم فئة من الطلبة المتشبعين بالماركسية ساهمنا في تقديمهم رؤية للماركسية والشيوعية ،أكثر انفتاحا

    كنزة الصفريوي :خلال حقبة أنفاس، تجلت بوضوح معرفة بالكيفية التي تجري بها الوقائع في الاتحاد السوفياتي والصين.. لقد كنتم على دراية بمختلف الحيثيات؟

    أبراهام سرفاتي: نعم بالتأكيد! فترة سنوات الستينات ،وقبل أنفاس ولقائي الهام جدا باللعبي، كنت متابعا للثورة الصينية منذ بداياتها، أي مطلع سنوات الخمسينات، وعندما حدثت القطيعة بين الشيوعية السوفياتية والصينية، كنت منحازا إلى الأخيرة ، نصوص ماوتسي تونغ تضمنت عنصر الثقافة، أفق لم تأبه به الشيوعية السوفياتية. أيضا، منحت الماوية شعوب العالم الثالث مكانة، بينما الشيوعية السوفياتية أو الاتحاد السوفياتي عموما، فقد لعب دورا في الحرب المناهضة للإمبريالية، لكنه أبقى شعوب العالم الثالث متوارية وراء ما سمي بالأخ السوفياتي الأكبر.

    كنزة الصفريوي: كيف كنتم تعلمون بما يجري؟

    أبراهام سرفاتي: بفضل زملاء كانوا يشتغلون حينئذ في السفارة الصينية، تمكنت من الحصول على مجلات صينية باللغتين الفرنسية والانجليزية. هم أنفسهم، كانت لهم دوريات صادرة بالفرنسية والانجليزية رهن إشارة الجمهور. أتذكر واحدا من مسؤولي السفارة، كان يأتيني بتلك المجلات إلى البيت.

    أيضا، نسجنا صلات قوية جدا مع السفارة الكوبية وكذا حركة مناضلي تحرير المستعمرات البرتغالية التي لا ينبغي نسيان، أنها قد اتخذت من الرباط لمدة طويلة قاعدة لها، لأن الملك محمد الخامس منحهم ملاذا، وكان داعما لتلك الحركة، هكذا تعرفنا على "ماريو دو أندراد" بمدينة الرباط إلى جانب كل هذا، كنت بطبعي فضوليا لمتابعة العناوين الصادرة في العالم على المستوى التقني والثقافي أو السياسي. في نفس الوقت، ومع خلق أنفاس استطعنا الوصول إلى تلك الكتابات بواسطة العلاقات التي أنشأناها.

    كنزة الصفريوي: النصوص التي استحضرت الثورة الثقافية الصينية ،لم تكن ذات ثقافة استثنائية؟

    أبراهام سرفاتي: نعم، لكنها في نفس الوقت جاءت متضمنة لأشياء كثيرة. فالمرحلة الراهنة للصين تعتبر على أية حال موسومة بتلك الثورة الثقافية والتحول الذي عرفته الصين سنوات 1960 صحيح أنه تحقق مثل هذا الأمر خلال الفترات الأولى لبناء الاتحاد السوفياتي، لكنه منظور سيتلاشى انطلاقا من الثلاثينات، وبالضبط إبان الحقبة الستالينية، الصين أدخلت الإبداع الإنساني في بناء الاشتراكية، وهو أمر أساسي، لأن الاشتراكية الحقيقية يستحيل تصورها كبيروقراطية.

    حاورته كنزة الصفريوي ، الترجمة : سعيد بوخليط

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء نوفمبر 27, 2024 7:32 am