عبد الله زريقة.. شاعر مغربي استثنائي ينأى عن الزعيق العام
عبد الله زريقة.. شاعر مغربي استثنائي ينأى عن الزعيق العام
إدريس علوش
الخميس 29 غشت 2013 - 11:00
"ولدت في غرفة بها صراخ كيف لا أصرخ ؟" هذا ما صرح به ذات يوم الشاعر المغربي عبد الله زريقة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، لأحد الملاحق الثقافية المغربية، وكان القصد أن ما كتبه من نصوص شعرية صارخة، هي استجابة موضوعية لحجم الصراخ المستلهم والمستمد من سنوات مغرب الجمر والقمع والرصاص، عبد الله زريقة الشاعر والإنسان والمناضل الذي انخرط عضويا في نضالات الحركة الطلابية المغربية في عصرها الذهبي، في إطار نقابة الطلاب المغاربة العتيدة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. والذي كان يستمد قوة نصوصه من متخيل الهامش في حي ابن مسيك بالدار البضاء، الذي كان يعتبره "علبة سردين" تحشر المجتمع وتحد من حقه في العيش الكريم، وحصيلة هذا "الصراخ" أو الالتزام و النضال كان أن اعتقل في سنة 1978 وحكم عليه بسنتين، إذ ستتوثق الصلة الثقافية والنقدية برفيق دربه الشاعر عبد اللطيف اللعبي، الذي اعتقل قبله بسنوات هو الآخر، وبنفس التهمة الجاهزة الإخلال بالأمن العام للنظام، وهو ما يؤكد قوة الشعر آنذاك على فعل التحريض وإسهامه في عملية التغيير، ومواصلة النضال من أجل غد أجمل وأفضل.
أصدر عبد الله زريقة مجموعة من الدواوين الشعرية هي كالتالي:
رقصة الرأس والوردة- ضحكات شجرات الكلام- زهور حجرية- تفاحة المثلث- فراشات سوداء- فراغات مرقعة بخيط الشمس- سلالم الميتافيزيقا- إبرة الوجود.
ومازال ينحث نصوصه الشعرية في صخرة الإبداع المغربي والعربي والكوني بصبر وثبات.
كتب في السرد نصا روائيا حمل عنوان"المرأة ذات الحصانين"، وكتب أيضا في قضايا أخرى مرتبطة بفعل الإبداع والكتابة.
اختار العزلة منفى إبداعيا وأفقا وسعة للكتابة، متوار برغبته، وهو الزاهد الناسك المتعبد في محراب النص والقصيدة عن الأنظار، وهو لا يظهر-عادة- في الحياة العامة المغربية، ومنها الحياة الأدبية إلا لماما، لا تجد أثرا له إلا في الحالات القصوى التي يصدر عملا أدبيا جديدا، أو حضورا أو تجليا في هذا الملتقى أو ذاك المهرجان الشعري في أوربا فرنسا، ألمانيا وهولندا...، أو في بعض دول إفريقا رفقة ثريا الحضراوي-رفيقة دربه وتوأم روحه- الفنانة التي استمدت قدرتها الفنية العالية من الأغنية الملتزمة لتواصل مسارها الفني في تربة إبداعبة مختلفة، وهي فن الملحون وقصائده، الذي أبدعت فيه وجددت، والحصيلة أنها أصدرت ألبومات متعددة، نالت استحسان وإعجاب العارفين بهذا الفن الرفيع، نقادا وجمهورا واسعا وعريضاً.
عبد الله زريقة حالة شعرية مغربية استثنائية، واستثنائيتها تكمن في اختيار الشاعر لأفق آخر، مختلف عن نصه المنتمي عضويا لبلاغة الهامش، والانتصار لقضاياه على غرار ما فعله في السابق، من مجموعته الأولى رقصة الرأس والوردة وبنسبية أقل في مجموعته" ضحكات شجرة الكلام" و"زهور حجرية"، لتقليب أتربة نصية جديدة بوصلتها التجريب الإبداعي، وبأشكال متعددة بدأت مع "تفاحة المثلث" إلى ماتلى ذلك من مجاميع، استنادا إلى استعارات الحياة المتناقضة، والانتباه لتمظهراتها بدقة العارف المبدع والكاشف عن مستور المعاني، إنه –أي الشاعر- صانع لنص سحري يتجاوز المألوف والعادي، مخترقا ومُغيراً على تقاليد النص الشعري المتداول في التجربة الشعرية المغربية والرقي به-أي النص- لأقصى ملكوت الذات، وهو الإقامة في أعالي "الأنا" والانتساب لسر الفرادة مبنى وعنىً.
في "تفاحة المثلث" نقتطف:
"وفزعت حين رأيت
رجلي فوق عقارب
وحين بلغت الماء
بحثت عن فم الأرض
فلم أجد غير أرض
تشبه ظهر السلحفاة".
يقول الناقد اللبناني جهاد الترك عن الشاعر عبد الله زريقة:
"هل هذا نهاية الشعر-يتحدث الناقد عن مجموعة الشاعر إبرة الوجود-لدى عبد الله زريقة؟ هل من شأن الشعر وهو يشق طريقه إلى الغياب الذي لا عودة منه، أن يحكم على نفسه بهذه العزلة الأبدية وراء جدران يتعذر تسلقها من الداخل والخارج؟ قد يخيل إلينا، للوهلة الأولى، أن الشاعر يسرع الخطى إلى مصير كهذا لا نجاة منه. أو أنه يوحي بأن الرؤية الشعرية لا بد وأن تصطدم بحتفها في نهاية المطاف.الأرجح أن لا شيئ من هذا القبيل وإن بدا أن الشاعر يضعنا في هذه الأجواء القاتمة. إنه أحد المشاهد التي يشيعها في هذه النصوص تعبيرا عن التحولات الذاتية العميقة التي تداهمه، وهو ينظر إلى العالم من موقع الغياب، الذي بلغه بعد نزاع عنيف مع اللغة وتداعياتها وانكساراتها"
بهذا الوصف يكون الناقد جهاد الترك قد اخترق حاجزاً ظل الشاعر عبد الله زريقة يضربه حول نصوصه، لتظل مسيجة كحديقة خاصة يمتلك الشاعر ذاته مفاتيحها ناصية اللغة الغرائبية، والمتخيل المسترسل الذي يوفره الهامش بما فيه هامش الحرية الشائك، والاستعارات المتجددة في الحياة والتي يغذيها الأفق اللامتناهي لتأملات الشاعر المستمدة من مرجعيات الفكر بما فيها الفكر النقدي.
وعن اللغة وعن القرابة برصيفها، حيث خطوات الشاعر تحث المشي عن منتهى غرابة القصيدة والحياة يضيف الناقد اللبناني جهاد الترك:
"إن الشاعر يقترب من اللغة على نحو افتراضي. لا يزعم غير ذلك بدليل أن الإحساس بالغربة لا يفارقه وهو في قلب معركته المحتدمة مع اللغة. مرد ذلك، على الأغلب إلى إحساس مسبق بأن إقامته في اللغة مؤقتة، عرضية، كالضيف الخفيف الذي ما أن يجيء حتى يهم بالمغادرة. ولكن إلى أين يغادر؟ إلى اللغة نفسها بعد أن تتشكل من جديد لتصبح لغة أخرى، وكأنها لم تكن من قبل"..
في شهادته عن الشاعر عبد الله زريقة وعن المكانة المتقدمة التي يحتلها هذا الآخيريقول الشاعر والروائي حسن نجمي:
"عبد الله زريقة شاعر مغربي كبير فرض على المشهد الشعري المغربي قيمته الشعرية والإنسانية في صمت وتواضع كبير.لا يدعي عبد الله أي ادعاء شعري أو جمالي إنه يكتب فحسب، يحفر في أعماق تجربته الشخصية، باحثا عما تبقى من ذاكرة الطفل الذي كانه، مستعيدا مختلف اللحظات والأمكنة في أحياء القصدير الهامشية التي ولد وكبر فيها، متمثلا الحيوات، المتجاورة للناس البسطاء هناك عبر مختلف أشكال حضورهم وغيابهم، ومختلف نظراتهم وإيماءاتهم الجسدية الثرية بالصور والإرهاصات الشعرية. شخصيا، لا أستطيع مطلقا أن أتخيل أية خريطة للشعر المغربي الحديث والمعاصر بدون الشاعر عبد الله زريقة، أو في غيبة لمسته الشعرية الناعمة والخاصة".
وفي المزيد من الكشف عن شخصية عبد الله زريقة الشاعرية، وعن ابتعاده عن الضوضاء يضيف حسن نجمي:
"لقد شيد عبد الله زريقة مكانة استثنائية له ولقصيدته في المغرب الشعري، بفضل صبره وطاقة تحمله وقدرته على التقشف في حياته وفي شعره. ولم تكن لعبد الله زريقة متطلبات كبيرة كي يكون شاعرا كبيرا وحقيقيا –لأنه فعلا هو كذلك-بل كان مطلبه الصغير ومازال حتى الآن أن ينأى بنفسه عن الزعيق العام الذي – نحن زملاءه الشعراء المغاربة الآخرين-استسلمنا أغلبنا له، وأن ينأى عنه كل نص عمومي، وكل فعل ثقافي أو اجتماعي أوسياسي قد يؤثر على صمته، وعلى المسافة النبيلة التي اختطها لنفسه اتجاه الدولة والمجتمع واللغة المتورمة بأنفاس المؤسسات العمومية".
ومما يذكره الشاعر والروائي حسن نجمي عن شخصية الشاعر عبد الله زريقة، الذي كانت تجمعه وإياه مجالسات ومسامرات في مقهى ابن بطوطة في حي "بلفدير" بالدار البيضاء مع ثلة من المبدعين والشعراء والكتاب المغاربة يقول:
"أذكر دائما عبد الله زريقة في مقهى ابن بطوطة بالدار البيضاء، حيث كنا نجلس قبالة محطة القطار"الدار البيضاء المسافرون"، عبد الله راجع، وعبد اللة زريقة، ومحمد عنيبة الحمري، ويوسف فاضل والمرحوم الشاعر أحمد بركات...وآخرون، وزريقة أمام كأس قهوته السوداء، وبلباس متقشف ويد ساهية لا تنفك تلامس لحيته السوداء، قوي الحضور بيننا وفي الآن نفسه يعطي الانطباع بأنه يجلس وحده نائيا بنفسه ونظرته. كان عبد الله زريقة قد خرج من تجربة مرة مع النظام السياسي في بلاده في تلك السنوات التي وصفت بسنوات الرصاص، حيث اضطهد في مساره الجامعي كطالب تقدمي من نشطاء اليسار الجديد، بل وكان الشاعر المغربي الوحيد الذي اعتقل وحوكم وصدر في حقه حكم بالسجن لمدة سنتين قضاهما في سجن مكناس من أجل قصيدة، في الوقت الذي حوكم شعراء وكتاب آخرون من أجل التزامهم السياسي بتهمة الإخلال بالأمن العام للنظام..في تلك السنوات التي وصفها الشاعر الفلسطيني والصديق عز الدين المناصرة في مقالة له بـ"عباد الله في سجون الملك"، وكان يتحدث وقتئذ عن عبد اللطيف اللعبي، وعبد القادر الشاوي، وعبد الله زريقة الذين جمعهم السجن في لحظة عسيرة واحدة".
ستظل مكانة الشاعر عبد الله زريقة محفوظة، ومحفورة، وموشومة في سجل الشعر والأدب المغربيين نظرا لما راكمه من مثن شعري حداثي في المضامين وأشكال الكتابة، وهو يعد وعن جدارة واستحقاق إضافة نوعية في المشهدين الإبداعي والثقافي في المغرب، نظرا لقوة نصوصه وفرادتها وبحثه الدائم عن أرخبيلات جديدة لمتخيل واستعارات وصور قصائده ومعانيها، الضاربة في جذور الغرائبية السحرية، ولهذه الاعتبارات ولسواها ترجم لعدة لغات نذكر منها الفرنسية، والإسبانية، والإنجليزية، والألمانية، كما أن له حضور قوي في المحافل الشعرية العربية والعالمية.
عبدالله زريقة
عبد الله زريقة كاتب وشاعر مغربي ، ولد بمدينة الدار البيضاء يوم 16 - 12 1953. حصل على الإجازة في علم الإجتماع من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1978. وفي نفس السنة تعرض للاعتقال وحكم عليه بسنتين سجناً. وهو يمثل في مدونة الشعر المغربي مكانة مخصوصة، لم تتوافر لشاعر مغربي غيره، فهو مثلا بالقياس إلى الشاعر عبداللطيف اللعبي ورفيقه في السجن حالة على ديمومة شعرية احتفظت بكل طاقتها على مدار سنوات السجن وسنوات الحرية، وهو بالمقارنة على الشاعر المغربي صلاح الوديع، السجين الآخر، أقل تورطا في الشأن العام، محتفظا بالعزلة اللازمة وبالغموض الذي يضفيه على قصيدته وعلى حياته معا، وهو إذا وضعناه جنب النيسابوري يزداد الفرق، لكن في الآن نفسه تتوطد الصداقة الشعرية. هو في الحقيقة عالم مائج من الإدهاش، يقيم في معترك وعي الأنتليجانسيا المغربية، يعبر في قصيدته عن الهامش المتاح من الحرية، ويكتب لغة المتروك ويوسع من الدوائر الضيقة.من أعماله الشعرية: ــــ
رقصة الرأس والوردة - الدار البيضاء، مطبعة الأندلس 1977
ضحكات شجرة الكلام - الدار البيضاء، منشورات المقدمة 1982
زهور حجرية - الدار البيضاء، منشورات البديل 1983
تفاحة المثلث، عمل مشترك مع الفنان عباس صلادي، الدار البيضاء، مؤسسة بنشرة 1985
فراشات سوداء - الدار البيضاء، دار توبقال للنشر 1988
فراغات مرقعة بخيط الشمس - الدار البيضاء، منشورات الفينك 1995
سلالم الميتافيزيقيا: دار الفينيك ــ الدارالبيضاء
إبرة الوجود: دار النهضة ـ بيروت 2008
ـــــــــــــــــــــــــ
قـطـرات شـموع سـوداء
...........
وهكذا أطفأت الشمعة
لأشعل الظلمة
فرأيت الشمس
منعزلة عن الضوء
ورأيت أبوابا
ولم أر
ديارا
والفراشات
تخرج من ديدان الموتى
وخفت أن يكون
وجهي وجها آخرا
ملتصقا بوجهي
وفزعت حين رأيت
رجلي فوق عقارب
وحين بلغت الماء
بحثت عن فم الأرض
فلم أجد غير أرض
تشبه ظهر السلحفاة
:وصحت
الجحيم كل ما يبقى
من الجنة
وتفنى الجنة
وتبقى النار
وغبت
بقيت يدي
وحدها حاضرة
وحين عدت
وجدت أصابعي
ألسنة نيران
:قلت
آه لو تعرف
أن الليل أحن
علي من النهار
وأنقضي أنا
ولا تنقضي الكأس
:وغنيت
رجلي يا رجلي
يا قدم اللذة
وحين حضرت المرأة
أطفأت الشمعة
:وصحت
انس لغتك
واترك لسانك
وحده يلوك
لغة أخرى
وفكرت في الشمس
التي لم ترني عاريا
وفي الغابة
رأيت الريح
ولم أر الناي
:فكتبت في الهواء
لا تغن مع الريح
( وفي الليل
رأيت عصفورا
تنقر حلمات النهد فقط )
وصحت في نملة
لا تعودي الى بيتك
فهناك سجان
يلعب بمفاتيحه
في انتظارك
وفي الماء
رأيت ثعبانا يخرج من فمي
وفي النوم
رأيت صمتا
أسود
!أسود
ــــــــــــــ
تفاحة المثلث
........
انحدرت من اللذة
و سارجع الى اللذة
الكامنة في بطن الارض
ولان طفولتي كلها شجرة
حملت اغصاني
بعيدا
حتى يبقى العري
وعاء الحكمة
آه الحكمة مرة الآن
وحلوة
فيما بعد
اذهب
اذهب
ولا تلتفت وراءك
فستحرقك
المعادن
التي تركتها
خلفك
و اي حيوناات اللذة
تريد؟
الحلزون
السلحفاة
الوردة
الارنب
أو أنت فقط؟؟
انا الذي انظر بعيدا ما وراء
الغيوم
وما وراء البحر
مااذا أرى؟؟
لا تتأخر
لا تتأخر
أسرع
أسرع
ولا تلتفت وراءك
إذا استطعت
كن عطرا
في عرق جسدك
أسرع
أسرع
ولا تتوقف
لتشعل شمعة
ايها القراء
ايتها اللاحجار
لا توقفوا
هذا النهر
العطشان
ايها القارىء
اكتب
ولا تقرأ
ايها القارىء
لا ترفع يدك
في وجه وجهي
ايها القارىء
عش حيث اموت
فحين يفنى الكون
ستبقى الحكمة وحدها..وحدها
أه الحكمة صمتها
بعض الاحيان
بعض الاحيان
وحجر على حجر
أدق اللذة
قالوا لي
من اين
تخرج الورقة اذن
قلت
ثعبان
من حلاوة تفاحة
وكتبت لايزين الورقة البيضاء
سوى الكأس الابيض
قالو وحينما يتحرك القلم؟
قلت يتحرك الثعبان
ـــــــــــ
عبد الله زريقة
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
التعديلات المعلقة معروضة في هذه الصفحة غير مفحوصة
عبد الله زريقة كاتب وشاعر مغربي ، ولد بمدينة الدار البيضاء يوم 16 - 12 1953. حصل على الإجازة في علم الاجتماع من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1978. وفي نفس السنة تعرض للاعتقال وحكم عليه بسنتين سجناً.
من أعماله الشعرية
رقصة الرأس والوردة - الدار البيضاء، مطبعة الأندلس 1977.
ضحكات شجرة الكلام - الدار البيضاء، منشورات المقدمة 1982.
زهور حجرية - الدار البيضاء، منشورات البديل 1983.
تفاحة المثلث، عمل مشترك مع الفنان عباس صلادي، الدار البيضاء، مؤسسة بنشرة 1985.
فراشات سوداء - الدار البيضاء، دار توبقال للنشر 1988.
فراغات مرقعة بخيط الشمس - الدار البيضاء، منشورات الفينك 1995
سلالم الميتافيزيقيا: دار الفينيك سنة .
عن الكتابة عند عبد الله زريقة
عبد الواحد مفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 4252 - 2013 / 10 / 21 - 01:55
المحور: الادب والفن
هل صحيح أن نهاية جنازة شاعر هي بداية عرس قارئ .. لا مجاز ولا مناص من الانفلات .. الوضع هنا أن القارئ العربي كيفما كان يبقى المتن الشعري أبعد النصوص التي يتناولها الشعر بعيد.. قليل . ونادر هم الشعراء الذين سوو تجربتهم الشعرية ببحت واجتهاد واستطاعوا ترسيخ قدمهم على خارطة الشعر المغربي .. عبد الله زريقة واحد منهم زريقة الذي أثث لتجربته الشعرية بعيدا عن الزعيق العام في استثنائية وتواضع لا افتعال فيه، ابتداءا من ديوانه: رقصة الودة والمرأة، مرورا بزهور حجرية –تفاحة المثلث – فراشات سوداء-سلالم الميتافيزقا- إبرة الوجود –حشرة اللامنتهى، وكل الأعمال الشعرية والنثرية التي نحتها في صخرة الإبداع الكوني والمغربي ،رسخ رؤيته للشعر كوسيلة للتفكير والوصول إلى المطلق فهو شاعر يكتب بالمعنى ليصل إلى الكلمة .
الكلمة هنا سؤال عال لتيمات : الكتابة /الموت/الجمال/السؤال
تيمات ترافقها طفولة الانتباه، أما الجوهر فسطر شعري مقتنص ومُشتغل بإمعان حر وتأمل يفيض .
تَحضر السريالية، كأسلوب ومدرسة يمكن تجاوزها بسهولة، فما يقترفه زريقة ..هو كتابة لا شيء أخر ..كتابة رقيقة يمكن أن تحبط خطة أي سؤال مبني للمجهول .
وتعتقل قارئها، داخل إيقاع يتأسس على التفاعل والمجاورة ،بفعل شرنقة القراءة التي هي هنا كتابة ثانية بالضرورة ،أمام قصيدة تربك الصمت ولا ترخي ضفيرتها أمام قراءة لمجرد العادة
بنغمة خاصة يكتب عبد الله زريقة المنتمي عضويا لبلاغة الهامش قصيدته غير حافل بالشكلانية في السطر ولا تُلهيه غنائية الكلمة عن جوهرها في صقل عميق للفكرة الشعرية بعيدا عن أي إيقاعية تقليدية. يؤثث لدفئه الشعري الخاص، دفئ لا يتزيا بمساحيق الكتابة العمومية، وإنما يقشر فعلها مثل برتقالة ثرثارة المعنى
وجهها للشمس وقلبها حرقة السؤال وحبه.
خمرة القراءة هي ما يطالعك أمام هذا المتن /البئر حيت الورقة تراب والكتابة زهور لا تفرج عن زينتها إلا أمام قارئ متمرس يسبر أغوار ما يتدلى من فتنة فادحة
فتنة القراءة حين تجد ما تقرأ
والكتابة حين يختفي المارة .. ينتفي المهرجون
وتجد وحدك
أمام نص .. مسيج بضراوة القمح
سلالم سلالم
نحو الكوني في الشعر .. اللامرئي في السؤال
الهامشي واليومي احتفالا وارتفاعا نحو ما يليق من حياة
الكلمات كمثرى .. وزن على إيقاع الخفيف من أيامنا / العميق من أسئلتنا
حروف تتقلب في لزوجة معنى بياض كالشمع ، لكن لمادا الشمع وحده بياض لا رماد بعده .
تيمات وإشكالات عديدة في قصيدة الشاعر عبد الله زريقة اللغة التي تشبه تلعثم اللون في لوحة تجريدية ..غرابة تبلل الرموز العليا للإنسانية ..تدفق في غير اضطراب
سنفونية تحاصر سماء ..أغنية كونية تتزين بشهوة الكلمات ، ماء وفقط يموج أحصنة الإيقاع والإيقاع شعر يمحو البيضا بالسؤال
هل صحيح أن حاجتك إلى مرآة يقود إلى العمى؟
الشعر عكس ذلك
لا مجال لعري ما ،الجمل الشعرية هنا امتلاء المعنى وفيضه
غير هذا أن الشعر والسؤال، يحضران وجها واحدا لا يكتفي بمداعبة أخيلة الماوراء، بقدر ما ينخرطان كأحد أشكال الإنتاج الفلسفي في تعدد تقنياته وآلياته، فعبد الله زريقة القادم من الدرس الفلسفي الصارم، إلى أتون الشعر لا يعرف الشعر إلا شكلا للمعرفة، فليس الشاعر فيلسوفا أخطأ الطريق كما قيل، خاصة ونحن أمام شاعر يدفع بالكتابة إلى منحدر سؤال يطرزه بهندسة البياض
لوحة تجريدية ليست غير باب لكلمة لم تستحم بعد محمومة بأنفاس اللامكتوب تأتي .. مضواعة ومطواعة تستأسد فوق نهدي ورقة فالكتابة عند عبد الله زريقة كما لم يكتب من قبل ..حرف يتمنع في وضوحه ..الإدهاش أوله وليس الشعر غير ما يسيل من طراوة قصيدة لا تلوي إلا على لا نهائية السؤال والمآل
النص هنا مفتوح ومغلق والمابين فخمرة تهب القراءة اشتعالها ..هنا معنى يتسلى بنظافة حروفه ..كلمة تستل خنجرا من غمض ورقة تغتال بياضها لا لشيء الا لتلتهم عين قارئ
المجاز يشمر عن بياض يديه على مرأى من السابلة ..النص يصير مشهدا عاما ..كبسيط يفتح أول صباحه بسؤال وأغنية
لن أتكلم عن عبد الله زريقة المتحصن داخل أصالة بحته ونصه في عزلته الإختيارية بعدما داق عدابات السجن والمنافي القهرية كأول شاعر مغربي يسجن من أجل قصيدة
لن أتكلم عن رجل لا يتسلق صورة ليقول كنت هنا ..بعيد عن جعجعات اللقاءا الثقافية المغربية الفارغة بإجماع تعددت أسبابه واتسخت
عبد الله زريقة البعيد قليلا .. والقريب جدا نص يصير الى أحد أناشيدنا الشعرية العالية الذي يتسع فينا كمنجز يعبئ روافده بأسباب التراء والمغايرة بعدما بدأ حياته كمناضل سياسي تسكن قصائده أصوات الكادحين وأمالهم في مغرب أفضل
هو المنحدر من جيل السبعينات وأحيائه الهامشية وما اصطلت به الحقبة من رصاص وسجت لم يسلم منه الشاعر والتهمة كتابة الشعر
الشعر هنا كان حقيقيا ويحاكم الناس من أجله ..كصوت حاد وحقيقي عرفت قصائده ونضاله الطبقي والسياسي كان بارزا وعلامة فارقة تؤرخ لمرحلة مهمة من نضال اليسار المغبي لا يتسع المقام هنا لبسطها وتفصيلها
أقول بعد هذه الفترة يتحول النص عند عبد الله زريقة إلى الإشتغال على داخله كمتن خاص فريد له ما يميزه ويتمنه داخل خريطة قصيدة النتر العربية التي طالما أتهم النقاد المشتغلين عليها بالتكرار والمشابهة
عبد الله زريقة الذي لا أستطيع أ أصفه إلا بالوحيد الدي يربي الجبال العالية للمعنى
المشتغل على هواجسه الميتافيزقية ، وقصيدته بعيد عن كل ما سواها
أدب السجون.. عبد الله زريقة السجين الأبدي
المساء نشر في المساء يوم 19 - 03 - 2008
في العمل الشعري الجديد الصادر عن دار النهضة العربية في بيروت، والمعنون ب«إبرة الوجود» يواصل عبد الله زريقة كتابته الشذرية القائمة على تفكيك أوصال المعنى وعلى الصقل العميق للفكرة الشعرية غير مأخوذ بأي غنائية مهما كان إغراؤها
يمثل الشاعر المغربي عبد الله زريقة في مدونة الشعر المغربي مكانة مخصوصة، لم تتوفر لشاعر مغربي غيره، فهو مثلا بالقياس إلى الشاعر عبد اللطيف اللعبي ورفيقه في السجن حالة ديمومة شعرية احتفظت بكل طاقتها على مدار سنوات السجن وسنوات الحرية، وهو بالمقارنة مع الشاعر المغربي صلاح الوديع، السجين الآخر، أقل تورطا في الشأن العام، محتفظا بالعزلة اللازمة وبالغموض الذي يضفيه على قصيدته وعلى حياته معا، وهو إذا وضعناه بجنب النيسابوري يزداد الفرق، لكن في نفس الآن تتوطد الصداقة الشعرية.
هو في الحقيقة عالم مائج من الإدهاش، يقيم في معترك وعي الأنتليجانسيا المغربية، يعبر في قصيدته عن الهامش المتاح من الحرية، ويكتب لغة المتروك ويوسع الدوائر الضيقة.
قلما نعثر على عبد الله زريقة في المكان العام، أو في «النشاط» الثقافي، لكنه مع ذلك واضح في المكان الذي يحتله في الشعر المغربي، وربما لا يجد الناقد مشقة كبيرة في تحييزه في الحيز الذي يشغله، وهو منذ «تفاحة المثلث» و«فراغات مرقعة بخيط شمس»، وقبلهما «رقصة الرأس والوردة» و«ضحكات شجرة الكلام» و«زهور حجرية» وما تلا ذلك من بحث شعري وبالأخص في ديوان «حشرة المنتهى» والذي ركز فيه الشاعر الكثير من «عوائد» الكتابة لديه، يواصل مغامرة خطرة في قطع دابر الإيحاء الذي يثقل ذاكرة اللغة.
في العمل الشعري الجديد الصادر عن دار النهضة العربية في بيروت، والمعنون ب«إبرة الوجود» يواصل عبد الله زريقة كتابته الشذرية القائمة على تفكيك أوصال المعنى وعلى الصقل العميق للفكرة الشعرية غير مأخوذ بأي غنائية مهما كان إغراؤها.. إنه، بجملة واحدة، من الشعراء الذين لا تلهيهم موسيقى الكلمات عن جوهر الكلمات، ولذلك فإنه يؤلف بالمعنى، ويشيد الدلالة جنب الدلالة، عمل الشاعر هو أن يجوهر فكرته لا أن يمنحها طبولا جوفاء تغني مع كل ريح. وكلما «كبرت» قصيدة عبد الله زريقة كلما غاص صاحبها في طفولة الأشياء، تلك الطفولة التي توقفت في الحبس، ومن السجن بنت كل وجودها، وكأن المعنى الجوهري الذي تقوم عليه الحرية هو طاقة تعطيل الحرية، حيث تصبح هذه «العطالة» فرصة للتأمل لا يمنحها العالم الخارجي، لأن كل تهديد يكمن هناك، في الحبال غير المرئية للحرية، التي تلتف على العنق وتذهب بالعقل وتكسر المسام وتعبث بجسد الرؤيا. يشبه شعرعبد الله زريقة، الذي ينظرمن ناظور عملاق إلى الكون، كل جزيئة هي عالم سيد كامل الذات، متشابك ومتداخل مع الجزيئات الأخرى التي تجاوره، وبقدر هذا التشابك يحتفظ هذا العالم الماكروسكوبي بهويته التي تحدده، وبكينونته التي تميزه، فيا لهول ما نرى، ويا لروعة ما يرى الشاعر المجنون برؤاه في هذا العالم المزدحم بالأفكار، وبالإنتهاك المموه تحت ألف يافطة وألف شعار. يفضح الشاعر عبد الله زريقة أحبولة الوجود، بل إنه وفي سياق العناية بهذا الاحتفال بشعرية الصغر، يمضي في طريق البحث عن «إبرة الوجود» كي يخيط الكساء أو يلائم الرقع، وكي يكسر هذا الطوق المضروب على العالم وعلى الأشياء.
يقول عبد الله زريقة بصريح العبارة إن «الحرية لا تستريح إلا فوق سطح سجن»، وإمعانا في الاشتغال على موضوعة الشجن ترد مقاطع أخرى أكثر شفافية تعكس عمق تجربة الشاعر السجنية أو الشعرية سيان.
يكتب عن الزمن الوجودي للشاعر السجين، وعن معنى تعاقب الليل والنهار «أما النهار فبقايا ضوء يقود إلى غمل سجن». وفي التفاتة بديعة من الشاعر تأخذ الأشياء الأخرى شكل زنزانة مغلقة، فهناك قشرة الحلزون المسدودة، وهناك الباب الذي يتحول إلى جسد حارس بدون رأس، وهناك الشاعر نفسه «الشاعر الأعمى في أرض مبلطة بالنسيان»، وأيضا هناك الحرية التي تقصر أو تطول حسب قميص الهواء الذي يرتديه كل واحد، وحين تضيق قمصان الهواء يضيق مقاس الحرية أيضا.
السقف الواطئ للحرية يستدعي السخرية المبقعة من الوقت ومن كل رسل الحرية الجدد اللاهجين بأن الوقت وقت آخر وأن الزمن قد انزاح قليلا عن ثقله، فكل شيء في غياب الحق في الحرية يتحول إلى موت، حتى إن اللون الأزرق في لون لحم الموتى هو نفسه الأزرق الموجود في زرقة البحر.
لذلك يجهر عبد الله زريقة بأنك لن تصبح حداثيا إلا حين تكسر رأسك الخزفي المشرئب من حافة قبر.
عبدالله زريقة في سلالم الميتافيزيقا
في مجموعته الشعرية السابعة »سلالم الميتافيزيقيا« (دار الفنك- الدار البيضاء) يواصل الشاعر المغربي عبدلله زريقة انسحابه من المناخات والأسلوبيات التعبيرية التي طبعت مجموعاته الشعرية الثلاث الأولى, باتجاه كتابة قصيدة تتحرر من المعطيات الخارجية والمعاش واليومي, منسحبة من القاموس اللفظي الذي كانت ترتكز عليه, فاسحة المجال لإحلال قاموس لفظي آخر.
تنفتح قصائد سلالم الميتافيزيقا على مناخات النسيان, الغياب,الموت لتؤسس عبر فضاءاتها شبكة من الصور, تتخصص حولها هذه الأقانيم الثلاث, التي تشكل مرتكزات أساسية تنهض عليها طبقات المعنى.
يبدو الكائن في القصائد وحيدا لا حول له ولا قوة, تطبق عليه الوحشة, ويضيق الأفق أمامه, ولا خلاص له سوى الغوص أعمق فأعمق في وحول النسيان. والشاعر الذي يكتب:
»لم أفهم هذه الميتافيزيقا
إلا حين سال مني دم كثير« (ص24)
لا يتخصص المعنى الذي يتوسله من خلال الكلي, والفوق واقعي المصوغ في فضاءات القصائد فحسب, بل يتكثف أيضا عبر قاموس لفظي يكاد يكون النقيض التام لقاموسه الذي طبع مرحلته الشعرية الأولى, وهو يتمدد على رقعة مساحتها الموت, الخوف, الرعب, الأبيض, النمل, الحلزون,الفأر, الذباب, الدم, الوقت, الشمس, الضوء, القناع, الأفق, السماء,... الخ.
يكتب الشاعر قصيدته دون أدنى اهتمام بما هو شكلاني. كما أنه لا يبدو باحثا عن انتصارات على جبهات التجريب. فالتعبيري هو ما يشغل قصيدته, ويقودها إلى فضاء النسيان الذي يتوخاه:
»واه أواه. عد
فالوجه الذي تخرج به في الصباح
لا تعود به في المساء
وغطاء السرير الذي تركت
سيصبح كفنا بعد قليل
والوقت يسيل من أنبوب ماء صدئ
ووحيد وليس لك إلا ان تكتب مغمض العينين
حتى يمتص الحبر الذي فيك
كل هذه الظلمة«
(ص80)
يتمثل الشاعر في قصيدته جماليات النص الصوفي, من دون أن تشكل استفادته في هذا الجانب سياقا عاما تنطبع به لغته هذه الاستفادة تتجلى من خلال تمثله لتقنيات النص الصوفي خصوصا تجريد الكلام, والانفصال عن عالم الحواس. والحال, إن استبطان تحتانيات قوله الشعري, يحيلنا إلى هم التمثل أكثر من التنويع الشكلاني اللفظي واللغوي على تعريفات النص الصوفي. لذا فهو يدفع لغته بقوة نحو الرمز, ويجردها لكيلا يتبقى منها سوى الاشارات, من دون أن يتطرف في ذلك, فتبدو لغته نتاج الأعمال القصدي والعقلاني والذهنية الجافة. فالمكابدات والمعاناة اللتان يتوسل كتابتهما تسطعان خلال التوتر الشعوري والوجداني الحادين متمظهرين في عمق القول الشعري, وليس على سطحه:
»لا يزيل خوف الكلمات
سوى التأويل
ولا رعب النقطة
سوى الحذف
ولا رهبة الحواشي
سوى النسيان«
(ص20-21)
تلعب الأسئلة دورا مهما في عملية بناء النص وحياكته, والامساك بعصبه, وتوتير شعريته, أسئلة تتبعها أسئلة, لا تنتسج في الفضاء الدلالي فحسب, بل وفي طبيعة القماشة الشعرية الحزينة والمكسورة والتي تعكس جغرافيا الأعماق, ومراياها المتشظية, تلك القماشة التي تتشكل منها مادة القصائد, وتنطبع بطابعها الرمادي.تنتج الأسئلة مفارقات حادة, ومقابلات لا تقل حدة عنها, وهي تتوزع على التنكير والتهويل والتعجب, والشجن... إلخ وهي عموما لا تنتظر جوابا شافيا ولا تسعى, إليه, فمسعاها تعميق الغوص أعمق في النسيان والغياب, كما أنها تبدو أهم من الجواب الذي لا يمكنه أن يملأ حيزه, والشاعر يوجهها إلى فنانين تشكيليين كجياكوميتي, ودولاكروا, وإيغون شيل, وفيرمير... إلخ عامدا الى اقامة مقابلات وتداخلات, عبر الأسئلة, ما بين أعمالهم الشهيرة.
يولف الشاعر جملته وعبارته أكثر من مرة,في شكل دوراني والتفافي, لكنه كل مرة يتحاشى الوقوع في التكرار والسقوط في مطب, إعادة إنتاج القول مرة أخرى, كأنما يرغب في تقليب اللغة على وجوهها المختلفة بنى وأساليب وتراكيب, بغية كتابة الداخل حتى لو ذهب بعيدا, وحاذى تخوم المجازفة, فما يهمه أولا وأخيرا هو الانهمام في قول ذاته, أكثر من الصنع والتركيب مجردين,مدفوعا إلى إخراج زمن النسيان الذي يقبع فيه, فيما قوله الشعري يحفر مجراه وحيدا, بنفسه.
إذا كانت ترد في أشعار زريقة السابقة سمات المكان المغربي أشخاصا وأمكنة, ففي قصائد المجموعة تطل بعض هذه السمات الخاصة بالزمن المغربي وحده دون غيره, فالشاعر يحافظ- في افتتاحيات قصائده خصوصا- على النبرات التي تطبع اللهجة المغربية اليومية ويتداولها الناس في عيشهم, وهي تظهر في تراكيب مثل ؛ياه ياه, واه أواه, ياهيا, ياكا, ياهاناه ... الخ) هذه المفردات المحكية الشفوية لا تبدو مقحمة إقحاما على السياق اللغوي الفصيح, إذ لا نشعر بأي نشاز ينتج عنها, بل تعطي للقصائد حرارة المفتتح, وتهيئ القارئ للدخول في عالم القصيدة. أيضا يرد في قصيدة: ؛لقاءات بيضاء وصفراء.. اسما مدينتي: فاس ومراكش. كما يمكن الوقوع داخل القصائد على تراكيب لغوية لا تنتسب إلى قواعد اللغة العربية مثل »يا ماذا« (ص87) وغير ذلك من التراكيب المشابهة يشيع الشاعر في قصيدته الفانتازيا, لكن الصور الفانتازية المشاعة لا تفرق في فانتازيتها, فهي أقرب إلى الغرابة منها إلى الفانتازيا الكاملة العناصر. أيضا يلعب القص والخطاب دورا غير قليل في إنشاء قوله الشعري,من دون أن ينزلق في النثر العاري أو السيولة اللفظية قصيدة: »ضياع إبرة الوقت« أيضا يستفيد قليلا من البنى التعبيرية للأسطورة مستخدما شخوصها أقنعة في قصيدة واحدة هي: »أقنعة تؤدي إلى وجه أوليس«.
قصائد »سلالم الميتافيزيقا« تنهض على جماليات بدأها الشاعر بعد ديوانه »زهور حجرية« المكتوب في السجن, يحفر فيها تحت الموت والغياب, في محاولة لاضاءة الأسئلة الأنطولوجية الكبرى التي تلتف على وجود الكائن, وتمر بكتاب, فنانين, متصوفين, شخوص أساطير, ...الخ معمقة« الفضاء المتوسل أسلوبيا يؤسس القول الشعري نفسه لحظة الكتابة, وتلعب شعرية السؤال دورا مهما في بنيته, مضافا إليها القص والخطاب وتعبيرية الأسطورة وتقنيات النص الصوفي وغير ذلك من التقنيات الشعرية الممرة ضمن مشغل شعري, لا يلقى الحت والنحت والحفر اللغوي, والتوازنات اللفظية اهتماما بالغا, مقدار الانهمام بقول الداخل وقراءة صوره.
ص.د
عبد الله زريقة.. شاعر مغربي استثنائي ينأى عن الزعيق العام
إدريس علوش
الخميس 29 غشت 2013 - 11:00
"ولدت في غرفة بها صراخ كيف لا أصرخ ؟" هذا ما صرح به ذات يوم الشاعر المغربي عبد الله زريقة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، لأحد الملاحق الثقافية المغربية، وكان القصد أن ما كتبه من نصوص شعرية صارخة، هي استجابة موضوعية لحجم الصراخ المستلهم والمستمد من سنوات مغرب الجمر والقمع والرصاص، عبد الله زريقة الشاعر والإنسان والمناضل الذي انخرط عضويا في نضالات الحركة الطلابية المغربية في عصرها الذهبي، في إطار نقابة الطلاب المغاربة العتيدة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. والذي كان يستمد قوة نصوصه من متخيل الهامش في حي ابن مسيك بالدار البضاء، الذي كان يعتبره "علبة سردين" تحشر المجتمع وتحد من حقه في العيش الكريم، وحصيلة هذا "الصراخ" أو الالتزام و النضال كان أن اعتقل في سنة 1978 وحكم عليه بسنتين، إذ ستتوثق الصلة الثقافية والنقدية برفيق دربه الشاعر عبد اللطيف اللعبي، الذي اعتقل قبله بسنوات هو الآخر، وبنفس التهمة الجاهزة الإخلال بالأمن العام للنظام، وهو ما يؤكد قوة الشعر آنذاك على فعل التحريض وإسهامه في عملية التغيير، ومواصلة النضال من أجل غد أجمل وأفضل.
أصدر عبد الله زريقة مجموعة من الدواوين الشعرية هي كالتالي:
رقصة الرأس والوردة- ضحكات شجرات الكلام- زهور حجرية- تفاحة المثلث- فراشات سوداء- فراغات مرقعة بخيط الشمس- سلالم الميتافيزيقا- إبرة الوجود.
ومازال ينحث نصوصه الشعرية في صخرة الإبداع المغربي والعربي والكوني بصبر وثبات.
كتب في السرد نصا روائيا حمل عنوان"المرأة ذات الحصانين"، وكتب أيضا في قضايا أخرى مرتبطة بفعل الإبداع والكتابة.
اختار العزلة منفى إبداعيا وأفقا وسعة للكتابة، متوار برغبته، وهو الزاهد الناسك المتعبد في محراب النص والقصيدة عن الأنظار، وهو لا يظهر-عادة- في الحياة العامة المغربية، ومنها الحياة الأدبية إلا لماما، لا تجد أثرا له إلا في الحالات القصوى التي يصدر عملا أدبيا جديدا، أو حضورا أو تجليا في هذا الملتقى أو ذاك المهرجان الشعري في أوربا فرنسا، ألمانيا وهولندا...، أو في بعض دول إفريقا رفقة ثريا الحضراوي-رفيقة دربه وتوأم روحه- الفنانة التي استمدت قدرتها الفنية العالية من الأغنية الملتزمة لتواصل مسارها الفني في تربة إبداعبة مختلفة، وهي فن الملحون وقصائده، الذي أبدعت فيه وجددت، والحصيلة أنها أصدرت ألبومات متعددة، نالت استحسان وإعجاب العارفين بهذا الفن الرفيع، نقادا وجمهورا واسعا وعريضاً.
عبد الله زريقة حالة شعرية مغربية استثنائية، واستثنائيتها تكمن في اختيار الشاعر لأفق آخر، مختلف عن نصه المنتمي عضويا لبلاغة الهامش، والانتصار لقضاياه على غرار ما فعله في السابق، من مجموعته الأولى رقصة الرأس والوردة وبنسبية أقل في مجموعته" ضحكات شجرة الكلام" و"زهور حجرية"، لتقليب أتربة نصية جديدة بوصلتها التجريب الإبداعي، وبأشكال متعددة بدأت مع "تفاحة المثلث" إلى ماتلى ذلك من مجاميع، استنادا إلى استعارات الحياة المتناقضة، والانتباه لتمظهراتها بدقة العارف المبدع والكاشف عن مستور المعاني، إنه –أي الشاعر- صانع لنص سحري يتجاوز المألوف والعادي، مخترقا ومُغيراً على تقاليد النص الشعري المتداول في التجربة الشعرية المغربية والرقي به-أي النص- لأقصى ملكوت الذات، وهو الإقامة في أعالي "الأنا" والانتساب لسر الفرادة مبنى وعنىً.
في "تفاحة المثلث" نقتطف:
"وفزعت حين رأيت
رجلي فوق عقارب
وحين بلغت الماء
بحثت عن فم الأرض
فلم أجد غير أرض
تشبه ظهر السلحفاة".
يقول الناقد اللبناني جهاد الترك عن الشاعر عبد الله زريقة:
"هل هذا نهاية الشعر-يتحدث الناقد عن مجموعة الشاعر إبرة الوجود-لدى عبد الله زريقة؟ هل من شأن الشعر وهو يشق طريقه إلى الغياب الذي لا عودة منه، أن يحكم على نفسه بهذه العزلة الأبدية وراء جدران يتعذر تسلقها من الداخل والخارج؟ قد يخيل إلينا، للوهلة الأولى، أن الشاعر يسرع الخطى إلى مصير كهذا لا نجاة منه. أو أنه يوحي بأن الرؤية الشعرية لا بد وأن تصطدم بحتفها في نهاية المطاف.الأرجح أن لا شيئ من هذا القبيل وإن بدا أن الشاعر يضعنا في هذه الأجواء القاتمة. إنه أحد المشاهد التي يشيعها في هذه النصوص تعبيرا عن التحولات الذاتية العميقة التي تداهمه، وهو ينظر إلى العالم من موقع الغياب، الذي بلغه بعد نزاع عنيف مع اللغة وتداعياتها وانكساراتها"
بهذا الوصف يكون الناقد جهاد الترك قد اخترق حاجزاً ظل الشاعر عبد الله زريقة يضربه حول نصوصه، لتظل مسيجة كحديقة خاصة يمتلك الشاعر ذاته مفاتيحها ناصية اللغة الغرائبية، والمتخيل المسترسل الذي يوفره الهامش بما فيه هامش الحرية الشائك، والاستعارات المتجددة في الحياة والتي يغذيها الأفق اللامتناهي لتأملات الشاعر المستمدة من مرجعيات الفكر بما فيها الفكر النقدي.
وعن اللغة وعن القرابة برصيفها، حيث خطوات الشاعر تحث المشي عن منتهى غرابة القصيدة والحياة يضيف الناقد اللبناني جهاد الترك:
"إن الشاعر يقترب من اللغة على نحو افتراضي. لا يزعم غير ذلك بدليل أن الإحساس بالغربة لا يفارقه وهو في قلب معركته المحتدمة مع اللغة. مرد ذلك، على الأغلب إلى إحساس مسبق بأن إقامته في اللغة مؤقتة، عرضية، كالضيف الخفيف الذي ما أن يجيء حتى يهم بالمغادرة. ولكن إلى أين يغادر؟ إلى اللغة نفسها بعد أن تتشكل من جديد لتصبح لغة أخرى، وكأنها لم تكن من قبل"..
في شهادته عن الشاعر عبد الله زريقة وعن المكانة المتقدمة التي يحتلها هذا الآخيريقول الشاعر والروائي حسن نجمي:
"عبد الله زريقة شاعر مغربي كبير فرض على المشهد الشعري المغربي قيمته الشعرية والإنسانية في صمت وتواضع كبير.لا يدعي عبد الله أي ادعاء شعري أو جمالي إنه يكتب فحسب، يحفر في أعماق تجربته الشخصية، باحثا عما تبقى من ذاكرة الطفل الذي كانه، مستعيدا مختلف اللحظات والأمكنة في أحياء القصدير الهامشية التي ولد وكبر فيها، متمثلا الحيوات، المتجاورة للناس البسطاء هناك عبر مختلف أشكال حضورهم وغيابهم، ومختلف نظراتهم وإيماءاتهم الجسدية الثرية بالصور والإرهاصات الشعرية. شخصيا، لا أستطيع مطلقا أن أتخيل أية خريطة للشعر المغربي الحديث والمعاصر بدون الشاعر عبد الله زريقة، أو في غيبة لمسته الشعرية الناعمة والخاصة".
وفي المزيد من الكشف عن شخصية عبد الله زريقة الشاعرية، وعن ابتعاده عن الضوضاء يضيف حسن نجمي:
"لقد شيد عبد الله زريقة مكانة استثنائية له ولقصيدته في المغرب الشعري، بفضل صبره وطاقة تحمله وقدرته على التقشف في حياته وفي شعره. ولم تكن لعبد الله زريقة متطلبات كبيرة كي يكون شاعرا كبيرا وحقيقيا –لأنه فعلا هو كذلك-بل كان مطلبه الصغير ومازال حتى الآن أن ينأى بنفسه عن الزعيق العام الذي – نحن زملاءه الشعراء المغاربة الآخرين-استسلمنا أغلبنا له، وأن ينأى عنه كل نص عمومي، وكل فعل ثقافي أو اجتماعي أوسياسي قد يؤثر على صمته، وعلى المسافة النبيلة التي اختطها لنفسه اتجاه الدولة والمجتمع واللغة المتورمة بأنفاس المؤسسات العمومية".
ومما يذكره الشاعر والروائي حسن نجمي عن شخصية الشاعر عبد الله زريقة، الذي كانت تجمعه وإياه مجالسات ومسامرات في مقهى ابن بطوطة في حي "بلفدير" بالدار البيضاء مع ثلة من المبدعين والشعراء والكتاب المغاربة يقول:
"أذكر دائما عبد الله زريقة في مقهى ابن بطوطة بالدار البيضاء، حيث كنا نجلس قبالة محطة القطار"الدار البيضاء المسافرون"، عبد الله راجع، وعبد اللة زريقة، ومحمد عنيبة الحمري، ويوسف فاضل والمرحوم الشاعر أحمد بركات...وآخرون، وزريقة أمام كأس قهوته السوداء، وبلباس متقشف ويد ساهية لا تنفك تلامس لحيته السوداء، قوي الحضور بيننا وفي الآن نفسه يعطي الانطباع بأنه يجلس وحده نائيا بنفسه ونظرته. كان عبد الله زريقة قد خرج من تجربة مرة مع النظام السياسي في بلاده في تلك السنوات التي وصفت بسنوات الرصاص، حيث اضطهد في مساره الجامعي كطالب تقدمي من نشطاء اليسار الجديد، بل وكان الشاعر المغربي الوحيد الذي اعتقل وحوكم وصدر في حقه حكم بالسجن لمدة سنتين قضاهما في سجن مكناس من أجل قصيدة، في الوقت الذي حوكم شعراء وكتاب آخرون من أجل التزامهم السياسي بتهمة الإخلال بالأمن العام للنظام..في تلك السنوات التي وصفها الشاعر الفلسطيني والصديق عز الدين المناصرة في مقالة له بـ"عباد الله في سجون الملك"، وكان يتحدث وقتئذ عن عبد اللطيف اللعبي، وعبد القادر الشاوي، وعبد الله زريقة الذين جمعهم السجن في لحظة عسيرة واحدة".
ستظل مكانة الشاعر عبد الله زريقة محفوظة، ومحفورة، وموشومة في سجل الشعر والأدب المغربيين نظرا لما راكمه من مثن شعري حداثي في المضامين وأشكال الكتابة، وهو يعد وعن جدارة واستحقاق إضافة نوعية في المشهدين الإبداعي والثقافي في المغرب، نظرا لقوة نصوصه وفرادتها وبحثه الدائم عن أرخبيلات جديدة لمتخيل واستعارات وصور قصائده ومعانيها، الضاربة في جذور الغرائبية السحرية، ولهذه الاعتبارات ولسواها ترجم لعدة لغات نذكر منها الفرنسية، والإسبانية، والإنجليزية، والألمانية، كما أن له حضور قوي في المحافل الشعرية العربية والعالمية.
عبدالله زريقة
عبد الله زريقة كاتب وشاعر مغربي ، ولد بمدينة الدار البيضاء يوم 16 - 12 1953. حصل على الإجازة في علم الإجتماع من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1978. وفي نفس السنة تعرض للاعتقال وحكم عليه بسنتين سجناً. وهو يمثل في مدونة الشعر المغربي مكانة مخصوصة، لم تتوافر لشاعر مغربي غيره، فهو مثلا بالقياس إلى الشاعر عبداللطيف اللعبي ورفيقه في السجن حالة على ديمومة شعرية احتفظت بكل طاقتها على مدار سنوات السجن وسنوات الحرية، وهو بالمقارنة على الشاعر المغربي صلاح الوديع، السجين الآخر، أقل تورطا في الشأن العام، محتفظا بالعزلة اللازمة وبالغموض الذي يضفيه على قصيدته وعلى حياته معا، وهو إذا وضعناه جنب النيسابوري يزداد الفرق، لكن في الآن نفسه تتوطد الصداقة الشعرية. هو في الحقيقة عالم مائج من الإدهاش، يقيم في معترك وعي الأنتليجانسيا المغربية، يعبر في قصيدته عن الهامش المتاح من الحرية، ويكتب لغة المتروك ويوسع من الدوائر الضيقة.من أعماله الشعرية: ــــ
رقصة الرأس والوردة - الدار البيضاء، مطبعة الأندلس 1977
ضحكات شجرة الكلام - الدار البيضاء، منشورات المقدمة 1982
زهور حجرية - الدار البيضاء، منشورات البديل 1983
تفاحة المثلث، عمل مشترك مع الفنان عباس صلادي، الدار البيضاء، مؤسسة بنشرة 1985
فراشات سوداء - الدار البيضاء، دار توبقال للنشر 1988
فراغات مرقعة بخيط الشمس - الدار البيضاء، منشورات الفينك 1995
سلالم الميتافيزيقيا: دار الفينيك ــ الدارالبيضاء
إبرة الوجود: دار النهضة ـ بيروت 2008
ـــــــــــــــــــــــــ
قـطـرات شـموع سـوداء
...........
وهكذا أطفأت الشمعة
لأشعل الظلمة
فرأيت الشمس
منعزلة عن الضوء
ورأيت أبوابا
ولم أر
ديارا
والفراشات
تخرج من ديدان الموتى
وخفت أن يكون
وجهي وجها آخرا
ملتصقا بوجهي
وفزعت حين رأيت
رجلي فوق عقارب
وحين بلغت الماء
بحثت عن فم الأرض
فلم أجد غير أرض
تشبه ظهر السلحفاة
:وصحت
الجحيم كل ما يبقى
من الجنة
وتفنى الجنة
وتبقى النار
وغبت
بقيت يدي
وحدها حاضرة
وحين عدت
وجدت أصابعي
ألسنة نيران
:قلت
آه لو تعرف
أن الليل أحن
علي من النهار
وأنقضي أنا
ولا تنقضي الكأس
:وغنيت
رجلي يا رجلي
يا قدم اللذة
وحين حضرت المرأة
أطفأت الشمعة
:وصحت
انس لغتك
واترك لسانك
وحده يلوك
لغة أخرى
وفكرت في الشمس
التي لم ترني عاريا
وفي الغابة
رأيت الريح
ولم أر الناي
:فكتبت في الهواء
لا تغن مع الريح
( وفي الليل
رأيت عصفورا
تنقر حلمات النهد فقط )
وصحت في نملة
لا تعودي الى بيتك
فهناك سجان
يلعب بمفاتيحه
في انتظارك
وفي الماء
رأيت ثعبانا يخرج من فمي
وفي النوم
رأيت صمتا
أسود
!أسود
ــــــــــــــ
تفاحة المثلث
........
انحدرت من اللذة
و سارجع الى اللذة
الكامنة في بطن الارض
ولان طفولتي كلها شجرة
حملت اغصاني
بعيدا
حتى يبقى العري
وعاء الحكمة
آه الحكمة مرة الآن
وحلوة
فيما بعد
اذهب
اذهب
ولا تلتفت وراءك
فستحرقك
المعادن
التي تركتها
خلفك
و اي حيوناات اللذة
تريد؟
الحلزون
السلحفاة
الوردة
الارنب
أو أنت فقط؟؟
انا الذي انظر بعيدا ما وراء
الغيوم
وما وراء البحر
مااذا أرى؟؟
لا تتأخر
لا تتأخر
أسرع
أسرع
ولا تلتفت وراءك
إذا استطعت
كن عطرا
في عرق جسدك
أسرع
أسرع
ولا تتوقف
لتشعل شمعة
ايها القراء
ايتها اللاحجار
لا توقفوا
هذا النهر
العطشان
ايها القارىء
اكتب
ولا تقرأ
ايها القارىء
لا ترفع يدك
في وجه وجهي
ايها القارىء
عش حيث اموت
فحين يفنى الكون
ستبقى الحكمة وحدها..وحدها
أه الحكمة صمتها
بعض الاحيان
بعض الاحيان
وحجر على حجر
أدق اللذة
قالوا لي
من اين
تخرج الورقة اذن
قلت
ثعبان
من حلاوة تفاحة
وكتبت لايزين الورقة البيضاء
سوى الكأس الابيض
قالو وحينما يتحرك القلم؟
قلت يتحرك الثعبان
ـــــــــــ
عبد الله زريقة
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
التعديلات المعلقة معروضة في هذه الصفحة غير مفحوصة
عبد الله زريقة كاتب وشاعر مغربي ، ولد بمدينة الدار البيضاء يوم 16 - 12 1953. حصل على الإجازة في علم الاجتماع من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1978. وفي نفس السنة تعرض للاعتقال وحكم عليه بسنتين سجناً.
من أعماله الشعرية
رقصة الرأس والوردة - الدار البيضاء، مطبعة الأندلس 1977.
ضحكات شجرة الكلام - الدار البيضاء، منشورات المقدمة 1982.
زهور حجرية - الدار البيضاء، منشورات البديل 1983.
تفاحة المثلث، عمل مشترك مع الفنان عباس صلادي، الدار البيضاء، مؤسسة بنشرة 1985.
فراشات سوداء - الدار البيضاء، دار توبقال للنشر 1988.
فراغات مرقعة بخيط الشمس - الدار البيضاء، منشورات الفينك 1995
سلالم الميتافيزيقيا: دار الفينيك سنة .
عن الكتابة عند عبد الله زريقة
عبد الواحد مفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 4252 - 2013 / 10 / 21 - 01:55
المحور: الادب والفن
هل صحيح أن نهاية جنازة شاعر هي بداية عرس قارئ .. لا مجاز ولا مناص من الانفلات .. الوضع هنا أن القارئ العربي كيفما كان يبقى المتن الشعري أبعد النصوص التي يتناولها الشعر بعيد.. قليل . ونادر هم الشعراء الذين سوو تجربتهم الشعرية ببحت واجتهاد واستطاعوا ترسيخ قدمهم على خارطة الشعر المغربي .. عبد الله زريقة واحد منهم زريقة الذي أثث لتجربته الشعرية بعيدا عن الزعيق العام في استثنائية وتواضع لا افتعال فيه، ابتداءا من ديوانه: رقصة الودة والمرأة، مرورا بزهور حجرية –تفاحة المثلث – فراشات سوداء-سلالم الميتافيزقا- إبرة الوجود –حشرة اللامنتهى، وكل الأعمال الشعرية والنثرية التي نحتها في صخرة الإبداع الكوني والمغربي ،رسخ رؤيته للشعر كوسيلة للتفكير والوصول إلى المطلق فهو شاعر يكتب بالمعنى ليصل إلى الكلمة .
الكلمة هنا سؤال عال لتيمات : الكتابة /الموت/الجمال/السؤال
تيمات ترافقها طفولة الانتباه، أما الجوهر فسطر شعري مقتنص ومُشتغل بإمعان حر وتأمل يفيض .
تَحضر السريالية، كأسلوب ومدرسة يمكن تجاوزها بسهولة، فما يقترفه زريقة ..هو كتابة لا شيء أخر ..كتابة رقيقة يمكن أن تحبط خطة أي سؤال مبني للمجهول .
وتعتقل قارئها، داخل إيقاع يتأسس على التفاعل والمجاورة ،بفعل شرنقة القراءة التي هي هنا كتابة ثانية بالضرورة ،أمام قصيدة تربك الصمت ولا ترخي ضفيرتها أمام قراءة لمجرد العادة
بنغمة خاصة يكتب عبد الله زريقة المنتمي عضويا لبلاغة الهامش قصيدته غير حافل بالشكلانية في السطر ولا تُلهيه غنائية الكلمة عن جوهرها في صقل عميق للفكرة الشعرية بعيدا عن أي إيقاعية تقليدية. يؤثث لدفئه الشعري الخاص، دفئ لا يتزيا بمساحيق الكتابة العمومية، وإنما يقشر فعلها مثل برتقالة ثرثارة المعنى
وجهها للشمس وقلبها حرقة السؤال وحبه.
خمرة القراءة هي ما يطالعك أمام هذا المتن /البئر حيت الورقة تراب والكتابة زهور لا تفرج عن زينتها إلا أمام قارئ متمرس يسبر أغوار ما يتدلى من فتنة فادحة
فتنة القراءة حين تجد ما تقرأ
والكتابة حين يختفي المارة .. ينتفي المهرجون
وتجد وحدك
أمام نص .. مسيج بضراوة القمح
سلالم سلالم
نحو الكوني في الشعر .. اللامرئي في السؤال
الهامشي واليومي احتفالا وارتفاعا نحو ما يليق من حياة
الكلمات كمثرى .. وزن على إيقاع الخفيف من أيامنا / العميق من أسئلتنا
حروف تتقلب في لزوجة معنى بياض كالشمع ، لكن لمادا الشمع وحده بياض لا رماد بعده .
تيمات وإشكالات عديدة في قصيدة الشاعر عبد الله زريقة اللغة التي تشبه تلعثم اللون في لوحة تجريدية ..غرابة تبلل الرموز العليا للإنسانية ..تدفق في غير اضطراب
سنفونية تحاصر سماء ..أغنية كونية تتزين بشهوة الكلمات ، ماء وفقط يموج أحصنة الإيقاع والإيقاع شعر يمحو البيضا بالسؤال
هل صحيح أن حاجتك إلى مرآة يقود إلى العمى؟
الشعر عكس ذلك
لا مجال لعري ما ،الجمل الشعرية هنا امتلاء المعنى وفيضه
غير هذا أن الشعر والسؤال، يحضران وجها واحدا لا يكتفي بمداعبة أخيلة الماوراء، بقدر ما ينخرطان كأحد أشكال الإنتاج الفلسفي في تعدد تقنياته وآلياته، فعبد الله زريقة القادم من الدرس الفلسفي الصارم، إلى أتون الشعر لا يعرف الشعر إلا شكلا للمعرفة، فليس الشاعر فيلسوفا أخطأ الطريق كما قيل، خاصة ونحن أمام شاعر يدفع بالكتابة إلى منحدر سؤال يطرزه بهندسة البياض
لوحة تجريدية ليست غير باب لكلمة لم تستحم بعد محمومة بأنفاس اللامكتوب تأتي .. مضواعة ومطواعة تستأسد فوق نهدي ورقة فالكتابة عند عبد الله زريقة كما لم يكتب من قبل ..حرف يتمنع في وضوحه ..الإدهاش أوله وليس الشعر غير ما يسيل من طراوة قصيدة لا تلوي إلا على لا نهائية السؤال والمآل
النص هنا مفتوح ومغلق والمابين فخمرة تهب القراءة اشتعالها ..هنا معنى يتسلى بنظافة حروفه ..كلمة تستل خنجرا من غمض ورقة تغتال بياضها لا لشيء الا لتلتهم عين قارئ
المجاز يشمر عن بياض يديه على مرأى من السابلة ..النص يصير مشهدا عاما ..كبسيط يفتح أول صباحه بسؤال وأغنية
لن أتكلم عن عبد الله زريقة المتحصن داخل أصالة بحته ونصه في عزلته الإختيارية بعدما داق عدابات السجن والمنافي القهرية كأول شاعر مغربي يسجن من أجل قصيدة
لن أتكلم عن رجل لا يتسلق صورة ليقول كنت هنا ..بعيد عن جعجعات اللقاءا الثقافية المغربية الفارغة بإجماع تعددت أسبابه واتسخت
عبد الله زريقة البعيد قليلا .. والقريب جدا نص يصير الى أحد أناشيدنا الشعرية العالية الذي يتسع فينا كمنجز يعبئ روافده بأسباب التراء والمغايرة بعدما بدأ حياته كمناضل سياسي تسكن قصائده أصوات الكادحين وأمالهم في مغرب أفضل
هو المنحدر من جيل السبعينات وأحيائه الهامشية وما اصطلت به الحقبة من رصاص وسجت لم يسلم منه الشاعر والتهمة كتابة الشعر
الشعر هنا كان حقيقيا ويحاكم الناس من أجله ..كصوت حاد وحقيقي عرفت قصائده ونضاله الطبقي والسياسي كان بارزا وعلامة فارقة تؤرخ لمرحلة مهمة من نضال اليسار المغبي لا يتسع المقام هنا لبسطها وتفصيلها
أقول بعد هذه الفترة يتحول النص عند عبد الله زريقة إلى الإشتغال على داخله كمتن خاص فريد له ما يميزه ويتمنه داخل خريطة قصيدة النتر العربية التي طالما أتهم النقاد المشتغلين عليها بالتكرار والمشابهة
عبد الله زريقة الذي لا أستطيع أ أصفه إلا بالوحيد الدي يربي الجبال العالية للمعنى
المشتغل على هواجسه الميتافيزقية ، وقصيدته بعيد عن كل ما سواها
أدب السجون.. عبد الله زريقة السجين الأبدي
المساء نشر في المساء يوم 19 - 03 - 2008
في العمل الشعري الجديد الصادر عن دار النهضة العربية في بيروت، والمعنون ب«إبرة الوجود» يواصل عبد الله زريقة كتابته الشذرية القائمة على تفكيك أوصال المعنى وعلى الصقل العميق للفكرة الشعرية غير مأخوذ بأي غنائية مهما كان إغراؤها
يمثل الشاعر المغربي عبد الله زريقة في مدونة الشعر المغربي مكانة مخصوصة، لم تتوفر لشاعر مغربي غيره، فهو مثلا بالقياس إلى الشاعر عبد اللطيف اللعبي ورفيقه في السجن حالة ديمومة شعرية احتفظت بكل طاقتها على مدار سنوات السجن وسنوات الحرية، وهو بالمقارنة مع الشاعر المغربي صلاح الوديع، السجين الآخر، أقل تورطا في الشأن العام، محتفظا بالعزلة اللازمة وبالغموض الذي يضفيه على قصيدته وعلى حياته معا، وهو إذا وضعناه بجنب النيسابوري يزداد الفرق، لكن في نفس الآن تتوطد الصداقة الشعرية.
هو في الحقيقة عالم مائج من الإدهاش، يقيم في معترك وعي الأنتليجانسيا المغربية، يعبر في قصيدته عن الهامش المتاح من الحرية، ويكتب لغة المتروك ويوسع الدوائر الضيقة.
قلما نعثر على عبد الله زريقة في المكان العام، أو في «النشاط» الثقافي، لكنه مع ذلك واضح في المكان الذي يحتله في الشعر المغربي، وربما لا يجد الناقد مشقة كبيرة في تحييزه في الحيز الذي يشغله، وهو منذ «تفاحة المثلث» و«فراغات مرقعة بخيط شمس»، وقبلهما «رقصة الرأس والوردة» و«ضحكات شجرة الكلام» و«زهور حجرية» وما تلا ذلك من بحث شعري وبالأخص في ديوان «حشرة المنتهى» والذي ركز فيه الشاعر الكثير من «عوائد» الكتابة لديه، يواصل مغامرة خطرة في قطع دابر الإيحاء الذي يثقل ذاكرة اللغة.
في العمل الشعري الجديد الصادر عن دار النهضة العربية في بيروت، والمعنون ب«إبرة الوجود» يواصل عبد الله زريقة كتابته الشذرية القائمة على تفكيك أوصال المعنى وعلى الصقل العميق للفكرة الشعرية غير مأخوذ بأي غنائية مهما كان إغراؤها.. إنه، بجملة واحدة، من الشعراء الذين لا تلهيهم موسيقى الكلمات عن جوهر الكلمات، ولذلك فإنه يؤلف بالمعنى، ويشيد الدلالة جنب الدلالة، عمل الشاعر هو أن يجوهر فكرته لا أن يمنحها طبولا جوفاء تغني مع كل ريح. وكلما «كبرت» قصيدة عبد الله زريقة كلما غاص صاحبها في طفولة الأشياء، تلك الطفولة التي توقفت في الحبس، ومن السجن بنت كل وجودها، وكأن المعنى الجوهري الذي تقوم عليه الحرية هو طاقة تعطيل الحرية، حيث تصبح هذه «العطالة» فرصة للتأمل لا يمنحها العالم الخارجي، لأن كل تهديد يكمن هناك، في الحبال غير المرئية للحرية، التي تلتف على العنق وتذهب بالعقل وتكسر المسام وتعبث بجسد الرؤيا. يشبه شعرعبد الله زريقة، الذي ينظرمن ناظور عملاق إلى الكون، كل جزيئة هي عالم سيد كامل الذات، متشابك ومتداخل مع الجزيئات الأخرى التي تجاوره، وبقدر هذا التشابك يحتفظ هذا العالم الماكروسكوبي بهويته التي تحدده، وبكينونته التي تميزه، فيا لهول ما نرى، ويا لروعة ما يرى الشاعر المجنون برؤاه في هذا العالم المزدحم بالأفكار، وبالإنتهاك المموه تحت ألف يافطة وألف شعار. يفضح الشاعر عبد الله زريقة أحبولة الوجود، بل إنه وفي سياق العناية بهذا الاحتفال بشعرية الصغر، يمضي في طريق البحث عن «إبرة الوجود» كي يخيط الكساء أو يلائم الرقع، وكي يكسر هذا الطوق المضروب على العالم وعلى الأشياء.
يقول عبد الله زريقة بصريح العبارة إن «الحرية لا تستريح إلا فوق سطح سجن»، وإمعانا في الاشتغال على موضوعة الشجن ترد مقاطع أخرى أكثر شفافية تعكس عمق تجربة الشاعر السجنية أو الشعرية سيان.
يكتب عن الزمن الوجودي للشاعر السجين، وعن معنى تعاقب الليل والنهار «أما النهار فبقايا ضوء يقود إلى غمل سجن». وفي التفاتة بديعة من الشاعر تأخذ الأشياء الأخرى شكل زنزانة مغلقة، فهناك قشرة الحلزون المسدودة، وهناك الباب الذي يتحول إلى جسد حارس بدون رأس، وهناك الشاعر نفسه «الشاعر الأعمى في أرض مبلطة بالنسيان»، وأيضا هناك الحرية التي تقصر أو تطول حسب قميص الهواء الذي يرتديه كل واحد، وحين تضيق قمصان الهواء يضيق مقاس الحرية أيضا.
السقف الواطئ للحرية يستدعي السخرية المبقعة من الوقت ومن كل رسل الحرية الجدد اللاهجين بأن الوقت وقت آخر وأن الزمن قد انزاح قليلا عن ثقله، فكل شيء في غياب الحق في الحرية يتحول إلى موت، حتى إن اللون الأزرق في لون لحم الموتى هو نفسه الأزرق الموجود في زرقة البحر.
لذلك يجهر عبد الله زريقة بأنك لن تصبح حداثيا إلا حين تكسر رأسك الخزفي المشرئب من حافة قبر.
عبدالله زريقة في سلالم الميتافيزيقا
في مجموعته الشعرية السابعة »سلالم الميتافيزيقيا« (دار الفنك- الدار البيضاء) يواصل الشاعر المغربي عبدلله زريقة انسحابه من المناخات والأسلوبيات التعبيرية التي طبعت مجموعاته الشعرية الثلاث الأولى, باتجاه كتابة قصيدة تتحرر من المعطيات الخارجية والمعاش واليومي, منسحبة من القاموس اللفظي الذي كانت ترتكز عليه, فاسحة المجال لإحلال قاموس لفظي آخر.
تنفتح قصائد سلالم الميتافيزيقا على مناخات النسيان, الغياب,الموت لتؤسس عبر فضاءاتها شبكة من الصور, تتخصص حولها هذه الأقانيم الثلاث, التي تشكل مرتكزات أساسية تنهض عليها طبقات المعنى.
يبدو الكائن في القصائد وحيدا لا حول له ولا قوة, تطبق عليه الوحشة, ويضيق الأفق أمامه, ولا خلاص له سوى الغوص أعمق فأعمق في وحول النسيان. والشاعر الذي يكتب:
»لم أفهم هذه الميتافيزيقا
إلا حين سال مني دم كثير« (ص24)
لا يتخصص المعنى الذي يتوسله من خلال الكلي, والفوق واقعي المصوغ في فضاءات القصائد فحسب, بل يتكثف أيضا عبر قاموس لفظي يكاد يكون النقيض التام لقاموسه الذي طبع مرحلته الشعرية الأولى, وهو يتمدد على رقعة مساحتها الموت, الخوف, الرعب, الأبيض, النمل, الحلزون,الفأر, الذباب, الدم, الوقت, الشمس, الضوء, القناع, الأفق, السماء,... الخ.
يكتب الشاعر قصيدته دون أدنى اهتمام بما هو شكلاني. كما أنه لا يبدو باحثا عن انتصارات على جبهات التجريب. فالتعبيري هو ما يشغل قصيدته, ويقودها إلى فضاء النسيان الذي يتوخاه:
»واه أواه. عد
فالوجه الذي تخرج به في الصباح
لا تعود به في المساء
وغطاء السرير الذي تركت
سيصبح كفنا بعد قليل
والوقت يسيل من أنبوب ماء صدئ
ووحيد وليس لك إلا ان تكتب مغمض العينين
حتى يمتص الحبر الذي فيك
كل هذه الظلمة«
(ص80)
يتمثل الشاعر في قصيدته جماليات النص الصوفي, من دون أن تشكل استفادته في هذا الجانب سياقا عاما تنطبع به لغته هذه الاستفادة تتجلى من خلال تمثله لتقنيات النص الصوفي خصوصا تجريد الكلام, والانفصال عن عالم الحواس. والحال, إن استبطان تحتانيات قوله الشعري, يحيلنا إلى هم التمثل أكثر من التنويع الشكلاني اللفظي واللغوي على تعريفات النص الصوفي. لذا فهو يدفع لغته بقوة نحو الرمز, ويجردها لكيلا يتبقى منها سوى الاشارات, من دون أن يتطرف في ذلك, فتبدو لغته نتاج الأعمال القصدي والعقلاني والذهنية الجافة. فالمكابدات والمعاناة اللتان يتوسل كتابتهما تسطعان خلال التوتر الشعوري والوجداني الحادين متمظهرين في عمق القول الشعري, وليس على سطحه:
»لا يزيل خوف الكلمات
سوى التأويل
ولا رعب النقطة
سوى الحذف
ولا رهبة الحواشي
سوى النسيان«
(ص20-21)
تلعب الأسئلة دورا مهما في عملية بناء النص وحياكته, والامساك بعصبه, وتوتير شعريته, أسئلة تتبعها أسئلة, لا تنتسج في الفضاء الدلالي فحسب, بل وفي طبيعة القماشة الشعرية الحزينة والمكسورة والتي تعكس جغرافيا الأعماق, ومراياها المتشظية, تلك القماشة التي تتشكل منها مادة القصائد, وتنطبع بطابعها الرمادي.تنتج الأسئلة مفارقات حادة, ومقابلات لا تقل حدة عنها, وهي تتوزع على التنكير والتهويل والتعجب, والشجن... إلخ وهي عموما لا تنتظر جوابا شافيا ولا تسعى, إليه, فمسعاها تعميق الغوص أعمق في النسيان والغياب, كما أنها تبدو أهم من الجواب الذي لا يمكنه أن يملأ حيزه, والشاعر يوجهها إلى فنانين تشكيليين كجياكوميتي, ودولاكروا, وإيغون شيل, وفيرمير... إلخ عامدا الى اقامة مقابلات وتداخلات, عبر الأسئلة, ما بين أعمالهم الشهيرة.
يولف الشاعر جملته وعبارته أكثر من مرة,في شكل دوراني والتفافي, لكنه كل مرة يتحاشى الوقوع في التكرار والسقوط في مطب, إعادة إنتاج القول مرة أخرى, كأنما يرغب في تقليب اللغة على وجوهها المختلفة بنى وأساليب وتراكيب, بغية كتابة الداخل حتى لو ذهب بعيدا, وحاذى تخوم المجازفة, فما يهمه أولا وأخيرا هو الانهمام في قول ذاته, أكثر من الصنع والتركيب مجردين,مدفوعا إلى إخراج زمن النسيان الذي يقبع فيه, فيما قوله الشعري يحفر مجراه وحيدا, بنفسه.
إذا كانت ترد في أشعار زريقة السابقة سمات المكان المغربي أشخاصا وأمكنة, ففي قصائد المجموعة تطل بعض هذه السمات الخاصة بالزمن المغربي وحده دون غيره, فالشاعر يحافظ- في افتتاحيات قصائده خصوصا- على النبرات التي تطبع اللهجة المغربية اليومية ويتداولها الناس في عيشهم, وهي تظهر في تراكيب مثل ؛ياه ياه, واه أواه, ياهيا, ياكا, ياهاناه ... الخ) هذه المفردات المحكية الشفوية لا تبدو مقحمة إقحاما على السياق اللغوي الفصيح, إذ لا نشعر بأي نشاز ينتج عنها, بل تعطي للقصائد حرارة المفتتح, وتهيئ القارئ للدخول في عالم القصيدة. أيضا يرد في قصيدة: ؛لقاءات بيضاء وصفراء.. اسما مدينتي: فاس ومراكش. كما يمكن الوقوع داخل القصائد على تراكيب لغوية لا تنتسب إلى قواعد اللغة العربية مثل »يا ماذا« (ص87) وغير ذلك من التراكيب المشابهة يشيع الشاعر في قصيدته الفانتازيا, لكن الصور الفانتازية المشاعة لا تفرق في فانتازيتها, فهي أقرب إلى الغرابة منها إلى الفانتازيا الكاملة العناصر. أيضا يلعب القص والخطاب دورا غير قليل في إنشاء قوله الشعري,من دون أن ينزلق في النثر العاري أو السيولة اللفظية قصيدة: »ضياع إبرة الوقت« أيضا يستفيد قليلا من البنى التعبيرية للأسطورة مستخدما شخوصها أقنعة في قصيدة واحدة هي: »أقنعة تؤدي إلى وجه أوليس«.
قصائد »سلالم الميتافيزيقا« تنهض على جماليات بدأها الشاعر بعد ديوانه »زهور حجرية« المكتوب في السجن, يحفر فيها تحت الموت والغياب, في محاولة لاضاءة الأسئلة الأنطولوجية الكبرى التي تلتف على وجود الكائن, وتمر بكتاب, فنانين, متصوفين, شخوص أساطير, ...الخ معمقة« الفضاء المتوسل أسلوبيا يؤسس القول الشعري نفسه لحظة الكتابة, وتلعب شعرية السؤال دورا مهما في بنيته, مضافا إليها القص والخطاب وتعبيرية الأسطورة وتقنيات النص الصوفي وغير ذلك من التقنيات الشعرية الممرة ضمن مشغل شعري, لا يلقى الحت والنحت والحفر اللغوي, والتوازنات اللفظية اهتماما بالغا, مقدار الانهمام بقول الداخل وقراءة صوره.
ص.د